آراء

الحوار بين الاطراف الكوردية خدعة ام حقيقة؟

عبدالرحيم علي

الحوار السياسي هو وسيلة حضارية بين طرفين او اكثر، يساهم في تضيق فجوة الخلافات وإنهاء الفتن، وصولاً الى اتفاق على تحديد الأولويات والغايات العامة المشتركة والعمل عليها سويا.
منذ عقود لم تكن الحركة السياسية الكوردية في سوريا على قلب رجل واحد، بل كانت مكوناتها تعاني من الاختلاف فيما بينها، وتأزم هذا الصراع ليصل الى الخلاف منذ نشوء منظومة PKK في سوريا.
إن محاولة PYD لفتح قنوات الحوار مع ENKS في الأيام الأخيرة حركت الشارع السياسي الكوردي، فمنهم من يقيم هذه الخطوة بالإيجابية ولعلها بصيص أمل للملمة شتات الحركة السياسية الكوردية, ومنهم من لا يعقد عليها اي آمال نتيجة معرفتهم بعقلية ومنهجية PYD ومكرها من جهة, وبضعف الأداء لقيادة ENKS من جهة اخرى.
حقيقة اذا ما عدنا الى تاريخ منظومة PKK منذ تأسيسها في 1978 وحتى تاريخه، نجده خالياً من اي مشروع وحدوي او مبادرة تهدف الى اتفاق او توافق استراتيجي مع اي طرف كوردي آخر تصب في مصلحة القضية القومية للشعب الكوردي, فيما نرى أن تاريخها حافل بالاتفاقات، سواء مع الاطراف الكوردية او غيرها لخدمة مصالحها الحزبية الانية الضيقة. و هنا لا بد الإشارة إلى أن الأطراف الكردية الأخرى تفتقر الى قيادة سياسية قادرة على استيعاب متطلبات المرحلة، ومواكبة هذه الاحداث المتسارعة، نتيجة أدائها الضعيف و طغيان التردد لديها.
عندما بدأت الثورة السورية في منتصف آذار لعام 2011 تحركت الاطراف السياسية الكوردية في سوريا لتشكيل إطار سياسي جامع، لترسيخ الوحدة الوطنية وتعزيز الجبهة الداخلية لمواكبة مسيرة الثورة ومواجهة تحدياتها وتحقيق المتطلبات القومية للشعب الكوردي, بدءأ من تأسيس المجلس الوطني الكوردي في 26/10/2011 ثم اتفاقية هولير1 في 11/7/2012 حيث انبثقت منها الهيئة الكوردية العليا التي لم تر النور و أصبحت في ذمة التاريخ لا اكثر، رغم ان حناجرنا تصدحت ونحن نهتف ” الهيئة الكوردية العليا تمثلنا “. ومن ثم اتفاقية هولير2 وانتهاء بوثيقة اتفاقية دهوك 23/10/2014 والتي كانت تعد وثيقة تاريخية بكل المقاييس السياسية والوطنية. كل هذه المبادرات كانت برعاية السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كوردستان لتأسيس مرجعية كوردية تعمل على رسم السياسة العامة وقيادة الحراك في هذه المرحلة التاريخية العصيبة.
وهنا نتساءل ما الذي دفع بحزب الاتحاد الديمقراطي للمطالبة بالحوار مع المجلس الوطني الكوردي في سوريا من جديد؟ . بعد ان عرضنا منهجيته بأنه ليس في اجنداته وحدة الصف الكوردي بل يسعى دائماً للتفرد بالسلطة والقرار السياسي وجني المكتسبات لوحده دون ان يقبل الشراكة. وما الخيارات امام المجلس الوطني الكوردي امام هذه المبادرة التي تعتبر مطلبا جماهيرياً لابد منها؟
أعتقد أن هناك عدة احتمالات دفعت بحزب الاتحاد الديمقراطي للمطالبة بالحوار واهمها:
اولاً: نتيجة النكسات المتتالية التي تعرضت لها بدءا من زج مقاتليه في حروب خارج حدود كوردستان سوريا مما تسببت في استشهاد آلاف مقاتليه في تلك المناطق وانتهاءا بنكسة عفرين، ناهيك عن فشله في إدارة المناطق تحت سيطرتها، مما تسببت في فقدانه قاعدته الجماهيرية الكوردية وبالتالي هذه المبادرة ليست الا اجرائية ديماغوجية. وهو الأمر الذي تلجأ إليه بعض الأنظمة السياسية الفاشلة كلما شعرت بالعزلة، سواء المحلية أو الدولية بقصد ضمان استمرار احتكارها للسلطة، فهذه الحالة ليست سوى تكتيكٍ سياسيٍّ لكسب الوقت وتضليل الناس وخلط الأوراق، إذ يظن PYD أن الدعوة من الممكن أن توفر له غطاءا شعبياً وسياسياً من أجل الإبقاء على الوضع القائم.
ثانياً: قيادة PYD اصبحت تدرك بان الامور في سوريا بدأت تتجه نحو الحل السياسي – حيث كان موضوع اللقاء الاخير بين بوتين وبشار الاسد في سوتشي – وإن المستقبل المرسوم لسوريا عامة وللمنطقة الكوردية من ضمنها لا يقبل التفرد والتسلط بهذا الشكل الذي يمارسه PYd, فلا بد له من ان يقوم بتقديم بعض التنازلات عن بعض مكتسباته السلطوية وقبول الشراكة مع الاطراف الموجودة في المنطقة. وفي هذه الحالة الافضل ان يقترب من ENKS كونه يملك مشروع قومي، تلتف حوله اغلبية الجماهير الكوردية وفي نفس الوقت تقوده قيادة سياسية كلاسيكية هزيلة يمكن الالتفاف عليها بسهولة سواء كان على طاولة الحوار او في عملية الشراكة المستقبلية, وما حدثت في الاتفاقيات الماضية خير دليل على ذلك.
ثالثاً: انطلاقاً من ارتباط PYD مع النظام السوري والايراني القائم على مبدأ زواج المنفعة، لا على المصالح القومية والوطنية، لم يعد خافياً على احد. وبالتالي قد تكون المبادرة جاءت بناء على طلب من النظام السوري للعمل على اقناع ENKS للانسحاب من الائتلاف المعارض بحجة تشكيل وفد كوردي مشترك يمثل إرادة الشعب الكوردي في المحافل الدولية, وهذا يعني اضعاف المعارضة السورية مقابل النظام من جهة, وحجز مكان لحزب الاتحاد الديمقراطي على طاولة المفاوضات في صف المعارضة رغم موالاته للنظام السوري من جهة اخرى.
اذاً ما الخيارات امام المجلس الوطني الكوردي؟ وماذا عليه القيام به؟
ينبغي البحث والتحري لمعرفة نوايا PYD ومصالحه من هذا الحوار الذي يسعى جاهداً لعقده في الآونة الاخيرة. وبناء على معرفة ذلك يتم اقرار الرفض او القبول. و القبول به يتطلب دراسة دقيقة ووضع خطة استراتيجية وآلية للعمل اعتماداً على كوادر وخبرات وطنية لخوض الحوار بالحكمة وصولاً الى نتائج تصب في مصلحة القضية العادلة لشعبنا, وتسد ابواب الفتن والفرقة. لقد اصبح المجلس الوطني الكوردي امام اختبار صعب للغاية. فإن رفض هذه المبادرة يجب ان يستند الى حقائق تضمن اقناع الشارع الكوردي. وإن قبل بها يجب ان يكون الطرف الفائز، لان فشله هذه المرة هو نهايته، حيث سيكون قد تسبب في نكسة فظيعة لقضيته وهو المسؤول الرئيسي عنها.
ولكن قبل البدء بالحوار لا بد من تهيئة جو مناسب وذلك ببناء ثقة واحترام متبادل بين الطرفين وذلك من خلال الالتزام بالنقاط التالية:
1- وقف الحملات الاعلامية من الطرفين.
2- إطلاق سراح السجناء السياسيين وكوادر ونشطاء المجلس الوطني.
3- وقف الملاحقات السياسية وتوجيه التهم المعلبة.
4- السماح للمجلس واحزابه بفتح مكاتبهم ومقراتهم وممارسة نشاطاتهم.
5- فتح المعابر الحدودية امام قيادات المجلس واعضائه وكوادره دون أي قيد او شرط.
6- التوافق على طرف ثالث ضامن يتمتع بقوة التأثير في المجتمع الدولي.
ورغم ان الطرفين يعتبران خطان سياسيان متوازيان لا يلتقيان، إلا بإذن الله, فكيف سيصلان الى رؤى مشتركة حول الغايات والاهداف العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولكن يبقى الحوار والتواصل افضل من التباعد والتناحر، اذا كان اطراف الحوار منضبطين و مدركين مبادئ الحوار الجاد والفعال، وغير ذلك قد يؤدي الى مزيد الشرخ والصراع.

 جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى