الشرق الاوسط الجديد: تركيا، ايران وكردستان المستقلة
HAMOON KHELGHAT-DOOST and GOVINDRAN JEGATESEN
ترجمة من الانگليزية: آلان حصاف – يكيتي ميديا || رسمت الخارطة الجيو-سياسية الحالية في الشرق الاوسط من رماد الحرب العالمية الاولى وبعد سقوط الامبراطورية العثمانية، وفي حين ان الربيع العربي وظهور الدولة الاسلامية في العراق وسوريا (داعش) مهدا الطريق امام تغيرات دراماتيكية في المنطقة، وعلى الرغم من كل هذه التغيرات المتسارعة فقد بقي شيء واحد على حاله: استبعاد الشعب الكردي من هذه التغييرات.
كما حصل قبل عقد من الان، فإن الخارطة الجديدة للشرق الاوسط تجاهلت – مرة اخرى – مستقبل الشعب الكردي، حيث يبدو مستقبلهم في الشرق الاوسط الجديد لا يدعو الى التفاؤل أيضا، ويبدو أيضا ان مستقبل الشعب الكردي يربتط وبشكل كبير مع سياسيات جيرانهم، تركيا وإيران.
في نهايات العام 2013، بدأت تركيا نهجا جديدا في التعامل مع القضية الكردية من خلال اقامة علاقات أوثق مع حزب العمال الكردستاني في تركيا من جهة ومع حكومة اقليم كردستان في العراق من جهة اخرى. حركت هذه الخطوات آمال الشعب الكردي في الحصول على دعم الجار التركي ضد هجمات داعش، ومع ذلك فقد أثبت سير الاحداث عكس ذلك تماما ! . فعلى الرغم من التفاؤل الاولي، تخلت تركيا عن الكرد في مواجهة هجمات داعش في كل من العراق وسوريا. ومن جهة أخرى فإن فقدان عمليات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد داعش لآفاق واعدة بتحقيق النصر أثار الكثير من الضغط العالمي والشعبي ضد الحكومة التركية والجيش التركي اللذان التزما الصمت على الرغم من المواجهات الدامية بين داعش من جهة والقوات العراقية والقوات الكردية في كل من العراق واجزاء من سوريا، هذا بالاضافة الى عدم منحها الاذن لقوات التحالف لاستخدام القواعد التركية في محاربة داعش.
ومع بدايات الازمة السورية، اتجهت السياسة الخارجية والامنية التركية بشكل محموم نحو دعم مجموعات المعارضة والنشاطات الهادفة الى اسقاط الرئيس بشار الاسد، على الرغم من ذلك، كان لتركيا أيضا تحفظاتها فيما يتعلق بدعم جماعات المعارضة الكردية في سوريا، باذلة اقصى جهودها في عدم المساهمة في إمالة ميزان القوى الى صالح الكرد في كل من سوريا والعراق. كانت انقرة ترى ان دعم الجماعات الكردية المناهضة للأسد قد تعزز التوجه الكردي نحو الاستقلال مما قد يشكل تهديدا مستقبليا على الأمن القومي التركي. وفي الوقت ذاته، اخذت تركيا بعين الاعتبار ان الازمة السورية هي الساحة المناسبة لاحتواء نفوذ ايران واستراتيجيتها الشيعية في المنطقة .. ولكن، واقع الحال على الارض في سوريا لم يجار الآمال التركية أيضا.
مع صعود نجم داعش اضطرت الولايات المتحدة لتدرج ملفات اخرى في مفاوضاتها مع ايران بالاضافة الى الملف النووي، وساهم سوء التقدير الاستراتيجي لحكومة اقليم كردستان في تغيير قواعد اللعبة بالنسبة الى تركيا، كانت هذه العوامل – بمجملها- تصب في مصلحة المخططات الايرانية، ففي غياب المساهمة العملية لتركيا في الحرب على داعش، تحولت حكومة اقليم كردستان الى النظر الى ايران كشريك في حربها ضد داعش. ففي حين التزمت تركيا الصمت، استجابت ايران بشكل فوري لطلب حكومة الاقليم بالمساعدة في حربها ضد داعش ، لتصبح بذلك من اولى الدول التي دعمت الاقليم بالاسلحة والدعم التقني في هذه الحرب.
منحت هذه التطورات ايران اليد الطولى في كل من الجوانب السياسية والعسكرية في كردستان العراق، مما ادى الى تقليص النفوذ التركي في المنطقة. كان هذا التغير العملي في دور ايران في المنطقة على مرمى انظار الولايات المتحدة الامريكية، التي لم تفعل شيئا حيال ذلك، على الرغم من كون ادارة ارئيس اوباما في حاجة ماسة للوصول الى اتفاق في مفاوضاتها الجارية مع ايران حول ملفها النووي في ذات الوقت. ونتيجة لذلك، ومن خلال دورها في محاربة داعش وتقديم نفسها كمؤيد اقليمي للدور الكردي استطاعات ايران ان تقوي موقفها والاوراق التي تستطيع ان تساوم عليها في مفاوضاتها النووية.
وعلى النقيض أيضا من التطلعات التركية، فقد ادت مجمل التطورات الاخيرة الى تخفيف موقف الولايات المتحدة ضد الرئيس الأسد، ومع ارتفاع موجة الانتقاد ضد تركيا على دورها السلبي في الازمة السورية (وبشكل خاص صمتها في قضية كوباني) فقد كانت طهران – على الاقل مما يبدو حتى الان – هي الفائز الاكبر في الازمة التي تجتاح الشرق الاوسط.
ان النفوذ التركي في المنطقة يبدو في تراجع، فيما يستمر النفوذ الإيراني في المناطق الكردية في تصاعد. هذه العوامل ان نظر اليها مع الاخذ في عين الاعتبار موقف ايران الثابت والذي لا تتراجع عنه في منع قيام أي دولة كردية تعني جميعا أن الحلم الكردي في السعي نحو بناء دولة كردية مستقلة في الخارطة السياسية التي يتم رسم معالمها الان في الشرق الاوسط – مرة أخرى- سيكون حلما بعيد المنال.
الرابط الاصلي للمقالة:
International Policy Digest