آراء

الثورة السورية واحتمالية تغيير مسارها

جوان ولي

بدأت الثورة السورية في آذار 2011، بخروج مظاهرات في المدن السورية ضد نظام الحكم والتي قوبلت بالقمع و كافة أشكال العنف ؛لتتحوّل بعد فترةٍ ليست بقصيرة الى مواجهاتٍ مسلحة.

الكثير من السوريين يعتقدون أنه لو تمّ العودة بالزمن إلى الوراء وتمّ اتخاذ خطوات مختلفة عما تمّت من قبل المعارضة؛ لكانت النتائج مختلفة عما هي عليه الآن و لأخذت الثورة مساراً آخر.

الأسئلة التي نود ان نجيب عليها هنا هي:

هل كان فعلاً ممكناً تغيير مسار الثورة و التأثير على نتائجها لو سلكت المعارضة السورية طرق أخرى خلال تحركاتها ضد نظام الأسد في ظل وجود قوى عظمى كروسيا و أمريكا تريدان للثورة أن تتحرّك في مسار معين؟

هل كان من الممكن للمجلس الوطني الكُردي التأثير على مسار الثورة في المناطق الكُردية بطريقةٍ تؤثّر بشكلٌ جذري على حال الكُرد في كُردستان سوريا؟

رغم وجود اختلاف بين وضع المعارضة في المناطق العربية و المناطق الكُردية إلا أنّ القضية التي نريد مناقشتها هنا يتشارك فيها الطرفان (المعارضة العربية و المجلس الوطني الكُردي)، حيث وجود قوى محلية تريد تحقيق أهدافها و قوى أقوى منها تقف ضد تلك التطلعات ولا يوجد أي تكافؤ بين الطرفين.

ليس باستطاعة المعارضة السورية تحقيق أهدافها بوقوف قوة عظمى كروسيا في وجهها ووقوف أمريكا كمتفرج في الكثير من الأحيان ، وليس بإمكان المجلس الوطني الكُردي أن يحقّق أهدافه بوجود دعم مباشر لحزب الاتحاد الديمقراطي من قبل النظام السوري و حلفائه.

وبسبب عدم وجود تكافئ بين الطرفين ما كان للثورة السورية أن تسير خارج المسار الحالي، حتى وإن رجعنا بالتاريخ إلى الوراء و بدأنا من الصفر عشرات المرات فلن يكون هناك تحولات جوهرية و لكننا سنسير في نفس المسار.

بعد ان أدرك النظام أنه لا يستطيع إيقاف الثورة بدأ بتقوية جبهته من خلال البحث عن تحالفات داخلية ككسب القوى الكُردية و تحالفات خارجية كطلب دعم حزب الله و إيران و روسيا و هؤلاء هم مَن دعموا النظام بكلّ قوة و سخروا كافة إمكاناتهم ليبقى النظام واقفاً على قدميه رغم تحوّله إلى دولة فاشلة.

التحالف مع الأكراد:

تواصل النظام السوري مع أحزاب كٌردية فاعلة على الساحة الكُردية وقتها، ودعاهم إلى دمشق لعقد تفاهمات معهم بغية كسبهم إلى جانبه أو على الأقل تحييد المناطق الكُردية وإبقائها خارج الحراك الشعبي العام ، لكنّ الأحزاب الكُردية المؤثّرة وقتها رفضت طلب النظام؛ لأنها لم تشأ أن تكون المنقذ لنظامٌ قتل شعبه و اضطهد الكُرد قرابة نصف قرن ، من خلال تطبيق مشاريع عنصرية استهدفت وجود الكُرد على أرضهم التاريخية.

أصدرت حينها أحزاب كُردية “حزب آزادي الكُردي، تيار المستقبل الكُردي و حزب يكيتي الكُردي” بيانا أكّدت فيها أنها لا ترفض مبدأ الحوار “لأنه لغة العصر والاحتكام إلى العقل والحكمة في معالجة القضايا والمسائل المختلف عليها”، ولكنها “ترى أنه لا يمكن لأيّ لقاء أو حوار أن يكون مثمراً ونزيف الدم مستمر في المدن والبلدات السورية فوقف القتل والعنف تحت أي ذريعةٍ كانت والسماح للناس بالاحتجاج السلمي والتعبير عن مطالبهم بحرية دون تدخل من الأجهزة الأمنية، برأينا تعتبر مقدمة ضرورية وأساسية لإنجاح أي لقاء وطني لمعالجة الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد”.

وتابعت: “كون الأزمة عامة في البلاد، لذا يقتضي أن يكون الحوار عاماً وشاملاً لكلّ مكونات المعارضة السياسية عبر مؤتمرٍ للحوار الوطني بمختلف فئاته وشرائحه ودون إقصاءٍ لأحد، على أن يتمّ القبول بمبدأ صياغة جديدة لدستورٍ عصري للبلاد خالٌ من أي امتياز لأية جهة كانت حزبية أو قومية، والاعتراف الصريح بالتعددية السياسية والقومية”.

ذلك الموقف يحسب للحركة الكُردية سواءً كموقف سياسي مشرّف أو كموقف أخلاقي حيث أنها لم تشأ أن تدخل في اللعبة القذرة التي لعبها النظام ضد الشعب السوري و ثورته و أصبح موقف الأحزاب الكُردية ذاك لاحقاً مرتكزاً أساسياً لموقف المجلس الوطني الكُردي و الذي حدّد موقفه باصطفافه إلى جانب المعارضة السورية.

بخصوص تقييم ذلك الموقف بعد مرور كلّ ذلك الوقت فإنّ غالبية الآراء تنصبّ على رأيين هما:

الأول: هناك مَن يعتقد أنّ الحركة الكُردية لو قبلت طلب النظام و قتها لكان أفضل و كان من الممكن أن تسيطر الأحزاب الكُردية السورية على زمام الأمور في كُردستان سوريا و كانت هذه الأحزاب ستتلقّى الدعم الذي يتلقّاه حزب الاتحاد الديمقراطي و لكان الوضع أفضل مما هو عليه الان.

أصحاب هذا الراي ينسون أو يتناسون أنّ هذا النظام هو نفسه الذي عمل على مدار نصف قرن لإنهاء الوجود الكُردي في كُردستان سوريا و هو نفسه و رغم كلّ ما قدّمه حزب الاتحاد الديمقراطي من تضحيات على حساب الشباب الكُرد في حروب ليس للكُرد أي مصلحة فيها لم يعترف بأبسط الحقوق القومية للشعب الكُردي، رغم مرور حوالي اثني عشر عاماً على دعم حزب الاتحاد الديمقراطي للنظام، إلا أنّ هذا النظام لم يخطُ خطوةً واحدة تجاه الكُرد و قضيتهم و لم يمنحهم أية مكاسب سياسية.

النتيجة الحتمية للوقوف إلى جانب النظام كان من شأنه تشويه صورة وسمعة المجلس الوطني الكُردي وكذلك إحداث شرخ بينه و بين الشعب الكُردي؛ لأنّ الشعب الكُردي بمجمله كان مع الثورة ،إضافةً على التأكيد بأنه لا يمكن لأي تنظيمٍ يقتل و يشرّد شعبه من جهة، أن يكون مدافعاً عن حقوقه من جهة أخرى.

هذان الخطان لا يلتقيات تحت أي ظرف كان.

ثانيا: هناك رأي بأنّ رفض تلك الأحزاب طلب النظام اللقاء بهم كان الخيار الصائب ؛لأنّ عمليات القمع و الترهيب التي حصلت بأيادي القوات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي لقمع الثورة في المناطق الكُردية ستبقى وصمة عارٍ على جبين هذا الحزب وفيما لو توفّرت محاكم عادلة في سوريا لتمّ محاكمة القيادات المسؤولة عن تلك الجرائم.

قبول طلب النظام وقتها كان بمثابة قبول ارتكاب الجرائم بحق السوريين بشكلٍ عام و الكُرد بشكلٌ خاص. لم تستطع الأحزاب المعارضة لسياسة حزب الاتحاد الديمقراطي أن تسيطر على المناطق الكُردية و لكنها في نفس الوقت لم ترتكب أي جرائم بحق السوريين و لم تعتقل أو تنتهك أو تجرم بحق أي شخص. و لعلّ المجلس الوطني الكُردي يُعتبر فعلياً الرابح الأكبر في هذه الحرب التي لم يربح فيها أحد، حيث تسبّبت معظم المجموعات المسيطرة على مناطق في سوريا في قتل الأبرياء و تشريد الملايين منهم، و بقي ملف المجلس الوطني الكُردي نظيفاً من أي جرائم بحق السوريين.

بعد رفض الأحزاب الكُردية مقابلة النظام البعثي، توجّه النظام الى حزب الاتحاد الديمقراطي الذي لم يدعْ النظام ينتظر طويلاً حيث توافق الطرفان و بدأ النظام بتسليم المناطق الكُردية لل ب ي د.

خلال الفترة التي كان حزب الاتحاد الديمقراطي يتلقّى الدعم من النظام السوري و حلفائه بسخاء كانت الأحزاب الكُردية تنتظر مَن يدعمها و لكن دون جدوى حيث أنها لم تقبل أن تكون أسيرة لأجندات خارجية و قد تحرّكت بعض تلك الأحزاب في بداية الثورة، مثل حزب يكيتي الكُردستاني-سوريا لتشكيل قوة عسكرية، لكن عدم وجود داعم حقيقي لها بسبب عدم رغبتها في تنفيذ أجندات إقليمية و في نفس الوقت تلقّي ال ب ي د كافة أشكال الدعم من حلفائه كان كفيلاً بنجاح الأخير بفرض سيطرته على المناطق الكُردية و منع وجود أي قوة عسكرية أخرى فيه ؛ليتفرّد بالسيطرة على تلك المناطق.

النقطة التي يجب أن تٌذكر هنا هي أنّ النظام السوري لم يكن ليسلّم مناطقنا للأحزاب الكُردية دون مقابل ، و كان من الطبيعي أن تعمل تلك الأحزاب لتحقيق أجندات النظام السوري و تطبق مشاريعه في المناطق الكُُردية، والأمر المؤكّد هنا أنّ تلك الأحزاب الكُردية التي قام النظام السوري بدعوتها لم تكن مستعدة لتقديم تلك التضحيات حيث أنها لم تقم في أي وقتٍ بتبني العنف لإنهاء خصومها.

باختصار:

١- ليس من العدالة في شيء تحميل المعارضة السورية الحقيقية التي بدأت بالثورة مسؤولية عدم تحقيق أهداف الثورة السورية حيث عدم وجود تكافؤ بين قوى المعارضة السورية و بين القوى التي تعمل ضد الثورة كانت كفيلة بتحديد مسار معين للثورة.

٢- أمريكا لم ترغب أبداً في ترجيح كفة المعارضة ضد نظام الأسد ، و كان دورها مقتصراً على إدارة الأزمة و ليس حلها و هذا ما جعل تحقيق الثورة لأهدافها أمر مستحيل.

٣- لم يكن باستطاعة المجلس الوطني الكُردي أن يصبح بديلاً لحزب الاتحاد الديمقراطي في المناطق الكُردية؛ بسبب بُعد المجلس الوطني الكُردي عن العنف و عدم استعداده ارتكاب جرائم بحق السوريين .

٤- رغم ضعف المجلس و تقصيره في مجالات كثيرة بسبب تركيبته و آليات تحركه، إلا أنه يُعتبر من الرابحين في الثورة السورية لأنه لم يجرم بحق السوريين ولم يقتل أو يشرّد أحد و لعلّ هذا جلّ ما كان بإمكان المجلس تحقيقه في هذه الظروف الصعبة.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “305”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى