آراء

الدولة السورية القادمة وماهيّتها

فيصل أبو زيد

إنّ المشكلة القائمة للتعايش بين المكونات السورية المتنوعة، هي مشكلة معقدة ولها جذور تاريخية وجغرافية وسياسية، باعتبار سورية هي خليط من المكونات الإثنية والدينية والطائفية، وذات خلفيات ثقافية وسياسية واقتصادية مختلفة، ونظراً لظهور مؤشرات باقتراب الأزمة السورية من بلوغ مراحلها النهائية، حسب المعطيات والأحداث الدولية، حيث يبدو أنّه هناك تفاهم روسي أمريكي إسرائيلي على إنهاء الصراع في سوريا، بعد الاتفاق على تقاسم النفوذ والمصالح، واختيار كل طرف لحليف سوري يحقق مصالحه ونفوذه المستقبلي، لذلك فإنّ تلك المشكلة بحاجة الى عمل جاد ودراسة عميقة وواسعة لطبيعة العلاقة بين المكونات السورية المختلفة للوصول إلى حلول جذرية.

ومن هنا كثر في الآونة الآخيرة الحديث والجدل بين الكتل والنخب السياسية المعارضة، حول ماهية المشاريع السياسية المطروحة لسوريا المستقبل، وانقسم أصحاب تلك المشاريع إلى فريقين سياسيين وبرؤى مختلفة عن بعضهما البعض، حيث إنّ أحدهما يدعو إلى دولة المواطنة، بينما يذهب الفريق الآخر بدعوته إلى الدولة التي يراعى فيها الخصوصية الإثنية والدينية والطائفية، وبات كل فريق يبحث عن دعائم وحقائق وبراهين تثبت مشروعية مشروعه السياسي، وأفضليته في المرحلة القادمة، وانغلق كل فريق على ذاته مقابل التركيز على مساوئ مشروع الفريق الآخر، وساد بين الفريقين المزيد من اللاتوافق والخصام، بظهور خطاب الكراهية وسيادته على خطاب التسامح وتقبل الآخر، ولم يسلم كل من قال أنا مختلف عن خطاب الكراهية القائم على التعصب للانتماء، سواء كان إثني أو ديني أو طائفي، إلى درجة وصل الحال أنّ البعض لم يتوانوا في النفي الهوياتي للآخر المختلف، وتبادل التهم من قبيل الخيانة والتبعية لأجندات خارجية.

حيث يصرّ الفريق الأول على أن تكون سوريا المستقبل هي دولة المواطنة أو الوطنية، ولا ينبغي أن يكون لها علاقة بأيّ أيديولوجيا قومية أو دينية أو طائفية، وإنّما دولة وطنية من خلال ارتباطها بالمواطنة الكاملة، وتتجاوز كافة الانتماءات الإثنية والدينية والطائفية، التي قد تجزّأ الدولة وتقسمها إلى دويلات، ومعتمدين على فرضية أنّ أحداث تسعة أعوام من الثورة أوجدت مكونات مناطقية وطائفية، وظهرت مخاطر تفتيت الوطن وتفكيك مؤسساته، وفي هذا يدعون إلى عقد مؤتمر وطني يتشارك فيه الجميع، بعيداً عن كل الحسابات الخاصة والانتماءات الأيديولوجية الصغيرة، قياساً للانتماء الوطني حسب رؤيتهم، مستندين على فكرة أنّ التقوقع حول الانتماءات الصغيرة وتفضيلها على الانتماء الكبير للوطن بمفهومه الواسع، لن يقود إلا إلى المزيد من الصراع والتفرقة بين السوريين، وإطالة عمر النظام، وبالتالي مزيداً من الدمار والتضحيات، ومعظم أصحاب هذا المشروع هم من المعارضين السياسيين المستقلين وغير المنتمين إلى أيّ جسم من أجسام المعارضة المختلفة.

في الجهة المقابلة، يصرّ الفريق الآخر، وفي مقدمتهم الطرف القومي الكوردي في المعادلة السورية، على لامركزية الدولة، أي سورية الفيدرالية الديمقراطية التعددية، وفقاً لمعايير إثنية أو دينية أو حتى طائفية، مع الإبقاء على الكيان السوري، كدولة متّحدة مستقلة وذات سيادة، مستندين بذلك على انعدام الثقة بين المكونات المختلفة، وإمكانية اغتصاب السلطة من قبل فئة دون سواها على مراكز القرار، وإعادة إنتاج الدكتاتورية، وصهر باقي المكونات في بوتقة ذلك المكون الحاكم في ظلّ دولة المواطنة المزعومة، وخصوصاً بعد أن بدا واضحاً للكورد، أو حسب ما يرونه ويعتقدون به، أنّ سياسية وأد الطموح الكوردي بخصوصية قضيتهم وعدالتها هو المهيمن على خطاب وسلوك واجهات المعارضة من المكونات الأخرى، وإنّ فكر تلك المعارضة وخطابها لا يختلف كثيراً عن فكر النظام القائم وخطابه.

إنّ انعدام الثقة بين المكونات السورية المختلفة التي زرعها النظام المستبد طيلة فترة حكمه، يجعل من الصعوبة الوصول إلى حلّ يرضي الفريقين المتناحرين أو المتعارضين بشأن شكل الدولة القادمة، لذلك فإنّه قبل طرح أي مشروع سياسي لشكل سوريا المستقبل، يجب إعادة بناء الثقة بين مختلف المكونات السورية أولاً، وذلك لا يأتي إلا من خلال إجراءات عملية ملموسة يقوم بها كل فريق على أرض الواقع، ليبرهن للآخر على صدق النوايا، ولن يكون ذلك ممكناً في ظل غياب ثقافة الحوار، فالحوار بين الخصوم هو الطريق الأسلم لحصول توافق فكري ثقافي بينهم وهو الأساس في بناء الثقة وترسيخ مبدأ التعايش.

كما أنّ أي مشروع سياسي يتم طرحه يجب أن يحظى بموافقة دولية، ولا سيما تلك الأطراف المتحكمة بالملف السوري للحصول على الشرعية الدولية، وهذا لا يلغي فرضية القبول الشعبي ودور السوريين في الموافقة عليه من عدم الموافقة، حيث إنّ أيّ مشروع يجب أن يحصل على دعم شعبي يؤمن له الشرعية الوطنية بجانب الشرعية الدولية، لذلك فإنّ المطلوب من كل فريق هو الحصول على الشرعيتين الدولية والشعبية لمشروعه السياسي، وماهية الميثاق الوطني الذي سيعتمده في البناء خلال الفترة الانتقالية، وخارطة الطريق التي ستتبعها للوصول بالدولة السورية الى بر الأمان.

ليفانت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى