آراء

الجالية الكُردية في أوروبا بين عظمة الفاجعة و تشكيل لوبي مؤثر

جوان ولي

عندما تقع الكارثة، فمن الطبيعي أن تنتج مآسي مجتمعية عدة، ولعلّ أكثرها جسامةً، هي الهجرة وترك الوطن هرباً من الخطر أو بحثاً عن وضعٍ أفضل أمنياً ومعيشياً.

وسوف نسلّط الضوء في هذه المقالة على وضع اللاجئين الكُرد في أوروبا، وما يجب القيام به.

لقد ازدادت أعداد اللاجئين الكُرد القادمين إلى أوروبا بعد بدء الثورة السورية في 2011 ،حيث خرجت على أثرها الملايين من الناس إلى الشوارع مطالبين بالحرية و الكرامة. وسرعان ما تحوّلت الثورة السلمية إلى ثورةٍ مسلحة ؛ بسبب القمع الشديد الذي تعرّض له الشعب السوري على يد قوات النظام و المجموعات الداعمة له.

لا شكّ أنّ حالة الهجرة التي تعرّضت لها المناطق الكُردستانية في سوريا تعتبر حالةً كارثية ؛ لما لها من نتائج وخيمة على الوجود الكُردي في كُردستان سوريا، حيث الأعداد الهائلة من العائلات و الشباب اللاجئة الى أوروبا في ازدياد، و هذا يؤدّي إلى التغيير الديمغرافي و قد يكون سبباً في ضياع القضية الكُردية في كُردستان سوريا أو على الأقل إرجاعها عشرات السنين إلى الوراء.

حالة الهجرة القسرية تكون عادةً نتيجة لحدوث كارثة و هي تكون ملطخة بالحزن و الأسى الذي يرافق أي فراق ، خاصةً إذا كان مرغماً عليه، فراق بلا رجعة و بلا أمل؛ بسبب عدم وجود الضمانات للوصول إلى المكان المقصود اليه أو بسبب الأمل المفقود من الرجوع إلى البيئة التي تمّ تركها.

وجديرٌ بالذكر أنّ وصول اللاجئين الى أوروبا لا يكون نهاية المشكلة كما يعتقد البعض، بل أنّ ذلك يكون فقط البداية للمزيد من المشاكل في الساحة الأوربية.

ويعتبر أحد أكبر السلبيات التي يتعرّض لها المهاجرون او اللاجئون هي ضياع الأبناء و البنات في المجتمعات التي يلجأون إليها ،حيث اختلاف الثقافات و قلة المعرفة بكيفية التعامل مع أبنائهم و حمايتهم و الحفاظ عليهم سواءً كانت تلك المخاطر مرتبطة بالقيم و الأخلاق أو من حيث اتباع الكثير من الشباب طرق غير شرعية لجمع المال ، وكل هذا يؤدّي إلى انهيار الأسرة و تفككها في أوروبا.

كما أنّ فقدان الجيل الجديد الانتماء للمجتمع الذي جاء منه يُعتبر مشكلةً بالغة الخطورة، و تقضي على أي دورٍ يمكن لهؤلاء الأشخاص أن يلعبوه، و هنا يأتي دور الأحزاب و الجمعيات و التجمعات المختلفة لتوعية الجالية و توجيهها كإجراءٍ وقائي، و هذا سيساعد على الحفاظ عليهم.

ظاهرياً أوروبا تُعتبر جنة و اللاجئون فيها في أحسن حالٍ ، و لكنّ الحقيقية أنّ أغلبية العائلات تفتقد أهم شيءٍ و هو راحة البال و الاستقرار الداخلي.

والكثير من المواطنين يهربون من الداخل من أجل مستقبل أطفالهم ، و لكنهم لا يعلمون أنهم إنما يهربون إلى الشر بإرادتهم، و لعلّ ذلك الضياع أسوأ من الجوع في الداخل.

من جهةٍ أخرى و على مبدأ وجود خيرٍ في كلّ شر، من الممكن تحويل كارثة هجرة الشباب الكُرد إلى أوروبا إلى مصدر قوةٍ، حيث أنّ الجالية الكُردية يمكنها أن تستفيد من الإمكانات المتاحة في هذه البلدان ، و تستطيع على المدى المتوسط والبعيد تشكيل لوبي كُردي يدعم القضية الكُردية المتمثّلة بتحقيق الحقوق القومية للشعب الكُردي نتيجة وجود جالية كبيرة في معظم البلدان الأوروبية و خاصةً في ألمانيا والتي تمنح الكُرد فرص كبيرة لتقديم الدعم اللازم للشعب الكُردي في الداخل، و كلّ ما نحتاج إليه وما يتطلبه هو تنظيم هذه الجالية و توعيتهم والعمل على الحفاظ على انتمائهم الكُردي و ان ينضمّوا إلى الأحزاب الأوروبية و يكونوا جزءً من الحالة السياسية في هذه البلدان.

بالإضافة إلى الدور الذي يمكن للجالية الكُردية لعبه من حيث المشاركة في الحياة السياسية لهذه البلدان، يمكن أن تكون صدى صوت الداخل من حيث تنظيم المظاهرات أو تقديم الدعم المادي للشعب الكُردي في الداخل و مساعدتهم على البقاء هناك و هذه المسائل تتمّ بشكلٍ فعلي، إلا أنّ مشاركة الجالية في دعم النشاطات السياسية تبقى خجولة و دون المستوى المطلوب، مع العلم أنّ هذا لا يكلّف الجالية جهداً كبيراً؛

لذلك هناك ضرورة لتنظيم الجالية الكُردية في أوروبا لمساعدة القادمين الجدد في بداية الأمر، و من ثم تسخير قدراتهم مع مرور الوقت لتشكيل لوبي كُردي، بحيث يضمّ اللوبي عادة مجموعات أو مجموعة منظّمة ولها أهداف ومصالح بعيدة المدى من خلال التأثير على صنّاع القرار، وقد يتشكّل اللوبي من أصحاب أموالٍ يؤثّرون على السياسة العامة. وللصحافة والإعلام دورٌ حاسم في نشاط بعض اللوبيات.

لعلّنا ما زلنا بعيدين عن تشكيل لوبي حقيقي منظم إلى الآن ،و لكنّ الأرضية المناسبة لخلق اللوبي بدأت بالتكوين ،حيث بدأت نواة هذا اللوبي بالتبلور من خلال تشكيل جمعيات مدنية في الكثير من دول أوروبا و خاصةً ألمانيا.

كما بدأت هذه الجمعيات منذ سنوات بتشكيل اتحادات فيما بينها ، و قد تشكّل فعلياً إلى الآن ثلاث اتحادات منفصلة عن بعضها و هناك جهود لتوحيدها ، ولكنّ تلك الجهود لم تثمر بعد.

ومن أكبر الصعوبات التي سوف يواجهها هذا المشروع هو دخول بعض النفوس الضعيفة و أصحاب المصالح الضيقة على الخط، و هؤلاء سوف يؤثّرون بشكلٍ سلبي على هذا المشروع إلى حين تحديد الجيد من السيء بين النخبة الكُردية في أوروبا.

من جهةٍ أخرى سوف تحاول القوة المؤثّرة على الساحة الكُردية التأثير على هذا المشروع ، و لكنّ هذا التأثير ليس بالضرورة أن يكون سلبياً، حيث كلّ جهةٍ سوف تحاول ترسيخ رؤيتها و هذه التدخلات سوف تؤدّي بطبيعة الحال إلى تكوين عدة مجموعات و لوبيات مختلفة.

فكرة تشكيل لوبي حقيقي مؤثر تتحقّق من خلال جملة من النقاط و أهمها:

1 – ضرورة دراسة أوضاع الجالية الكُردية في أوروبا بشكلٍ أكاديمي علمي وموضوعي ، لمعرفة إمكانياتها الاقتصادية ومؤهلاتها الأكاديمية، ومعرفة مدى قوة ودرجة تأثيرها على المجتمع الأوروبي وصانعي القرار السياسي فيها. معرفة و تحديد حجم الإمكانات تساعد على معرفة كيفية تسخيرها و تطويرها.

2 – تشكيل جماعات الضغط من تنظيمات ومؤسسات سياسية واقتصادية ومالية وإعلامية في كافة الدول الأوروبية التي تتواجد فيها الجالية الكُردية.

3- توعية الجالية الكُردية في أوروبا و تقوية الشعور القومي لديهم و عند الأجيال الجديدة والتي سيكون لها مجال أكبر لدخول مراكز القرار في هذه الدول و ذلك من خلال الانضمام إلى الأحزاب الأوروبية.

الأمر الذي يجب أن ننتبه إليه هو أنّ الجالية الكُردية في أوروبا لا يمكن أن تكون بديلاً عن الداخل و في نفس الوقت يجب ألّا يتعامل الداخل مع الخارج وكأنها جهة ثانوية، و من الضروري أن نعلم أنّ الطرفين يكملان بعضهما البعض، و فقط بهذا الشكل يمكن توزيع الأدوار بين الجهتين لتحقيق لوبي حقيقي.

كما يجب تشجيع المواطنين على البقاء في الداخل و عدم اللعب بعاطفتهم من خلال مظاهر غير حقيقية و مهما عظم دور الجالية الكُردية في الخارج إلا أنه من المستحيل أن تكون بديلاً للداخل ، ولا يمكن أن يكون للوبي الكُردي معنىً و يستغلّ بشكلٍ إيجابي في حال عدم وجود قضية في الداخل أو ضعيفة التأثير .

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “308”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى