آراء

الحـريــة الشــرق أوســطية

مروان سليمان
إنها شعار الثورات و حلم الثورة والثائرين و لكن قبل تحقيق الأحلام يجب إدراك معانيها و ما هي الوسائل التي يمكن استعمالها لتحقيقها؟ و إلى أي شئ تشير تلك المعاني ؟
هي حقاً شعارات علت صداها في المنابر و على الشاشات نطقوها كمبادئ وأهداف مجرّدة بلا معنى، إنّها الحرية التي هي عكس الاستبداد وهى التخلّص من العبودية بأشكالها وتنويعاتها و هو المعنى السياسي و الإجتماعي لها.
و الحرية شئ فطري طبيعي و هو جزء من غريزة الإنسان ولكن في المجتمعات الشرق أوسطية يكون الشقّ الفردي من الحرية غائباً تاريخياً و ضائعاً داخل الشقّ الجماعي لأنّ الفرد يتصوّر أنّ هناك آخرون يفكرون عنه و يتكلمون باسمه و يلزمونه بهذا الشئ وهذه ثقافة موروثة و بالتالي حتى يتخلص المرء من ذاك الإحراج ينسبه إلى شئ آخر لأنّ الحرية ليست ترفيهاً فكرياً ولا خياراً نخبوياً أو ثقافياً بسبب غياب الكيان الفردي في ثقافتنا لأنّ فكرة الإجماع تحكمنا، ولهذا فإنّ الإحساس بالحرية كإشكالية غائبة تماماً عن الثقافة و في العقل، وهنا عندما تكون الذات الفردية غائبة يتكون النفاق العقلي بسبب الكبت الديني والإجتماعي، وهذا وضع غير طبيعي لأنّه لا بدّ للذات أن تعبّر عن نفسها على المستوى الفردي وبالتالي يحدث الإنفصامات في مجتمعاتنا، وهناك شئ من الوهم لإحتواء الذات عن طريق رسم صورة عنه لأنّ جميع الجهود تبذل من أجل رؤية الذات، وأنّ عصرنا أصبح عصر المعلومات الوفيرة والبارزة و مع ذلك كلّما زادت الشفافية كلّما إزداد الشعور بكثافة العمل المشترك، وهنا نصل إلى التناقض الأصلي لمجتمعات تعرف تفاصيلها، ولكنّها لا تفهم نفسها على الإطلاق مثلاً ما الذي يريده سكان المنطقة أن يحققوه من الحرية ؟ ما الذي يخطّطونه من أجل تحقيق الديمقراطية؟.
عندما تخلّى الإستعمار عن مستعمراته في منطقة الشرق الأوسط و في مرحلة الانتقال نحو بناء الدولة و المدارس و انتشار التعليم و التعامل مع الأفكار و المناهج الغربية فأصبحت ظاهرياً الأطر المدنية هي الواجهة الأمامية و لكنّها بقيت من الداخل محافظة على التراث الفقهي والوالي و السلطان والخلافة الآتي من التخلّف فتمّ الخلط ما بين المفهوم الحديث لبناء الدولة على مقاسات معينة ومطعّمة بآليات التخلف الموروث، وهذا ما أدّى إلى بقاء الشعوب في حالة الجهل والتخلف الأعمى، ولم تعلّمها على مفاهيم الحرية، وهذا الإطار لم يغيّر من طبيعة الاجتماع السياسي المتخلّف، وإن ظهرت بعض التقلّبات والتجارب ولكنّها كانت فردية لم تستطع تغيير الواقع الإجتماعي، ولم ينتبه أحد للجمود الذي بقي يراوح مكانه، وحتى المتغيّرات مثل الثورات لم تعبّر عن ذلك بسبب عدم استطاعة المجتمع التعبير عن ذاته، ولذلك لا بدّ من التأنّي حسب ما تريده حركة التاريخ البطيئة أصلاً، ولا ننسى بأنّ الثورات الحقيقية تحقّق أهدافها، وبما أنّ شعوبنا تربّت على التراث الاستبدادي القديم( عقلياً و نفسياً و سياسياً) حتى دخلت في عمقه الروحي بجميع ما تحمل من معاني فخطفت روحه و عقله وأفقدته كرامته وإنسانيته والجميع ينتظر التغيير.
قد يروق للكثيرين من شعوب منطقة الشرق الأوسط معنى التغيير وهو استبدال طاغية بأخرى أو طرح شعارات برّاقة للحرية لا يمكن أن تخلق وعياً سليماً و تبقى الفوضى و التعصّب و العنف تحت طبقة اللاوعي ولا تحرّر العقل من الخرافة والأوهام و هذا يدلّ على أنّ شعوبنا يعيشون مرحلة انتقالية قد تمتدّ لسنواتٍ طويلة عبر أجيال من أجل إرساء دعائم السلام والأمن في المنطقة لأنّ العلاقة الاجتماعية الممتدة جذورها في لاوعينا الجماعي تطغى على العلاقات المدنية التي تفرضها القوانين و الدساتير كعقد بين المواطن و الدولة و يكون القانون و الدستور تحت أقدام المسؤولين وفوق رؤوس الفقراء ويتكرّس الشقاق والحقد ويؤدّي إلى مصادمات بين السكان، وهذا يقف عائقاً أمام بناء دولة دستورية وقانونية حسب المواصفات الحديثة، ويبقى عقد الآمال على النظام القادم من أجل التخلّص من إحباط وتخلف القديم البالي في تأسيس حوار مبني على قيم التسامح والاحترام المتبادل لتقارب الفارق بين الثقافات و إقامة ترابط معقول يكون نقطة ارتكاز لبناء المؤسّسات.
مروان سليمان
مدرس في المدارس المهنية في المانيا(سالتزغيتر)
02.01.2017

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى