آراء

الشرق الأوسط على فوهة البركان

فـؤاد عليكو

منذ أن تولى ترامب سدة البيت الأبيض في كانون الثاني 2017م والمجتمع الدولي يحاول جاهداً اقناع أمريكا بعدم الغاء الاتفاق النووي مع إيران والذي وقع عليه الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن مضافاً إليهم ألمانيا عام 2015، يقيناً منهم بأن الغاء هذا الاتفاق سوف يدخل المنطقة في وضع معقد قد يفضي إلى حرب بين إيران من جهة وبين حلفاء أمريكا في المنطقة (العرب وإسرائيل) من جهة أخرى، خاصة إذا علمنا أن إيران بتمددها السياسي والعسكري عبر حلفائها في العمق العربي لدرجة باتت تهدد الدول الخليجية بقوة وكذلك دول المغرب العربي ناهيك عن سيطرتها السياسية والعسكرية على بعض الدول العربية والاستحواذ على قرارها السياسي مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن وإلى حد ما عُمان وباتت تطوق الدول الخليجية من الشمال والجنوب إضافة إلى دعمها للبؤر الشيعية في تلك الدول وكذلك دعمها لكل الحركات والتيارات المعارضة لأنظمة الحكومات العربية كدعمه لجبهة البوليساريو ضد المملكة المغربية، أما إسرائيل فإنها باتت مطوقة من الشمال من خلال ذراعها العسكري حزب الله في لبنان والمليشيات الموالية لايران في جنوب دمشق حتى الحدود الاسرائيلية، و من قبل حلفائها في غزة (حركة حماس والجهاد الاسلامي) من الجنوب.

إذا الموضوع في جوهره لا يتعلق بالانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الموقع والتي من الممكن تحسين شروطه عبر المفاوضات بين الأطراف الموقعة بقدر ما يتعلق الأمر بالتمدد الإيراني الاخطبوطي في قلب الشرق الأوسط والتهديد الجدي لحلفاء أمريكا الأساسيين والتي في حال سيطرة إيران على الخليج فإنها بذلك ستسيطر على نفط الشرق الأوسط برمته وعندها ستتحكم إيران بالاقتصاد العالمي من خلال التحكم بأسعار النفط عالميا، إضافة إلى التهديد الجدي للوجود الاسرائيلي كدولة وهذا ما يعبر عنه أحياناً بعض قادة إيران في هذه الفترة وهذا مالا يمكن القبول به أمريكاً تحت أي ظرف كان سواء في سيطرتها على الخليج أو تهديد الوجود الإسرائيلي الحليف الاستراتيجي في المنطقة.

لذلك لم يكن غريباً طرح وزير الخارجية الأمريكية السابق تيلرسن رؤيته للحل في سوريا حين تسلمه مهامه بعبارات مقضتبة (محاربة الارهاب أولا- تحجيم دور إيران ثانياً- الحل السياسي وفق القرارت الدولية ذات الصلة بالملف السوري ثالثاً)، وقد تم تحقيق الهدف الأول من هذا التصور تقريباً حيث لم يبق إلا جيوبا صغيرة للمنظمات الإرهابية في سوريا وقد حان الانتقال للعمل على الملف الثاني (تحجيم دور إيران في المنطقة) وتعتبر هذه المهمة أعقد بكثير من ملف محاربة الإرهاب الداعشي والقاعدي، لأن إيران دولة مترامية الأطراف جغرافيا ولها أذرع طويلة في العديد من دول الشرق الأوسط بدءاً بافغانستان وباكستان وانتهاء بالمغرب العربي إضافة لامتلاكها صواريخ بلاستية بعيدة المدى ومتعدد المهام وقوة عسكرية برية وبحرية لايستهان بها، كما أن لإيران حلفاء دوليين يحسب لهم الف حساب كروسيا والصين إضافة إلى وجود علاقات اقتصادية قوية مع حلفاء أمريكا الأساسيين كالاتحاد الاوربي وبريطانيا وتركيا ومصر.

ومن هنا نستطيع القول بأن التصادم مع إيران مباشرة ليس بالأمر اليسير ويجب أن يحسب له جيداً كي لا يمتد الصراع ويأخذ بعداً دولياً متعدد الأطراف وهذا ما لا يحبذه أي دولة في العالم بما فيه اسرائيل وأمريكا،لكن في الجهة المقابلة لم يعد مسموحاً لها هذا التمدد في المنطقة والتدخل في شؤون دولها وتهديدها أو ممارسة الغطرسة بحق مكوناتها كما يمارسه حزب الله اليوم مع القوى السياسية اللبنانية، ومن هذه الزاوية نفهم كيف جاءت العبارة ملطفة -تحجيم الدور- وليس الغائها او القضاء عليها أو اسقاطها.

لكن ومع ذلك فإن مسألة التحجيم أو تقليم الأظافر ليس بهذا الأمر السهل وتدرك أمريكا والعالم جيداً تبعاتها وقد لا يتمكن أحد من السيطرة على تداعيتها في حال رغبت أمريكا تقليص مساحة الصراع معها وحصرها بسوريا والعراق كما يطالبون أو كما يرغبون، فلا أحد يدرك رد الفعل الإيراني على هذه الموقف وهل يقبل بما يرسم لها أمريكا وتتراجع عما عمل عليه منذ أربعين عاماً من تصدير (الثورة الاسلامية) إلى الخارج كنهج وعقيدة أرساها مؤسس (الثورة) الخميني؟.أم سيمارس سياسة حافة الهاوية وعلى مبدأ ( علي وعلى أعدائي).

من المتعارف عن القيادة الإيرانية اتصافها بالبرغماتية والانحناء للعواصف اللحظية وتقديم بعض التنازلات التي لا تؤثر على جوهر المشروع الإيراني التوسعي الاستراتيجي، وهذا ما يبدو بالأفق القريب ما ستعمل عليه القيادة الإيرانية، حيث كان واضحاً رد الفعل الإيراني قبل قرار الغاء الاتفاقية مختلفا تماما لما بعد الالغاء إذ تحولت اللهجة مباشرة من لغة التهديد والوعيد قبلها إلى تغليب لغة الحوار والعقل بعدها، كما قد تلجأ إيران في هذه الفترة إلى فتح جبهات هامشية لأمريكا واستغلال ظرف ما أو حدث ما لتحويل الأنظارعنها وتركيزها على تلك الاحداث، كأن يستغل موضوع فتح السفارة الأمريكية في القدس قريباً وتحريك أذرعها الفلسطينية من حماس والجهاد الإسلامي ومن ثم أظهار إيران كدولة حامية للمقدسات الإسلامية والدفاع عن فلسطين ومن ثم ابعاد الأنظار عنها، أو قد يخلق وضعاً مضطرباً وقلاقل لأمريكا في أفغانستان من خلال تحريك ذراعها الشيعي هناك وكذلك القاعدة، وحينها يتحين لها الفرصة لالتقاط الأنفاس ويدخل من جديد في حوار حول تعديل الاتفاق النووي والتي قد تمتد سنوات أيضأ، أو قد تلجأ إلى ارضاء اسرائيل جزئيا بانسحابها من بعد المواقع القريبة من حدودها الشمالية مقابل الابقاء على دورها في سوريا وكذلك الضغط على الحوثيين للقبول بالوساطة الدولية لإيجاد مخرج للأزمة اليمنية لتهدئة التخوف الخليجي من التهديد والتمدد الإيراني ومد يد الحوار معها أيضاً.

إذا أمام إيران أوراق كثيرة مستحوذة عليها في السابق ومن الممكن اللعب بها والمساومة عليها والتخلي عن الأسهل منها وقتياً لتجنب الحرب عليها مقابل الحفاظ على الأهم منها لبنان وسوريا والعراق.

والخلاصة فإن منطقة الشرق الأوسط تعيش على فوهة بركان لم تخمد ولم تهدأ بعد والأبواب مشرعة على جميع الاحتمالات.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى