آراء

الحِراك السياسي الكلاسيكي

محمد ليلي

من المتعارف عليه لدى المختصين في مجال وضع الخطط الإستراتيجية أن التخطيط الإستراتيجي يمر بعدة مراحل أو خطوات تعتبر ضرورية ومنها:

1- مرحلة الإعداد: وتعني تحديد الغاية أو الرسالة للمؤسسة ،  فالرسالة تعبر عن هوية المؤسسة ومبررات وجودها ومجمل القضايا التي تشتغل عليها …

2- مرحلة الخيارات والأولوية الإستراتيجية: تتم بهذه المرحلة مقارنة الخيارات الإستراتيجية أي المرسومة لمدة طويلة ولفترة زمنية بعيدة مع الخيارات على المدى القصير  ، والمتوسط لإختيار الأفضل في ضوء التنبؤ والتوقع العملي القائم على الأساليب الكمية والمعادلات الرياضية…

3- مرحلة الخطط البديلة: عادة يتم وضع بدائل يتم اختيار البديل الأمثل الذي يحقق نجاحاً أكبر..

4- تحليل البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة …

كما و يؤكد المختصون في هذا المجال أيضاً أن مرتكزات التخطيط الإستراتيجى له نظام متناسق من العمليات الهادفة إلى الانتقال بمؤسسة ما من حال إلى حال ومن وضع راهن إلى وضع جديد… إنه تصور لما يجب أن تكون عليه المؤسسة مستقبلا، وتحديد للكيفية والنهج الكفيلين بتحقيق التغيير في اتجاه الارتقاء بآدائها. فالتخطيط الإستراتيجي عملية ديناميكية إرادية وعقلانية تمكن المؤسسة من استشراف المستقبل واستباق الأزمات  ، ومواجهة التحديات…

وبناءً على ما تقدم نستخلص أن أية منظمة سواء أكانت مؤسسة سياسية – ثقافية – اجتماعية – خدمية إلخ… إن لم تضع لنفسها خطط استراتيجية بعيدة المدى فإنها بالمحصلة لن تحقق النجاح المرجو منها مقارنة بغيرها من منظمات ومؤسسات تعتمد على التخطيط الإستراتيجي, بل في الغالب نسبة الفشل لديها ستتجاوز الـ 75% .

وبمقارنة ذلك واسقاطه على حال أحزاب الحركة الكردية, نجد أن هناك فجوة كبيرة بين آداء أحزاب الحركة سابقاً وحاضراً وبين هكذا منهج علمي, و لاستبيان ذلك يمكننا إلقاء الضوء على بعض النواحي والأمور التي ستوضح ذلك, وبإعتبار أن ما يهمنا بالدرجة الأولى هو الوضع الراهن في كردستان سوريا ودور حركتها السياسية ومآلاتها لاسيما بعد الثورة, لذلك سنركز على الوضع في كردستان سوريا ونشير إلى بعض الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع الكردي السيء.

ومن خلال طرح التساؤلات التالية والتي من خلالها سيتضح لنا مدى بُعد أحزاب الحركة الكردية في سوريا بالاعتماد على التخطيط الاستراتيجي في عملها ونضالها في سبيل الوصول إلى غاياتها و أهدافها:

1- هل أنشأت أو اعتمدت أحزاب الحركة الكردية في سوريا على مراكز للأبحاث والدراسات الإستراتيجية لتخليص الرؤية السليمة والمدروسة ووضع التصورات الموضوعية من خلالها لرسم سياساتها وتحديد خطواتها؟  أو على أقل تقدير هل قامت الحركة بتكليف وتفريغ عدد من الأشخاص من اختصاصات معينة و تخصيص ميزانية خاصة للقيام بهذا الدور الهام عوضاً عن إنشاء مراكز بحث استراتيجية مجهزة قد تفوق إمكانياتها وقدراتها الحالية؟

2 – فطالما أن أحزاب الحركة الكردية في سوريا لم تُنشئ هكذا مراكز فهل قامت بوضع ملفات ومواضيع الأزمات والنزاعات الدولية والقضايا العالمية على طاولة نقاشاتها وحواراتها بهدف دراستها واستنباط مدى تأثير تلك القضايا والأزمات على الحسابات و التوجهات والتحركات والقرارات والسياسات الدولية ؟ وبالتالي انعكاس ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر على القضية الكردية بشكل عام والقضية الكردية في سوريا بشكل خاص كتعويض جزء من عدم مقدرتها على إنشاء مراكز استراتيجية بحتة, وذلك بهدف استخلاص تصور صحيح ومنطقي عن السلوك والسياسات و التوجهات الدولية و لكي تبدأ الحركة بعد ذلك برسم استراتيجياتها وتحديد خطواتها ومطالبها المرحلية على أساس تلك المعطيات والتصور الصحيح. أم أن أهم المواضيع والملفات التي كانت تفرض نفسها على طاولة مناقشاتها وحواراتها هي تلك المواضيع الحزبية وأمور ثانوية أخرى فحسب؟!

وكمثال على تلك الأزمات والقضايا العالمية التي إن لم يتم طرحها ومناقشتها وفهم أسباب حدوثها واستفحال بعضها وبالتالي انعكاس تأثيراتها على توجهات وسياسات الدول الكبرى والمتحكمة بالقوانين والأنظمة الدولية – الأزمة والنزاعات في القارة الأفريقية, فبالرغم من أن أفريقيا تشكل أكثر من 50% من الثروات النفطية والمعدنية في العالم، وأكثر من ربع سكان العالم بين القارات الخمس، ورغم القدرات البشرية والاقتصادية للقارة الأفريقية، إلا أنها تعتبر أفقر منطقة في العالم.. وهذه الثروات الاقتصادية المهمة جعلت من هذه القارة هدف أساسي للقوى الدولية التي تسعى لتأمين مصالحها الخاصة, من خلال إثارة مثل هكذا أزمات تمكنها من التدخل وفرض سيطرتها على تلك الثروات. فهذه الأزمات في القارة الأفريقية هي أزمات قديمة وكانت تُدار على مرء ومسمع العالم أجمع فإن لم يكن قد تم مناقشتها ودراستها لاستبناط المعطيات والبيانات منها ولأخذ تصور واضح عن كيفية التعاملات والتدخلات وتشابك وتقاطع المصالح الدولية لاسيما الدول العظمى والدول المتحكمة بإدارة وخلق الأزمات في العالم, فإذا” سيكون من الطبيعي ان نرى ونكتشف بأن توقعات واستنتاجات الحركة الكردية كانت خاطئة وأن تعويلاتها على الدول العظمى لم يكن تعويلاً مدروساً.

بالإضافة إلى قضايا وأزمات أخرى هامة تتكشف من خلالها نوايا وسياسات الدول لاسيما منها الدول العظمى.

3- ما السبب وراء فتح الباب على مصراعيه أمام طرف كردي قادم من خارج حدود كردستان سوريا ومن ثم منحه الشرعية ليتحكم بكامل مفاصل الحياة السياسية والمعيشية والقرارات المصيرية للشعب الكردي في كردستان سوريا من قبل أحزاب الحركة الكردية في سوريا, ألا يُفهم من ذلك بأن أحزاب الحركة الكردية في سوريا لم تكن لديها رؤية استراتيجية خاصة بكردستان سوريا ولم تكن تملك تصوراً واضحاً وصحيحاً عن السياسات والحسابات الدولية وأدواتها, و أن الحركة لم تكن على قدر المسؤولية ؟! .

لذلك وبناءً على كل ما تقدم أعتقد أن الحركة الكردية في سوريا أمام تحدٍ كبير وينبغي عليها أن تقوم بتقييم شامل لآدائها والإعتراف بأخطائها الكارثية والإستفادة من تجاربها السابقة, وبإعتبار أن لكل زمان خصوصيته ومفاهيمه المتجددة وتحدياته فلا بد من مراعاة التغيرات الزمنية ولا بد من الإعتماد على مراكز متخصصة لإستخراج المعطيات والبيانات والتصورات المبنية على حسابات دقيقة للإعتماد عليها في رسم السياسات واتخاذ المواقف والخطوات المدروسة للمضي في النضال المشروع حتى تحقيق أهداف الشعب الكردي في نيل حقوقه العادلة, فالجيل الناشئ من الشباب لم يعد يرضيه اتخاذ المواقف الإرتجالية والعزف على وتر العواطف والشعارات..

ومن ناحية أخرى ينبغي على الحركة الكردية في سوريا عدم السماح لأي طرف كردي خارج حدود الجزء الكردستاني الملحق بسوريا بالتدخل و التحكم بالقرارات المصيرية للشعب الكردي في هذا الجزء.

 

المقال منشور في جريدة “يكيتي” العدد 268

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى