آراء

السياسة التركية بين المدّ والجذر

دوران ملكي

لاشكَّ أنّ للفرد دوراً في السياسة مهما كانت الدولة تعتمد النظام المؤسساتي، فقد عاش العالم أربع سنواتٍ عجاف في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وكانت للبعض الآخر سنوات سمان ، إذ تطوّرت مخططاتهم بخطىً متسارعة، وأصبحوا في واجهة السياسة الدولية؛ بسبب اتخاذ الرئيس الأمريكي قرار النأي بالنفس من القضايا الحسّاسة والمهمة في السياسة الدولية، ومن أهمها ثورات الربيع العربي وما آلت إليه من مدٍّ ايراني وتركي في منطقة حوض البحر المتوسط والدول العربية والمدّ الأسيوي إلى مناطق الخليج العربي والمحيط الهندي ، والذي نتج عنه تشكيل أحلاف اقتصادية جديدة ؛ قد تؤدّي إلى تغيّر في وجهة العالم، وكذلك غضّ النظر عن التمدّد الروسي في منطقة الشرق الأوسط وضرب المعارضة السورية بالصواريخ الفراغية لصالح نظام بشار الأسد، ووضع مسارات للحلّ خارج المنظومة الدولية.

تداركت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة السابقة، والتي أدّت إلى تنمّر الكثير من الأنظمة الشرق أوسطية والعالمية، وخروجها عن آليات التحكّم العالمية،

انهيار العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي في عهد الرئيس ترامب أدّى إلى تحدٍّ تركيٍ واضح للإتحاد الأوروبي، واستطاعت التخلّص من هاجس المقاييس الأوروبية في مجال حقوق الإنسان ، ومحاولات انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، لا بل وصلت إلى ابعد من ذلك من خلال اللعب على ورقة اللاجئين ،وتهديد أوروبا بها وفتح قنوات اقتصادية وعسكرية مع روسيا بعكس توجّهات الحلف الأطلسي ، وتجاوز المياه الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط، وتهديد المصالح الاقتصادية للدول الأعضاء في الإتحاد الأوربي ، دون الاكتراث لقرارات الإتحاد الأوربي وكأنه كان حاصلاً على الضوء الأخضر من إدارة ترامب.

معالم الرجوع إلى الطبيعة الحقيقية بدأت بالظهور بعد أن أظهرت الإدارة الأمريكية الجديدة بعضاً من مخططاتها في الشرق الأوسط، فالتهديد الواضح للرئيس التركي بأنّ الإدارة الأمريكية ستسعى إلى قلب نظام الحكم في تركيا بالطرق الديمقراطية أدّى إلى انهيار الاقتصاد وتراجع الليرة إلى أدنى مستوىً أمام العملات الأجنبية ،وخاصةً بعد تصحيح العلاقة الأمريكية الأوروبية، حينها أدرك الرئيس التركي بأنه لابدّ من الليونة في المواقف وتصحيح المسارات وترطيب الأجواء مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وخاصةً إسرائيل ، فقد قام بإعادة المياه إلى مجاريها وأعاد إحياء العلاقات التركية الإسرائيلية واستقبل الرئيس الأوكراني بغضّ النظر عن تبعات الموقف الروسي، ومباركة الاتفاق الخليجي الخليجي والمساهمة في حلّ الوضع الليبي وتشكيل الحكومة الجديدة ،وكذلك محاولة إعادة العلاقات مع مصر والأهمّ من هذا إدارة الظهر لحركات الأخوان المسلمين في الدول العربية لهو خير دليل عن الكفّ عن سياسة تصدير الأفكار وركوب الموجة الإخوانية وإحياء الدولة العثمانية، وذلك بإغلاق الكثير من وسائل الإعلام المؤيّدة للفكر الأخواني في تركيا، مما سيؤثّر إيجاباً على العلاقة مع المحيط الإقليمي والعربي ، ومحاولة استرجاع الأسواق العربية بعد المقاطعة الخليجية للبضائع التركية

تتعالى اليوم الأصوات في البرلمان التركي ضدّ قرارات الرئيس التركي الفردية خاصةً في قضية تغيير مسؤول البنك المركزي التركي دون الرجوع الى البرلمان وتهميش دوره، مما زاد من قوة أحزاب المعارضة وذلك بعد الفشل المتواصل في حلّ الوضع الاقتصادي وفي السياسة الإقليمية والدولية، وأدّى إلى فقدان المواطن التركي للثقة بالإدارة، وبذلك تعمّقت الأزمة أكثر فأكثر وكذلك تخلّي الرئيس عن محاولات حلّ القضية الكُردية في تركيا بالطرق السلمية واختياره للحلول العسكرية ؛زاد من حالة عدم الاستقرار في تركيا والمنطقة بشكلٍ عام ،وهذا ايضاً من أحد نتائج الإدارة الفاشلة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب للملفين السوري والعراقي ،مما سمح للرئيس التركي باتخاذ خطوات خاطئة حيال استفتاء إقليم كُردستان العراق، والمشاركة في الحصار الاقتصادي على الإقليم مع حكومة حيدر العبادي ، والبحث الدائم عن بديل معبر فيش خابور الذي يربط العراق مع تركيا عبر كُردستان ومحاولات التدخل في اقليم كُردستان والمناطق المتنازع عليها بحجة ملاحقة الإرهاب في كلٍّ من جبل قنديل وجبل سنجار حسب زعمهم وكلّ هذا أدّى إلى تراجع شعبية الرئيس التركي محلياً وأقليمياً ودولياً.

تركيا دولة مهمة في الشرق الأوسط ولها علاقات تاريخية مع العالم الغربي تعود إلى حقبة العشرينات من القرن الماضي، وهي الدولة العضو في الحلف الأطلسي، ولا يمكن التفريط بها من وجهة نظر الإدارة الأمريكية الجديدة ،وإنما تحتاج العلاقة إلى تصحيحٍ بعد اثأن خرجت عن مسارها المعتاد، بعد التحولات السياسية والدستورية في تركيا.

لا توجد إلى الآن سياسة أمريكية واضحة حيال الملفين السوري والعراقي وربما الأشهر القليلة القادمة ستكشف وجهة النظر الأمريكية الجديدة، ونأمل بأن تتغيّر السياسة التركية حيال هذين الملفين بالتوازي مع الموقف الأمريكي كما في الملفات السابقة الذكر.

من المرجّح أن تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة إلى إرضاء تركيا، وكسر مخاوفها في شرق الفرات عبر تغيير الإدارة الصرفة لحزب الإتحاد الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكُردستاني ، والذي تنعته كلاً من تركيا والولايات المتحدة بالإرهاب ،وتشكيل إدارة جديدة من جميع مكونات المنطقة من كُردٍ وعرب وسريان بدءاً من الحوار الكُردي الكَردي بين المجلس الوطني الكُردي وأحزاب الوحدة الوطنية بقيادة حزب الإتحاد الديمقراطي وبإشراف أمريكي مباشر يتضمّن نقل قوات بشمركة روز آفا إلى أرض كُردستان سوريا، وبالتوازي مع ذلك تتمّ حوارات بين الأحزاب المسيحية ليتمّ فيما بعد ضمّ المكون العربي إلى الحوارات وتشكيل جيش مشترك تشرف على تدريبه القوات الأمريكية لحماية المنطقة من خطر الإرهاب، وهذا ما يساعد على تصحيح العلاقة مع تركيا وتبديد مخاوفها

كما تشير الدلائل على دعم الولايات المتحدة الأمريكية لحكومة مصطفى الكاظمي، ومباركة الاتفاق مع إقليم كُردستان وتأكيدهم الدائم على دعم وحماية الإقليم، وتشجيع العراق على الانفتاح على المحيط الإقليمي والعربي مما يسهّل تطبيق بنود اتفاقية سنجار، وإخراج المليشيات المزعزعة لأمن المنطقة مما يسحب الذريعة من يد تركيا وتلويحها بالتدخل

ملفات كثيرة أمام الرئيس التركي تحتاج إلى التصحيح بالتزامن مع مسارات الإدارة الأمريكية، وخاصةً أنّ السنوات السمان التي عاشتها تركيا لم تأتِ بمردودها المرجو منها ؛ لا بل زاد في الطين بلة فالخسائر تتوالى في جميع الملفات التي خاضتها تركيا محلياً وأقليمياً ودولياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى