آراء

الحقّ يجب أَن يُقال ولا يحق لأحد إنكاره أو التهرّب منه

جان كورد
إحدى ذرائع أعداء الكورد وكوردستان هي أنه لم تكن في التاريخ دولة باسم “كوردستان” حتى يكون للكورد حقٌ في إقامة دولةٍ لهم اليوم، وقد قررت معاهدة سايكس – بيكو لعام 1916، وفي ذات الوقت يغضون الطرف عن إقامة “دولة داعش!!!” من قبل أبي بكر البغدادي المطلوب دولياً للعدالة كإرهابي على أراضي العراق وسوريا… أي خارقةً لذات الاتفاقية الدولية التي يقدسونها في الحالة الكوردية فقط.
هذه الحجة بالذات تافهة أمام الحقائق التاريخية التي تقول لنا بأنه لم تكن ثمة دولة باسم “ألمانيا” في القرن الثالث عشر الميلادي، ولم تكن هناك بروسيا، كما أن إيطاليا كانت مجزّأة إلى دويلات صغيرة منها ما لا تتعدى مساحتها حدود مدينة، وبريطانيا لم تكن على حالتها الحالية، ومن 44 دولة أوروبية موجودة حالياً تشكلت منها 26 دولة في القرن العشرين و7 دول في القرن التاسع عشر، ومعظم الدول الأفريقية لم تكن موجودة كدول مستقلة، والعدد الكبير من الدول العربية لم يكن موجوداً قبل مائتي عام، وفي العالم مجموعة كبيرة من الدول التي أنشأت في القرن العشرين ولم يكن لها وجود فيما مضى من التاريخ البشري، فلماذا يجب على الكورد ألا تكون لهم دولة، وليتعرّضوا دائماً لمختلف المجازر ويتم نهب ثرواتهم وزجّ أولادهم في حروب الآخرين؟ وهم كانوا قادة الشرق الأوسط أثناء العهد الأيوبي الذي دام ما يزيد عن قرنٍ كامل، كما كانوا في عهد الميديين القدامى أسياد البلاد شرق وغرب سلسلة جبال زاغروس، بل ومن قبل ذلك أثناء بنائهم مملكتهم الميتانية في منطقة الحدود التركية – السورية الحاليةالتي كانت لها علاقات دبلوماسية وقرابة مع فراعنة وادي النيل، وإن وطن الكورد (كوردستان) أوسع مساحةً من عدة دول عربية أو أوروبية مجتمعه، وعدد سكانها من الكورد فقط، دون الأقليات التي تعيش بينهم في تآلف وانسجام، يفوق عدد سكان عدة دولٍ مستقلة مجتمعة…
وقليلون يعلمون أن منطقة (كرى سبي – تل أبيض) وحدها أكبر من دولة لبنان مساحةً، وبالتالي فإن منطقة الجزيرة التي غالبية سكانها العظمى أكبر من بعض الجمهوريات العربية وغير العربية، رغم سياسة التعريب والاستيطان القسري للحكومات المتعاقبة على حكم البلاد منذ عهد الانفصال وإلى قيام الثورة السورية، بهدف إقامة (حزام عنصري شوفيني) يفصل بين الكورد في سوريا والعراق وتركيا، وجلب عرب الغمر إلى أكثر من 40 مستوطنة عربية إليها بعد انتزاعهم من أراضيهم ومراعيهم البعيدة عن أرض الكورد التاريخية والحالية، فلماذا لم يفتح المثقف العربي والإسلامي العربي والديموقراطي العربي فاهه ضد هذا الإجراء الشوفيني الهادف لتغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة الكوردية، وهم يتأوهون صباح مساء ناقمين على بناء مستوطنات إسرائيلية في أراضي الفلسطينيين؟ وكيف يمكن أن يكون للمرء قلبان في جوفه وضميران في وعيه، وموقفان متعارضان في ذات المرحلة التاريخية وعلى ذات الأرض؟ بل كيف يمكن للعربي الثوري، التجديدي، العصراني، الليبرالي، الذي يسعى لبناء الديموقراطية لسوريا أن يتحدث عن “الوطن النهائي” للكورد، ويعني به “سوريا”، ووطن الكورد “كوردستان” أكبر من سوريا حسب كل الخرائط وعدادات السكان العصرية؟ فأي ثورةٍ وأي تجديد وأي عصرنة وأي ليبرالية وأي ديموقراطية هذه؟
لقد تعرضت الشعوب الأرمنية والإسرائيلية والكوردية والفلسطينية في تاريخها إلى مذابح رهيبة، فأصبح للأرمن والإسرائيليين وإلى حدٍ ما للفلسطينيين دول، والدول تنال الاعتراف من الآخرين وتقوم بحماية شعوبها والتصدي للمعتدين عليها، وها هم اليهود قد أخذوا تعويضاتٍ هائلة بسبب مجازر (الهولوكوست) التي أقامها النازيون الألمان بحقهم في عهد أدولف هتلر، واليوم يطالب الأرمن بتعويضاتٍ عما لحق بهم من عذابٍ على أيادي العثمانيين، أما الكورد فلا يستطيعون ذلك، حيث لايزالون بدون دولة، على الرغم من أنهم تعرّضوا لمذابح كبيرة، منها حملات الإعدام والقتل الجماعية بحق أكثر من 30.000 من شبابهم على أيادي آية الله خلخالي في شرق كوردستان، و في حلبجة (جنوب كوردستان) التي تم قصفها بالغازات السامة واستشهد من جرائها ألوف من المدنيين، نساءً وأطفالاً وشيوخا، والمجازر التي ارتكبتها العسكريتاريا التركية منذ قيام الجمهورية على أيادي مصطفى كمال في عام 1923 وإلى الآن، إلاّ أن عدم وجود دولة كوردية يؤدي إلى “عدم وجود محامي دفاع” للدفاع عن ضحايا هذا الشعب الذي لا يريد سوى العيش في حرية وكرامة بين جيرانه العرب والترك والفرس والآذريين والأرمن وسواهم…. كما لا يوجد “جيش دفاع” ليحمي حماه وأعراض نسائه وكرامته وممتلكاته…
وعليه، فالذي لا يريد للكوردي أن تكون له دولة تحميه لا يريد لشرف الكوردي وعرضه الحماية، فالأجنبي أو المحتل أو المستعمر أو الجار له مسؤوليات أخرى غير مسؤولية حماية الكوردي وعرضه وممتلكاته، ولقد أثبت تاريخنا المليء بالمآسي ذلك بشكلٍ سافرٍ ومهين حقاً… ولذا دعونا من تلك المؤامرات وحبائلها التي تحيط بشعبنا تحت شعاراتٍ براقة عن الإخاء والمساواة والعدالة وما إلى هنالك من كلامٍ معسول نعرفه جيداً، خرج من أفواه كل الذين حكمونا وخدعونا باسم “وحدة الدين والدولة” أو “وحدة الأمة والدين”… وسواها من شعاراتٍ عن “الأممية” و”الأمة الديموقراطية” وعن العالم المشحون بالتآخي الكاذب المخادع… فقد شبعنا من كل ذلك…
والله يشهد على أن الكورد لا يريدون سوى حقهم العادل كسواه من شعوب الأرض في الوحدة والحرية والأمن والاستقرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى