الصبر الاستراتيجي الأمريكي أمام فلسفة الانتظار الإيرانية …
عبدالرحمن كلو
بعد مفاوضات ماراثونية طويلة وشاقة استمرت 22 شهراً توصلت دول الـ 5+1 مع إيران إلى اتفاق على برنامجها النووي، حيث استمرت الحالة التفاوضية في أجواء من عدم الثقة والمماطلات حاول فيها كل طرف كسب الزمن لصالحه ريثما يستثمر نتائج هذه المعركة او تلك لتوظيفها كورقة إضافية رابحة في المفاوضات، استمرت الحالة التفاوضية حتى بات هذا الملف جزءاً حيوياً من حالة الصراع في الشرق الأوسط عموماً، ويبدو أن نظرية الصبر الاستراتيجي التي أطلقها الرئيس أوباما والتي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية أثناء المفاوضات واجهتها فلسفة الانتظار الايرانية المستلهمة من عقيدة الانتظار للمهدي المنتظر، فالطرفان كانا يعتمدان استثمار وقع الخطى الآنية وحركتها في مختلف مواقع الصراع على حساب الزمن.
فعلى الرغم من أن العنوان الرئيسي والعريض لهذه المفاوضات كان البرنامج النووي الايراني إلا أنها كانت دوماً على علاقة بكل ما يتعلق بمصالح الدولتين في الشرق الأوسط، وهنا جاء التساؤل المشروع من جانب المراقبين والمحللين السياسيين: هل جاء الاتفاق لصالح البرنامج النووي الايراني على حساب مشروعها في المنطقة ؟ أم أن العكس هو الصحيح حيث كانت التنازلات الايرانية مؤلمة في الجانب النووي مقابل إطلاق يدها في مناطق النزاع وإعطائها المزيد من هامش التحرك في تنفيذ مشروعها العقائدي في الشرق الأوسط؟ من خلال العودة إلى الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط التي وضعها صناع القرار، والحالة المؤسساتية التي تتبعها الولايات المتحدة في التعامل مع المسائل ذات البعد الاستراتيجي سنرى أن أمريكا لم ولن تتخل عن ثوابتها في الشرق الأوسط ، التي تتمثل بأمن اسرائيل أولاً والاستمرارية في محاربة الارهاب ثانياً ومن ثم أمن دول الخليج وأمن كردستان العراق تحت أي ظرف وبأي شكل من الأشكال، وبالتالي فهي لن تحيد عن تنفيذ مشروعها المعلن المتمثل بالشرق الأوسط الكبير، وبعد التوقيع على الاتفاقية بأيام قليلة أكد أوباما في كلمته الاسبوعية: (.. على شعوب المنطقة أن تعيد رسم خارطتها الخاصة …) وهذا يعني بوضوح الاستمرارية في اعتماد نظرية الفوضى الخلاقة في تنفيذ مشروعها الشرق أوسطي، لذا فهي لم تتخل عن أي جانب على حساب جوانب أخرى، فقط ما قامت به هو تجميد وتأجيل ملف البرنامج النووي لتعطي نفسها مسافة زمنية مريحة للعمل في المسارات الأخرى، هذا مقابل رفع بعض العقوبات بشكل تدريجي، لهذا نراها اعتمدت سياسة فصل المسارات ولم تضع البيض كله في سلة واحدة، بمعنى أنها قامت بفصل الحالة اليمنية عن الحالة السورية وأيضاً الحالة السورية عن العراقية، لكن هذا لا يعني بالمطلق أن لا تقدم أمريكا على بعض التنازلات التكتيكية في بعض المواقع من خلال تفاهمات جانبية موازية للاتفاق، هنا يأتي السؤال الأكثر أهمية بالنسبة للحركة الوطنية الكردية في سوريا: في أي من الملفات الثانوية – أمريكياً – ستوظف هذه التفاهمات ؟ وكم ستكون لها من تداعيات سلبية على القضية الكردية في سوريا؟ لاشك أنها ستمارس هذا التكتيك في أضعف حلقات حلفائها، وربما تشكل التنازلات الأمريكية – التكتيكية- ضربةً في صميم استراتيجية المشروع القومي الكردي في كردستان سوريا، خاصة بعد التفاهمات التركية – الأمريكية الموازية للاتفاق، التي تعطي لتركيا دوراً أكبر في ترتيبات الوضع الأمني في الشريط الشمالي لسوريا، وهذا لا يتعارض – من حيث الجوهر- مع الرؤية الايرانية لوضع انتقالي في الشمال السوري، فكلا الجانبان التركي والايراني – رغم اختلاف مشروعيهما- متفقان على أن لا تكون هناك أية صبغة قومية كردية في الشريط الشمالي لسوريا، ورغم عمق وحدِّية خلاف حزب العمال الكردستاني وجناحه السياسي حزب الشعوب الديمقراطية مع حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، يبقى المشروع السياسي المعلن للعمال الكردستاني على علاقة قوية جداً برؤية الدولة العميقة في تركيا في حل المسألة القومية، كما أن هذه الرؤية تنسجم تماماً مع الرؤية الايرانية المتمثلة في تقسيم كردستان إلى كانتونات إدارية شعبوية، وأمريكا بدورها ستشجع هذه التفاهمات والتوافقات – وإن كانت على حساب الكرد – مادامت ستستثمر في محاربة إرهاب داعش، وبحكم موقع العمال الكردستاني في المحور السوري- الايراني وعلاقته الاستراتيجية مع هذا المحور، وعلاقته القوية مع الدولة العميقة في تركيا فهو يشكل القاسم المشترك لتقاطع المشروعين التركي والإيراني، لذا فهو مؤهل لأن يكون شريكاً فعلياً لتركيا في إدارة الشريط الشمالي لسوريا مع تقسيم بعض مناطق النفوذ وبرعاية أمريكية، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية على المشروع القومي الكردي، إذ لابد من التحرك والتمرد على الحليف الأمريكي في هذا الملف، لأن التكتيك الأمريكي تحول هنا إلى ممانع خطير للمشروع الوطني الكردستاني، ويمكن التحرك بهذا الاتجاه بالتنسيق مع اقليم كردستان والاعتماد على القوة العسكرية للمجلس الوطني الكردي لتصحيح الأوضاع قبل أن تأخذنا الأحداث إلى مسارات مجهولة، ومتاهات تكون أشد خطراً على استراتيجية الأمن القومي الكردي من أية مرحلة سابقة.
جريدة يكيتي العدد 217