آراء

الشرق الأوسط والصراع الطائفي

دوران ملكي

الصراعات الطائفية في المجتمع الإسلامي قديمةٌ، وتعود جذورها إلى الحرب الأولى بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، على ضفاف نهر الفرات في شمال سوريا ، وبانتصار الأمويين طويت صفحة العلويين لفترةٍ ، وبدأت بالظهور مجدداً، إثر الدعوة العباسية، وبضرورة إعادة الخلافة إلى (آل البيت)، وبعد انتصار العباسيين اشتدّ الخلاف حول تسمية آل البيت، إلى أن تمكّن أبو جعفر المنصور من القضاء عليها، وبقيت توجهات العلويين مقتصرةً على الجانب الديني والإجتماعي، وقد عانى أنصارها الأمرّين في ظل السياسات ذات التوجه السني

في عام 1979 نجح الإمام آية الله الخميني بإنجاح ثورة دينية ضد الشاه محمد رضا بهلوي وطرده خارج البلاد، وإعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية والتي اعتبرت المذهب الشيعي هو المرجع في قيادة الدولة والمجتمع.

تنفّس الشيعة الصعداء في جميع أنحاء العالم ومعهم العالم الغربي المسيحي؛ إذ لم يبقَ العالم الإسلامي حكراً على طائفة واحدة، وسوف تتولّد صراعات في المجتمع الإسلامي

بدأ الصراع الظاهري بين الولايات المتحدة الأمريكية ونظام الخميني ، باحتجاز أعضاء السفارة الأمريكية في طهران كرهائن؛ مما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تحريض النظام العراقي ذي التوجه السنّي للمطالبة بالخليج العربي الذي تنازل عنه نظام البعث لأيران، إثر اتفاقية الجزائر في5 آذار عام 1975 في الجزائر

أخذ الصراع في الشرق مجرىً آخر، إذ أصبحت الأولوية ليست للصراع العربي الإسرائيلي؛ وإنما للصراع العربي الصفوي والذي تدخلت فيه جميع دول الخليج والأردن وتركيا بشكلٍ غير مباشر، وتمّ تقديم الدعم اللوجستي والمادي لنظام صدام حسين البعثي، وانتهت الحرب ب(لا غالب ولا مغلوب) .

إلا أنّ إيران تمدّدت عبر أذرعها في جميع دول الشرق الأوسط ، وبلغت قوتها أوجها في فترة ثورات الربيع العربي، وانسحاب القوات الأمريكية من العراق، وسيطرة الشيعة الموالية لإيران على مقاليد الحكم في العراق.

حاولت الإدارة الأمريكية والمجتمعات الأوربية جذب إيران ، إذ لم يقفوا في وجه التمدد الإيراني في المنطقة العربية، لابل اعتبرت الحركات الشيعية في كثيرٍ من البلدان كحركات اجتماعية تطالب بحقوقها المسلوبة من قبل الحكومات ذات التوجه السنّي ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ،تمّ وضع الحظر على خط العرض 23، لمنع الطيران العراقي من التحليق أسوةً بخط العرض 36 في إقليم كُردستان لحماية الشيعة في العراق والمساهمة في وضع دستورٍ طائفي لضمان حقوق الشيعة في العراق في 2005.

واليوم في عهد الرئيس جو بايدن تمّ رفع صفة الإرهاب عن المنظمة الحوثية رغم امتعاض دول الخليج.

اليوم وبعد اشتداد الصراع بين الولايات المتحدة والصين وروسيا على زعامة العالم، وإمكانية وضع نظامٍ عالمي جديد، تتوجّه أنظار أمريكا نحو آسيا وأوربا ، لمواجهة الصين في المحيط الهادي، ومواجهة روسيا في أوربا، لذلك أصبحت أولوية الشرق الأوسط ثانوية، إذ بدأت بنقل قواتها، بعدما أسّست المنطقة لصراعٍ طويل الأجل بين المذهب الشيعي بزعامة إيران والمذهب السنّي بزعامة السعودية وتركيا، وأحدثت حالة عدم استقرار في باكستان وإفغانستان، لوقف مدّ أعمال خط طريق الحرير الرابط بين الصين وميناء كوادر الباكستانية على المحيط الهندي، وخاصةً بعد تغيير نظام الحكم إلى موالي للولايات المتحدة الأمريكية في باكستان، وكذلك لمنع مدّ الطريق في العراق وسوريا، والتي وافقت نظاماها مع الصين على مدّ الطريق ليصل إلى البحر المتوسط.

أهمّ ماقامت به الولايات المتحدة الأمريكية لتهيئة الشرق الأوسط لهذا الصراع هو إسقاط نظام صدام حسين، الذي كان يعتبر نفسه (حامي البوابة الشرقية للأمة العربية) والانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من الوسط والغرب العراقي، لتسمح للمليشيات الشيعية بالسيطرة على المناطق السنّية في العراق، في الوقت الذي كانت تستطيع تشكيل فصائل مسلحة من السنّة ،كما فعلت في فترة مواجهة تنظيم القاعدة بقيادة الزرقاوي لمواجهة( داعش)،والغاية منها هو وصول إيران عبر أذرعها إلى حدود الأردن وسوريا والمملكة العربية السعودية، وتحريض الخلايا النائمة في الشرق السعودي ذي الأغلبية الشيعية،ولأنّ جميع المجتمعات الإسلامية تعاني من انقسامات طولية طائفية تكون الأرضية مهيّأة للصراع ، وبدأت بوادره بالظهور إذ بدأت دول الخليج بتجذير الصراع مع إيران بالضغط على أمريكا وذلك بإجبارها على التخلي عن مفاوضات الاتفاق النووي، والبقاء على العقوبات المفروضة على إيران مستغلّاً أزمة الطاقة التي ولّدتها الحرب الروسية الأوكرانية، وحذت إسرائيل حذو دول الخليج في مواجهة التمدد الإيراني، وهذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تريد تشكيل حلف عربي إسرائيلي لمواجهة التمدد الإيراني، وبالفعل تمّ عقد اجتماع في صحراء النقب ، حضرها كلٌّ من وزراء خارجية مصر والمغرب العربي والبحرين والإمارات وأمريكا، و نرى اليوم نتائج هذه الاجتماعات وهي وضع رادارات مراقبة إسرائيلية في الإمارات العربية المتحدة، وسيتمّ انضمام جميع الدول العربية إلى الحلف الجديد، عاجلاً أم آجلاً ، وسوف تحلّ منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، والتي أثبتت جدارتها أمام الصوريخ الإيرانية لحماس محل صواريخ الباتريوت الأمريكية.

ولذلك تحافظ أمريكا على إبقاء قوات الحشد الشعبي في العراق، على حدود السعودية والأردن، ولم تساهم بشكلٍ جدّي في تشكيل الحكومة العراقية، رغم وجود أغلبية برلمانية، لا بل هناك الكثير من الآراء والتكهنات التي تقول بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي من أجبرت الصدر على الاعتكاف السياسي، ليحلّ محل نوابه نواب من الكتل الشيعية المحسوبة على النظام الإيراني، فهي بذلك تحقّق شيئين أساسيين الأول: إجبار بقية الدول العربية على الدخول إلى الحلف العربي الإسرائيلي ، والثاني: هو حرية المناورة للاتفاق مع إيران على إعادة الاتفاق النووي، وتحرير الغاز والنفط الإيراني من العقوبات الأمريكية .

وُيعتبر تشكيل الحكومة العراقية الموالية لإيران كنوعٍ من التنازل لإيران إلى جانب الالتفاف على موضوع إلغاء اسم الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكية، وبالفعل بدأت الوساطة الأوربية بالتحرك لإحياء جلسات الحوار قريباً وبذلك تسلّم أمريكا ملفات المنطقة إلى إسرائيل.

بالتوازي مع هذا التحرك، وليشمل الصراع بعداً أوسع، قامت المملكة العربية السعودية بجولات مكوكية في المنطقة السنّية ، لإزالة العراقيل والخلافات بين الدول السنّية في كلّ الشرق الأوسط لتشمل تركيا أيضاً

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى