السياسة بين خبث الثعالب وغزو الذئاب
عماد يوسف
يقول الفلاسفة: معرفة العدو تُسَهّل طريقة القضاء عليه، فكثيراً ما كنا نحترس من العدو حين يكون من جنس و عرق آخر , و من الجواسيس الذين ذاعت شهرتهم و انتشرت أخبارهم وصولاتهم بين الأقبية الأمنية, لكن الخوف كل الخوف من تكالب الأعداء على فريسة واحدة و اتخاذهم طرق ووسائل عدة في الصيد و القنص , ففي قريتنا على سبيل المثال كانت الثعالب عدو الدجاج الأول تغير عليها ومن ثم تفر بجلدها لتنتظر فريستها مرمية في صبيحة اليوم التالي، بغية أن تكمل خطتها من خلال عملية الفتك , لكن ثعالب اليوم تتمشى في قريتنا جهرةً, تغزو كل ليلة بيتاً من بيوت القرية, تختار فرائسها الآمنة بعناية, حسب ما تشتهي تناوله كل يوم فمائدتها عامرة بالدجاج تارة و بالبط و ديك الحبش أخرى, وأحياناً تأخذ البيوض المعدة للفقس من أجل الفطور أيضاً ..
لا يختلف شأن الثعالب التي تنتهك حرمة ضيعتنا من ثعالب السياسة الذين شتتوا جموعنا و أفرغوا الديار من قاطنيها , و اصطادونا كما تصطاد الثعالب فرائسها التي لا تنق و لا تصرخ في وجهها سوى بعض التعويذات الهامسة على روحها و هي في اللحظات الأخيرة من نفيها أو طمسها , أدرك الماكر كيف يختار فريسته, فاصطادنا في ميادين السياسة تارة و في التجييش لأجنداته تارة , و بدأ بالاستفراد بنا فئة بعد أخرى ,حتى يجزئ جموعنا و يخفف الضغوط عليه, فبدأ بالفئات الشابة تهجيراً و تجنيداً , ثم وضع يده على التعليم ليزيده فشلاً و فساداً , إلى أن سيطر على مفاصل الحياة و انتهى بتخوين كل من لا يسير على هواه , كي يقضي على كل مختبئٍ في قنه لا يقدم له ولاء الطاعة , و لا يقدم له وجباته اليومية من البيوض و الديوك و ضرائب الحماية من الذئاب المعادية.
تقول الأخبار الواردة من جريدة ” كش مريشك ” اليومية أن الثعالب التي نهبت القرية بدواعي حمايتها من الذئاب ما هي إلا خدعة لا تنطلي على الطيور , فقد انتهك ثعلب حرمة قنّ جارتنا وخطف دجاجتها الوحيدة دون الكشف عن مصيرها , و أغار ثعلب على قن جارنا الجنوبي و سرق دجاجته الحاضنة مع بيوضها العشرين , وهدم ثعلب قنّ القروي ” سلو ” و أخذ الدجاجات العشرين القاطنة فيه رهائن لديه , و خًطف من هنا ديك حبش و من هناك بطة و لم نسمع أخباراً عنها حتى إعداد هذا الخبر سوى وجود بعض الريش المتناثر في أماكن الأحداث ..
حاولت ربات البيوت معرفة مصير طيورها فنظمت احتجاجاً صامتاً أمام أحد الجحور العائدة لثعلب ماكر و أشعلت النار لساعات عدة عساه يخرج إليهم و يطمئنهم عن مصير تلك الطيور التي اختطفت في غفلة من أمرها دون جدوى .
و عندما حدث خلاف بين الذئاب و الثعالب على الغنائم , حيث أن الذئاب كانت تتهمها بعدم الأمانة و عدم تقسيم الحصة بينهما بالتساوي كونها المكلفة بأمور القنص و الجباية , فحاولت الذئاب التدخل في شؤونها و أخذ حصتها بنفسها وأغارت على بعض البيوت , و قد استطاع السيد ” سلو ” قتل أحد الذئاب و قلع أسنانه , و عندما رأت الثعالب العلاقة المتوترة بين أهالي القرية و الذئاب التي بدأت تكثف من هجماتها و غزواتها على القرية و مخازن الطعام العائدة للثعالب على حدٍ سواء , استغلت هذه الأوضاع المتوترة لتأليب الرأي العام ضدهم فأطلقت حملة تطالب بحماية دولية و ردع الذئاب عن غزواتهم , و تخويف الجميع من خطر وجود الذئاب بحجمها الضخم و أسنانها الحادة و عوائها المخيف في محيطها , فلم يكن للطيور من بدٍ للاستجابة للحملة معتقدة أن تقديم القرابين لعدوٍ واحد خير لها من أن تقدمها لعدوين اثنين.
ما أشبه حال ذاك الثعلب الذي فتك بحياة دجاجة جارتنا الوحيدة بحالنا نحن , وهناك من يترصد حتى بآخر رمق ما زلنا نتشبث به , كثرت الثعالب , والذئاب من حولنا تتحين الانقضاض على ما تبقى من نفس.
جميع المقالات المنشورة تعبر عـــن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media