السليمانية.. الأمن يغلق مقرات تابعة للعمال الكُردستاني
Yekiti Media
في 31 كانون الأول المنصرم، داهمت قوات الأمن التابعة للاتّحاد الوطني في محافظة السليمانية بإقليم كُردستان، بشكل مفاجئ، عدة مراكز ومؤسّسات تابعة لحزب العمال الكُردستاني بكك، تعمل في مجالات الإعلام والفن في ظاهرها، شملت هذه الحملة إغلاق شركة “نويكار” الفنية، شركة “مارزيا” الفنية النسائية، منظمة المرأة الكُردستانية الحرة (RJAK) بالإضافة إلى شركة “كازنغى بربياني” التي تقوم بإنتاج برامج لقناة (JIN TV). وقالت مصادر محلية أن قوات الأمن منعت العاملين فيها من مواصلة عملهم وأغلقت أبوابها وصادرت ممتلكاتها.
وبعد إغلاق هذه المؤسّسات والمراكز الأربع والتي هي جزء من تنظيمات حزب العمال الكُردستاني بكك في السليمانية، أدلت بعض المنظمات والمؤسّسات والدوائر المقرّبة من العمال الكُردستاني بتصريحات صحفية أدانت واستنكرت فيها بشدّة هذا القرار وهذه الممارسة، على العموم، هناك مدنيون وسكان وأهالي المنطقة وراء هذه المنظمات ويعملون فيها، لكنّ عموم هذه المؤسّسات وهؤلاء الأشخاص يُدارون من قبل كوادر حزب العمال الكُردستاني بكك.
جديرٌ بالذكر، لم يصدر حتى الآن أي تصريح حول إغلاق المؤسّسات الثقافية والفنية والموسيقى والمراكز النسوية وشركات الإنتاج التي تنتج برامج تلفزيونية نسائية لـ لقناة (JIN TV). ومن غير المعلوم ما إذا كان إغلاق هذه المؤسّسات هو في الحقيقة إغلاق أم حرب منسّقة، وقد نشر حزب العمال الكُردستاني أخباراً وخطابات تهديدية للاتّحاد الوطني الكُردستاني عبر منصّته الإعلامية (ROJNEWS) والتي تصدر وتُبثّ في السليمانية. ولكن، الخطاب الذي هدّد الاتّحاد الوطني تمّ بثه باللغة التركية فقط ولم ينشر باللغة الكُردية-اللهجة السورانية. ويعتبر استخدام اللغة الناعمة اللينة في الأخبار السورانية لحزب العمال الكُردستاني بمثابة موقف سياسي؛ لأن العمال الكُردستاني بكك يجري لقاءات ومحادثات مع الاتحاد الوطني من جهة، ومن جهة أخرى لا يريد تخويف أبناء المنطقة العاملين في مؤسّساته.
بعد الحادث، نشرت وكالة (ROJNEWS) الإعلامية التابعة لحزب العمال الكُردستاني بكك، مقالاً باللغة التركية تحت عنوان “الاتّحاد الوطني يقع بين اتفاقية التعاون بين تركيا-العراق-الحزب الديمقراطي الكُردستاني!” وهدّد الاتّحاد بشكل ضمني غير مباشر.
وجاء في بيان العمال الكُردستاني مزاعم حول أن الاتّحاد الوطني الكُردستاني يلعب على وترين، فمن ناحية يعقد اجتماعات مع وفود المؤتمر الوطني الكُردستاني (KNK) وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب (DEM Partî)، ومن ناحية أخرى أعطى الضوء الأخضر لتركيا من خلال إغلاق مؤسّسات حزب العمال الكُردستاني.
وجاء في الخطاب: “من الواضح أن الاتّحاد الوطني الكُردستاني يمارس الآن سياسة مزدوجة” كما جاء في نصّ الخطاب: “الجميع يعلم أن المتضرّر الأول من هذا الوضع هو الاتّحاد الوطني الكُردستاني نفسه، لأنه من المقرّر إجراء انتخابات مجلس المحافظة والبرلمان العراقي هذا العام. وبطبيعة الحال، إذا حدث شيء من هذا القبيل، فإن الناخبين سيظهرون موقفهم بوضوح وسيعاقبون هذه الأحزاب” وبهذا الأسلوب تمّ إطلاق تهديدات للاتّحاد الوطني بسحب دعمهم.
كما أشار الخطاب إلى تصريحات بعض الأطراف التابعة والمقرّبة من الاتّحاد الوطني الكُردستاني بأن “المزاعم والادّعاءات القائلة بأن الحزب الديمقراطي الكُردستاني والحكومة العراقية أرادا إغلاق هذه المؤسّسات غير صحيحة” ومزاعم “إغلاق هذه المؤسّسات من قبل قوات الأمن في السليمانية في هذه المرحلة وبدون أدلة قانونية أو أوامر قضائية هي بمثابة جرس الإنذار الأول للفوضى والاضطرابات” منوّهة إلى بدء حقبة الصراعات والتوتّرات والصدامات بين الاتّحاد الوطني والعمال الكُردستاني.
تأريخ العلاقات المتأزمة والتوتّرات والصدامات بين الاتّحاد الوطني والعمال الكُردستاني
يعود تاريخ العلاقات بين الاتّحاد الوطني الكُردستاني وحزب العمال الكُردستاني إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، وشكلت القوتان الخاضعتان لإشراف الدولة الإيرانية منذ ذلك الحين جبهة مشتركة عام 1993 وهاجمتا بشكل منسّق على الحزب الديمقراطي الكُردستاني، وتحرّكتا وفق أجندات إيران في المنطقة، لكن التحالف السياسي والعسكري والاقتصادي هذا انهار عام 1999 مع عودة أوجلان إلى حضن تركيا. وأغلق الاتّحاد الوطني كافة مؤسّسات العمال الكُردستاني في السليمانية وأخلتها واعتقلت العديد من كوادر الحزب، وفي سبتمبر/ أيلول عام 2000، هاجم حزب العمال الكُردستاني قوات الاتّحاد الوطني، ما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص من الجانبين.
بعد هذه الاشتباكات والمعارك والصدامات، ظلّت العلاقات بين الاتّحاد الوطني والعمال الكُردستاني بكك متوتّرة ومضطربة لسنوات. ورغم المحاولات الحثيثة للعمال الكُردستاني من إخفاء هذه التجربة وتغطية هذه الحقبة إلّا أن الاتّحاد الوطني الكُردستاني لم يسمح لحزب العمال الكُردستاني بكك بممارسة أنشطته ونضالاته في المناطق الخاضعة لهيمنته ونفوذه من عام 2000 ولغاية عام 2013.
وفي عام 2013، جمعت إيران القوتين معًا مرة أخرى. ومنذ ذلك الحين، أنشأ حزب العمال الكُردستاني تنظيماته ومؤسّساته وسط السليمانية وكافة المناطق الريفية بدعم من إيران. وهذا التحالف الذي شكّلته الشيعة لمحاصرة أربيل وتقويضه، عمل معاً على عدّة جبهات ومجالات وما زال.
لكن مع تدهور وضع إيران في الشرق الأوسط وانهيار جبهتها، خاصة تزامناً مع سقوط نظام الأسد وانهياره، تصدّعت القوة الأساسية التي جمعت واتّحدت بين هاتين القوتين. كما أن إيران هي القوة الرئيسية التي امتعضت وأصيبت بخيبة أمل كبيرة من تصريح أوجلان وتأكيده بأنه يتمتّع بـ (القوة والتصميم لتقديم المساهمة الإيجابية اللازمة للنموذج الجديد الذي يعزّزه السيد باخجلي والسيد أردوغان) ومن المتوقع والمرتقب أن تقوم إيران، التي فتحت طريق السليمانية، گرميان، كركوك وبغداد أمام حزب العمال الكُردستاني، بعرقلة تواجد الحزب في هذه المناطق وغلق هذه الطرق بوجهه، ومن غير المعروف مدى العلاقة والصلة بين إغلاق مؤسّسات العمال الكُردستاني من جانب الاتّحاد الوطني وارتباطها بهذه العملية الجديدة في تركيا، ومع ذلك، فإن الاتّحاد الوطني الذي لم يحقّق أهدافه وأحلامه خلال انتخابات برلمان كُردستان والتي جرت في 20 أكتوبر/ تشرين الأول رغم كلّ الدعم الذي تلقّاه من العمال الكُردستاني والدولة العراقية في الانتخابات البرلمانية الكُردستانية التي جرت في 20 أكتوبر/ تشرين الأول، ما زال في رحلة بحث مضنية للالتجاء إلى قوة، ويحاول جاهداً إنشاء علاقات لينة وناعمة مع تركيا لولا قلقها وخوفها من إيران.
ما يمكن قوله بوضوح هو: إن العلاقة بين حزب العمال الكُردستاني بكك والاتّحاد الوطني ليس علاقة كُرد-كُرد، بل هي علاقة متعلقة على الأغلب بتحالف إيراني. وإن مصير هذه العلاقة التي بدأت وتعزّزت في عهد إيران ستحدّدها إيران من جديد. ويمكن اعتبار خطوة إغلاق مؤسّسات حزب العمال الكُردستاني بمثابة نقطة بداية الصراع والتوتّرات والصدامات بين الطرفين.