الثورة السورية..ولعبة تأهيل النظام إقليمياً….
هيئة التحرير بقلم:
فؤاد عليكو
قبل الإجابة عن هذا السؤال لابدّ من العودة إلى بدايات الثورة السورية، وكيف حصلت، ثم مالاتها في المرحلة اللاحقة وصولاً إلى ما يحصل اليوم من بلوغ مرحلة تأهيل النظام إقليمياً ودولياً بعيداً عن مطالب ورغبات الشعب السوري.
بالعودة إلى بداية الثورة نجد بأنّ ماحصل يمكن أن نسمّيه انفجاراً بركانياً كبيراً ناجماً عن الظلم والمعاناة التي عاشها الشعب السوري طيلة أكثر من نصف قرن من القمع العاري وسيطرة الأجهزة الأمنية على كلّ مفاصل الحياة اليومية للمواطن، لدرجة أنّ تعيين مستخدم لمدرسة أو فتح محل حلاقة بحاجة إلى موافقة أمنية بالتزامن مع تدميرٍ ممنهج لكلّ مؤسسات المجتمع المدني كالنقابات والجمعيات ناهيك عن تدمير الحياة السياسية بشكلٍ مريع جداً، مما أفقدتها القوة في التأثير على الشارع السوري الثائر.
في ظلّ هذه الأجواء السوداوية للحياة السياسية انفجر البركان وتطايرت شظاياه في جميع أنحاء سوريا، في ظلّ غيابٍ شبه تام لقيادة سياسية تقود هذا الحراك بشكلٍ منظم؛ لذلك تأسّست تنسيقيات متفرقة في كلّ مدينة وبلدة وقرية، دون وجود رابط سياسي يجمعهم ويحدّد أهدافهم بدقة ؛ لذلك طغت على المشهد الحالة الانفعالية والرغبوية لكلّ تجمع على حدى ، ولم يكن يجمعهم شيئ سوى التخلص من النظام الدكتاتوري، دون بلورة رؤية سياسية موحدة حول شكل النظام المنشود، وكان التواصل الاجتماعي هو الوسيلة الوحيدة لتوحيدهم من خلال تسمية أيام الجمع والشعارات التي يجب أن تُرفع، وبقيت القوى السياسية التقليدية عاجزة عن التقاط الفرصة التاريخية المتاحة أمامهم في إدارة دفة القيادة للثورة، لا بل بقيت تابعة لهذا الحراك الشعبي وتسير وفق هواه دون فعلٍ مؤثر، باستثناء حركة الإخوان المسلمين التي استطاعت السيطرة إلى حدٍّ كبير على الحراك الثوري وتوجيهه بما يتناسب وتوجهاتها السياسية، وقد ساعدها في ذلك عدة عوامل أساسية منها :
– قمع النظام الشديد واستخدامه الذخيرة الحية في قمع المواطنين مما دفع بالمواطنين للبحث عمن يدعمهم عملياً وليس شعاراتياً، والإخوان المسلمين بإمكاناتهم الماديةالضخمة استثمروا ذلك بذكاء .
– تركيز النظام في قمعه على المناطق ذات الطابع السني، خاصة في مدن كدرعا وحمص وريف دمشق ودير الزور وادلب وحماه ومن ثم حلب، واستثمر الإخوان هذه الوضعية لأنهم في الأساس تيار سياسي إسلامي سني المذهب والتوجه.
– المناخ الإقليمي والدولي المناسب لهم ،خاصةً بعد سيطرة الإخوان على قيادة الثورة في تونس ومصر وليبيا بتشجيعٍ من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق (أوباما ) لهذا التوجه، وبالتالي أصبحت الظروف كلها مناسبة لهم للسيطرة على الشارع الثوري السوري وتوجيهه بما يتناسب ورؤيتهم السياسية إلى حد كبير، لذلك ليس غريبا أن تمّ تأسيس المجلس الوطني السوري في أيلول 2011 بدعم وتمويل كامل من الإخوان، بعد ذلك تدخلت القوى الإقليمية والدولية بشكلٍ مباشر في الأزمة السورية، خاصةً بعد التدخل الإيراني عسكرياً في سورياً من خلال خبرائها وأذرعها في لبنان والعراق لمنع النظام من السقوط، هذا الوضع الجديد دفع بالدول الخليجية والأردن إلى التحرك جدياً خوفاً من أن تتحوّل سوريا إلى عراق ثانية تحت الهيمنة الإيرانية، وهكذا تحرّكت دول الخليج بالتنسيق مع تركيا وتشجيعٍ من أوربا وأمريكا لتأسيس ائتلاف سوري في نهاية 2012 يجمع معظم التيارات السياسية السورية بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها، ثم تحوّل الصراع في سوريا إلى صراعٍ على سوريا من قبل قوى دولية وإقليمية، خاصةً بعد التدخل العسكري الروسي المباشر 2015 لصالح النظام.
