الصحافة الكُردية في ميلادها ال 22 بعد المئة
بهجت شيخو
لعلها الصحافة بكل اصنافها و خصائصها تعتبر من اهم ما انتجه العقل البشري حتى الأن لكونها ما تمتلك من خصوصية صلة الوصل اليومية بين ما كان يتفاعله الحياة البشرية فيما بينهم بالماضي و الحاضر و تلك العلاقات المميزة لتنظيم كل سير المجتمعات.
فالصحافة اعتبرت حاجة ماسة للإنسان و خاصة بعد ان اوجد نفسه ككائن يعيش ضمن تجمعات دينية او قبلية و لاحقا امبراطوريات و أنظمة دول.
فتاريخ الصحافة عريق و تعود بها التاريخ الى اثناء النقش و الحفر على لوحات معدنية او حجرية و تعليقها على الجدران كما في روما القديمة او الكتابة على البردي و التدوين على ما تسمى السبورات لرؤيتها على الجموع في المناسبات الدينية كما في سوق عكاظ.
و تطورت هذه الثقافة البشرية حتى وصلت لما قد نشاهدها اليوم انها اصبحت من اقوى الأسلحة الهامة التي تساهم في تكوين المجتمعات و تطورها.
وأول صحيفة كان ظهورها في فرنسا عام 1632 ميلادية ، و سميت ( الاخبار اليومية ) و اعتبرت أول صحيفة على نطاق العالم ، ثم تلتها بفترةٍ قصيرة ظهور صحيفة (لاغازيت) <1> و هكذا بدأت صناعة الصحافة كسلطة و كحاجة ضرورية لبناء المجتمعات و الدول.
و من دون شك تعتبر الثقافة الاعلامية الراقية لأي مجتمع او دولة من اهم سمات تطوره و يحفز بذلك على التفاعل الايجابي لبناء مؤسسات الدول و استقرارها .
لذلك كان من الاهمية بمكان ان يتم تسمية الصحافة أو الاعلام بالسلطة الرابعة لما لها دور كبير في تفاعل الحدث و نقل الخبر و تحكيم سياسة هذا النظام او ذاك .
و من هذا المنطلق لم يكن المجتمع الكوردي بمعزل عن اهمية الصحافة و دورها الرئيسي في توحيد الجهود و المواقف لأثبات وجوده كقومية رئيسية في منطقة الشرق الأوسط و خاصة بما كان يعانيه من الأضطهاد القومي كبقية الشعوب التابعة للامبراطورية العثمانية و ذلك بعد ظهور هوامش النزعة القومية و الديمقراطية التي انتجتها القارة الأوربية.
ففي وقتها كانت دولة مصر من اكثر الدول التي كانت تتمتع بجزء يسير من الحرية لذا كانت تعتبر ملتقى لهؤلاء المفكرين من مختلف المشارب و القوميات المناهضة لسياسة الدولة العثمانية و التي تهتم بقضايا السياسة و الفن و ايجاد حياة جديدة لشعوبها.
لذا يأتي تدشين اليوم 22 من ابريل ( نيسان ) من عام 1898 اول انطلاقة لميلاد صحيفة كوردية سميت ب ( كوردستان ) في القاهرة عاصمة جمهورية مصر من قبل الاستاذ الفاضل الامير مقداد مدحت بدرخان كحاجة طبيعية على ما كان يتعرض له المكون الكوردي من قبل العثمانيين و خاصة بما كان يمارس بحقه من اقسى انواع الجور و الظلم القومي.
ويقول الامير الكردي مقداد بدرخان صاحب الامتياز ورئيس تحرير الجريدة في مقال له بالعدد الاول من الجريدة: (وضعت نصب عيني هدف ترسيخ الاهتمام بشؤون ابناء قومي الكرد إزاء التعليم ولأمنح فرصة التعرف على حضارة العصر وتقدمه.. ولا أبغي من صدور هذه الجريدة ولو من بعيد سوى خدمة مصالح شعبي ولسعادته ورفع المستوى الثقافي لبني بلدي)..<2> اراد الامير مقداد بدرخان من اصدار الجريدة ان يعرف الكرد بالعالم بان نضالهم يبقى ثقافيا سلمياً بعيداً عن الحروب والقتال وحمل السلاح واخراج شعبه مما هو عليه من الجهل وظلمات الأمية التي مارستها ضدهم السلطات العثمانية في حينها.
وصدر العدد الأول من الجريدة السابقة الذكر في مدينة القاهرة باللغة الكردية وكتبت باللهجة الكرمانجية الشمالية وبالحروف الفارسية.. وكانت تصدر مرتين بالشهر وبأربع صفحات، واصدرت الجريدة واحداً وثلاثين عدداً خلال اربع سنوات وباعداد متقطعة الى العام 1902م.
وطبعت الاعداد: (1-2-3) في مطابع دار الهلال المصرية والعددان الرابع والخامس في مطبعة كردستان في القاهرة والعائدة للشخصية الثقافية الكردية العلامة الشيخ فرج الله زكي الكردي.. والاعداد الاخرى طبعت خارج مصر بسبب الضغوط التي مورست من قبل السلطات العثمانية لغلق الجريدة، و تم نقل مقرها الى مدينة جنيف في سويسرا وطبعت الاعداد فيها من السادس الى التاسع عشر.. والأعداد من عشرين الى الثالث والعشرين رجعت الى مطبعة كردستان في القاهرة بعد إعادة مقرها بالقاهرة.. اما العدد الرابع والعشرون فطبع في مدينة لندن.. والأعداد من الخامس والعشرين الى التاسع والعشرين طبعت في مدينة فولكستن.. والعددان الثلاثون والواحد والثلاثون طبعا في مدينة جنيف مرة اخرى.. وكان العدد الأخير قد صدر في الرابع عشر من نيسان عام 1902.
و من بعدها تتالت صدور الصحف الكوردية في أجزاء كوردستان و اكسبت عاملين مهمين : أولهما إشاعة الأدب الكوردي و تمكين لغة الأم و ثانيهما : تشجيع النزعة القومية و خاصة بعد انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى و انشاء كيانات و دول ناشئة.
و لا يخفى هنا من أن بعض الدول المنتدبة و خاصة الأنكليز قبيل و بعيد الحرب العالمية الاولى ساهمت او ساعدت في انشاء بعض الصحف باللغة الكوردية و ذلك لكسب ود الشعب الكوردي و لتأليبهم ضد العثمانيين لهذا طبعت بعض الصحف الكوردية في كلا من بغداد و السليمانية و استنبول و يمكن ذكر البعض منها:
صحيفة «تيكه يشتني راستي» (فهم الحقيقة)، التي انطلقت من بغداد ما بين عامي ( 1918 – 1919). وصحيفة «زين» (الحياة). وصحيفة «كردستان» في استنبول في أواخر 1919.
أما في سوريا و في 26 تشرين أول 1931م حصل الأمير جلادت بدرخان على الموافقة من الحكومة السورية في إصدار مجلة هاوار، و كانت تطبع في دمشق وتوقفت عن الصدور نهائياً عند العدد 57 في 15 آب 1943م كما تتالت بعدها مجلة روناهي ( النور ) و مجلة روزا نو (اليوم الجديد) في 1943م ، كان يصدرها الدكتور كاميران بدرخان أخو المير جلادت في بيروت و صدرت باللغتين الكردية و الفرنسية .<3>
اما بعد الأربعينات من القرن المنصرم اتسمت الصحافة الكوردية في اجزاء كوردستان الأربعة بالصحافة الحزبية و كانت الصحيفة تعتبر لسان حال الحزب و اقتصرت على العمل الحزبي و المهام المرحلية في الذود عن مصالح الشعب الكوردي امام الأنظمة المستبدة التي لا تتوانى عن تهديد كيان هذا الشعب.
و لكن مع بداية الألفية الجديدة و ظهور الوسائل التكنولوجية الرقمية المتطورة تلقى الإعلام عموما طفرة نوعية و تأثرت بها الصحافة الكوردية و خاصة اقليم كوردستان العراق بعد تحرره النسبي من سلطة بغداد الاستبدادية لتظهر فيه مئات الصحف و المجلات و القنوات الفضائية إضافة الى وسائل التواصل الإجتماعي .
و اصبحت عموما الصحافة الكوردية تمتلك مقومات الإستمرار دون عوائق رقيب السلطات المستبدة على رقابها و تعرض الصحفيون إلى الملاحقة و السجون و احيانا التصفية الجسدية.
و بهذه المناسبة ما زالت الصحافة في كوردستان سوريا تعاني مشكلات جمة و لم ترتقي الى المستوى المطلوب و يعود ذلك الى أسباب عديدة لا يسعنا ذكرها هنا و لكن يوقفني هنا فقط صحافة المجلس الوطني الكوردي بصفته مشروعا قوميا يمثل الكورد السوريين إلا إنه ما زال يفتقر الى ابسط مقومات الإعلام حيث لا يملك على اقل تقدير صحيفة اسبوعية او حتى شهرية ناهيك عن الإذاعة و التلفزيون و هو بهذا يفقد حتما” جزء من قدرته النضالية على مستوى الشارع الكوردي.
فتحية إجلال و إكرام إلى روح الأمير مقداد مدحت بدرخان باشا المؤسس الأول للصحافة الكوردية .
و تحية إجلال و إكرام إلى ارواح كل شهداء الكلمة و القضية.
= المصادر
1- تاريخ الصحافة وتطورها … تقرير نبيل عطيه
/ موقع العاصمة نيوز / .
2 – تقرير نقابة صحفي اقليم كوردستان العراق بمناسبة بمناسبة مرور 121 عاما على تاسيس الصحافة الكردية.
3 – الصحافة الكردية… تاريخ حافل من اجتهادات شخصية ومبادرات حزبية /تقرير احسان عزيز شباط ٢٠١٩.