الجوع والأمان
ليلى قمر
لم يعد خافياً بأنّ الوضع في سوريا قد وصل الى ذروته ، سواءً في التنكيل المرافق للجوع كنتيجةٍ طبيعية للأزمات المتتالية ، حيث بات المواطن السوري رهين الصراع الداخلي الذي يشتدّ كضحيةٍ للمصالح الدولية ، وباتت خيرات هذا البلد أيضاً تتقاسمه المجموعات العسكرية ، أو تدمّر وتهمل بسبب المعارك والصراعات المسلّحة .
لقد بات المواطن السوري رهين البحث عن الأمن والأمان ولقمة العيش المغمّسة بالخوف والقلق ، وتجاوز حاجز الفقر عنده ليصل الى أعلى المستويات ، وتسرّبت إلى مفاصل مجتمعه أمنيات البحث عن ملاذٍ آمن ، ولكنها أيضاً محفوفة بمخاطر كبيرة ، ناهيك عن شتات الخيم المبعثرة حتى داخل الأراضي السورية ، ومن جملتها مناطقنا الكٌردية ، والتي رغم غناها بالثروات الطبيعية والأراضي الخصبة ، إلا أنها أيضاً لم تنجُ من مظالم الحروب والمعارك الدائرة من جهة ، وممارسات الإدارة المتحكّمة من خلال فرض إجراءاتٍ كالتجنيد الإجباري التي تدفع الناس – خاصةً الشباب – إمّا الى العطالة بسبب الاختباء والخوف من السوق إلى التجنيد ، والبحث أيضاً عن معابر للجوء إلى أوروبا أو أية دولةٍ ، يُضاف إلى ذلك التوترات الحدودية وحالة اللاأمان ؛ممّا أدّى إلى تهجير مساحاتٍ واسعة من الأراضي والبساتين وما شابه ذلك .
لقد فرضت على الخارطة السورية ككلٍّ وضعاً متأزّماً مرتبطة بكليتها بتطور أزمتها، وباتت المناطق كلها تعيش ازمات الحروب بويلاتٍ أشدّ ، وأصبحت كلّ المعايير الدولية لا تعني شيئاً لكلّ الأطراف ، وإن تكرّمت بالردود فهي فقط لتبرّر أو تنفي ما يُوجّه لها من انتقادات ، وأصبحت ظاهرة مألوفة في الساحات السورية واماكن مكبّات النفايات ، كيف أنّ مجموعاتٍ من الأطفال تبحث في أنقاضها عمّا يمكن استخدامه وإن كانت مدوّرة لمراتٍ عديدة ، وكم من حادثةٍ سقط فيها أطفال أبرياء وهم يلملمون فوارغ الأسلحة النارية وبقايا مقذوفات المدافع وماشابه .
لقد بات في حكم المكشوف والمحكم بأنّ الوضع المعيشي لسوريا يتّجه نحو كارثةٍ حقيقية ، وأنّ النظام لم يعد يتحكّم بقيمة الليرة السورية التي انخفض لدرجةٍ كبيرة جداً ، وعاد النظام إلى سياسة التجويع مجبراً ومرغماً عكس مرحلة الثمانينيات ، ولتطفح قضايا الخبز والغاز والكهرباء على الفسحة الأوسع ، ولسان حال جميع السوريين ، الذين لم يهِن الصراع المسلّح من عزيمتهم ، سوى الجوع والعطش ومعها ويلات أحدث الأسلحة الفتّاكة ، ونماذج من البدائل التي فشلت أن تعطي صورةً مختلفة وواضحةً عن النظام .
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 285