السنابل المحترقة
ليلى قمر
لاتدري هذه الحقول الملأى بنترات الذهب الصفراء أيّ فاتورةٍ هي تدفع؟
كانت العيون تحملق عالياً بالسماء طلباً لنجدة الغيوم متأملةً أن تعطف عليها وتحنّ لمعانقة الأرض بمافي جعبتها من أنغام المطر وفعلاً هلّت الأمطار وثارت ببركان عشقها التوّاق لحبيبٍ أزليٍ وعانقت الأمطار بكلّ عنفوانها جوف الأرض العطشى لسيل مائه وطال العناق حتى بادت بوادي الأرض حبلى بعد عقمٍ طويلٍ لذا غدت السهول والمروج جنان فائضة واهبة لجميع أنواع الحياة وأصبح اليقين جلياً بأنّ المواسم ولّادة بكلّ خيرٍ وبالفعل حقول وحقول بسطت بسلطانها الأصفر وجه البسيطة وتأمّلَ كلُّ ذي موسمٍ أو حقلٍ خيراً كبيراً إلى أن راود كابوس السواد آفاق السماء وأصبح الرعب يدبّ في القلوب المطمئنة قبل حينٍ واشتعلت من غير أيّ رادعٍ أو أسفٍ نيران الحقد في الحقول الصفراء وأصبح هاجس الليل والنهار ونيرانه لاترحم كدَّ فلاحٍ كان مستبشراً بالخير الوفير والآن وبعد الرعب والإثارة والجدل في ماهية احتراق المحاصيل وعدم فك شيفرة العملية التي تشكّلت على منهجٍ كانت ترغب في اللعب على وتر الصدفة والحتمية فيه تعيد الأمور والمآسي ذاتها بذاتها حيث أنه يحارب من قبل حاكميه في لقمة العيش منذ الزمن البعيد للآن فقد مرّ الكُرد قبل الآن وفي هذه المنطقة تحديداً بمراحل شبيهة لما نعيشه اليوم من تطويقٍ وتقييدٍ ليظلّ عبداً مهاجراً غريباً حتى وهو ببلده.
الأسئلة تطرح ذاتها بذاتها هل المطلوب اكتفاء الشعب الكُردي في سوريا بنعمة الشهيق والزفير ولقمة عيشٍ يابسةٍ كي تهدأ أمواج التغيير المقبلة عليه ويتمكّن المسؤلون عن ملفه المعيشي النوم في هدوء وأريحية؟
وتبقى الأسئلة كما الآحوال ثائرة غير راضية عن الأجوبة التي تمّ تجهيزها للردّ عليها
تاه الإنسان فينا وتاهت فيه الحقائق بالحقائق والمعارك الضروس مستمرة بين السنابل المستسلمة لقدرها وبين حكم جائر جاء بما جاء فيه لإبادتها
أيّ قدرٍ يتحكّم بنا نحن الزاهدون عن كلّ أملٍ وآحلام؟
الحقول تهمس لبعضها البعض ونيران الحقد تحيطها وتقول:
ذات يومٍ ستحتفل السنابل بقوامها وتعانق شمس الحصاد
ذات يومٍ ستتكسر قيود العبودية ويزهو معصم هذه الأرض وتزدان بكلّ جمالٍ بما فيها من أحلامٍ مكبوتةٍ
سنابلنا تنعي بعضها وتطرح السؤال الذي تخشى النفوس طرحه فقط للاطمئنان
ألا تشبه قضيتنا الكُردية معركة السنابل والنار مع الإقرار بعدم التكافؤ فيها أبداً؟