في هذه الفترة لم تتمكّن القوى الدولية المؤيّدة للثورة السورية من توحيد الطاقات العسكرية على الأرض تحت قيادةٍ موحدة، إضافةً إلى بروز التيارات الإسلامية المتطرّفة كجبهة النصرة وداعش وسيطرتهم على مناطق شاسعة من الجغرافيا التي خرجت من سيطرة النظام بالتزامن مع تغيير التوجه الأمريكي في دعم التيار الإسلامي المعتدل وإنهاء دور الإخوان في مصر، كلّ هذه العوامل دفعت بالمجتمع الدولي إلى إدارة الظهر للثورة السورية وافساح المجال لروسيا بالسيطرة على الوضع وكان سقوط حلب نهاية 2016 بداية التحول لصالح تأهيل النظام وكان مؤتمر آستانة الأول برعاية روسية وحضور إيراني وتركي والنظام وبعض أطراف المعارضة العسكرية بداية التأهيل الدولي للنظام ونهاية عملية لدور الأمم المتحدة في تطبيق القرار الدولي 2254 والتي أصبح دورها هامشياً في ظلّ صمت أمريكي غير مفهوم مكتفياً بمحاربة داعش ومطالباً بتطبيق القرار الدولي دون الضغط المطلوب، وكأنّ ما يحصل في آستانة وسوتشي لا يعنيها بشيء .
واليوم بلغت مرحلة التأهيل مراحل متقدمة عربياً ،خاصةً بعد التفاهم السعودي/الإيراني واستبعاد الخطر الإيراني عن الدول الخليجية ولم يعد اهتمامها منصباً على الداخل السوري بقدر اهتمامها بمصالح دولها، إلا أنّ الوضع في تركيا مختلف إلى حد كبير، نظراً لوجود قوة عسكرية تركية كبيرة على الأرض السورية إضافةً إلى وجود أكثر من 3,5 مليون لاجئ داخل تركيا ووجود أكثر من 5 مليون سوري في الساحة الجغرافية الخاضعة للسيطرة العسكرية التركية، إضافةً إلى وجود عشرات الفصائل العسكرية الرافضة لأية مصالحة مع النظام دون حصول توافق بين المعارضة والنظام، لذلك فالمفاوضات بين تركيا والنظام معقدة وغير قابلة للاختراق الدبلوماسي، رغم مرور أكثر من عامٍ من اللقاءات بين الأجهزة الأمنية بين الطرفين ورغم تدخل الروس بقوةٍ بإيجاد مخرج لبلورة نوع من التفاهم لأنّ الطرفين لا يستطيعان تلبية شروط الطرف الآخر، فالنظام يطالب تركيا بالانسحاب من سوريا وعدم دعم الفصائل العسكرية، وهذا يعني القيام بحملة عسكرية كبيرة على المنطقة مما يدفع بالملايين إلى اللجوء إلى تركيا وهذا ما يشكّل مشكلة مضاعفة لتركيا تمتدّ بتداعياتها إلى أوربا كما حصل في عام 2015، وهذا ما يجعل الأوربيون والأمريكيون يقفون إلى جانب تركيا في المطالبة بإيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية وفق للقرار الدولي والانتهاء من ملف اللاجئين ، إضافةً إلى مطالبة تركيا للنظام بإنهاء ملف pkk في سوريا وتأمين الحماية لحدودها وهذا ما يعجز النظام من تلبيته ؛ لأنّ الجغرافية المستهدفة تحت الحماية الأمريكية والتي لازالت غير مهتمّة بما يحصل في المنطقة من سياسة عودة النظام الى المجتمع الدولي ومصرّة على تنفيذ القرارات الدولية، وأقصى ما يمكن أن يتوصّل إليه الطرفان هو وقف إطلاق النار وفتح المعابر التجارية بينهما، إضافةً إلى انسحاب الفصائل إلى شمال طريق حلب – اللاذقية.
من كلّ ذلك نستنتج أنّ المرحلة لم تنضج بعد لتأهيل النظام كما هي ، رغم كلّ الضجيج الحاصل، كما أنّ المرحلة لم تنضج بعد لإيجاد حل سياسي شامل، وبالتالي يتطلّب من المعارضة إعادة النظر في مجمل سياساتها السابقة وبما ينسجم مع المعطيات الجديدة على الساحة الإقليمية ،والا سيبقى دورها هامشياً دون فعل مؤثر على ما يحصل، وعليه نستطيع القول بأنّ إدارة الأزمة ستبقى سائدة إلى فترة أخرى، ويدفع الشعب السوري ثمن ذلك غالياً يومياً.