الصراع على رئاسة العراق ما بين التقسيم والتقويم
مروان عيدي
منذ تحرير العراق من الطغمة البعثية الحاكمة عام 2003 وتشكيل هيئة حكم انتقالي بإشراف المندوب السامي لقوات التحالف آنذاك بول بريمر ، وتناوب الكتل السياسية العراقية بمختلف توجهاتهم السياسية العقائدية والإثنية فيما بينهم برئاسة هذه الهيئة حتى الوصول إلى وضع دستورٍ للعراق الفدرالي 2005 ، وهو دستور توافقي بطبيعة الحال ،بموجبه رئاسة الجمهورية من حصة الكُرد، والبرلمان للسنّة والحكومة للشيعة.
كان هناك اتفاق استراتيجي بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كُردستان ، الديمقراطي الكُردستاني بزعامة الرئيس مسعود البارزاني والإتحاد الوطني الكُردستاني بقيادة مام جلال الطالباني، على أن تكون رئاسة الإقليم من حصة الديمقراطي وعلى أثرها تمّ انتخاب السيد مسعود البارزاني رئيساً لإقليم كُردستان منذ 2005 وحتى عام 2017 أي بعد عملية الاستفتاء، وما حدث على إثرها من تراجع للاتحاد الوطني عن الثوابت الكُردستانية التي اتفق عليها الحزبان ومساهمة الاتحاد بنسف نتائج الاستفتاء والاتفاق مع الحشد الشعبي والحكومة المركزية وباشراف قاسم سليماني وخسارة كركوك والمناطق المتنازع عليها لصالح الحشد الشعبي والحكومة المركزية وكانت مكتسبات الإقليم وتضحيات الشعب الكُردي على المحك، لولا تدخل المجتمع الدولي والإيعاز بوقف الاعتداء على شعب كُردستان والتوقف عند حدود خطوط العرض التي رسمها مجلس الأمن لصدام حسين وقواته بعد انتفاضة شعب كُردستان بداية التسعينات من القرن الماضي، وبوفاة الرئيس جلال الطالباني وترك الرئيس مسعود البارزاني رئاسة إقليم كُردستان أصبح ذلك الاتفاق بين الحزبين من الماضي، وبموجبه تقدّم الديمقراطي بمرشحهم فؤاد حسين لرئاسة الجمهورية عام 2018، وكذلك الاتحاد الوطني تقدّم بمرشحهم برهم صالح ، والجميع يعلم أنّ فوز برهم صالح جاء بقرارٍ إيراني وإيعازٍ للقوى الشيعية الموالية لإيران، التي وجدت في الاتحاد الوطني حليفهم المنشود في القضاء على الطموح الكُردي بالذهاب بعيداً ، والمطالبة بتطبيق نتائج الاستفتاء ليس هذا فحسب بل القضاء على مكتسبات الإقليم، وتعالت أصوات بعض الشخصيات والتيارات السياسية بضرورة إعادة النظر في الدستور العراقي الفدرالي ، وإعادة المحافظات الكُردية إلى الحاضنة العراقية والعودة إلى النظام المركزي والشمولي.
و العراقيون عموماً أمام استحقاق دستوري جديد وهو تطبيق نتائج الانتخابات التي جرت عام 2021 ، والفوز التاريخي للديمقراطي بتشكيل حكومة وبرلمان ورئاسة جديدة، وفور البدء بأول جلسة برلمانية قام الاتحاد الوطني بخرق الصف الكُردي ، فلم يصوّتوا لمرشح الديمقراطي لمنصب نائب برلمان العراق، وامتنعوا عن التصويت له ولرئاسة البرلمان عموماً ، وهو سبب آخر لما أشرنا اليه سابقاً ، ببطلان الاتفاق الاستراتيجي بين الحزبين الرئيسيين، وتمّت عملية الانتخابات بنجاحٍ ، وبات من حق الديمقراطي أن يتقدّم بأوراق مرشحهم لرئاسة الجمهورية وهو السيد هوشيار زيباري ، ولقناعة الاتحاد الوطني بخسارة مرشحهم أمام مرشح الديمقراطي وتحالف الصدريين والحلبوسي والديمقراطي لم يبقَ أمامهم إلا التهديد بشقّ وحدة الصف الكُردي ، والذهاب بعيداً بالتهديد بوحدة الإقليم، وغاب عن بالهم أنّ السليمانية 2014 لم تعد سليمانية اليوم فهي ليست ملك للاتحاد الوطني ،وهم لم يعودوا الحزب الوحيد والأقوى في ظل وجود حركة التغيير والجماعة الإسلامية والجيل الجديد، كما أنّ الإقليم برمّته لم يعد ملكاً للأحزاب، وباتت القوى الرئيسية تتنافس على خدمة شعب الإقليم ليكون مقياساً لاستمراريتهم ، هذا الشعب الأبي الذي لن يرضى لكائنٍ مَن كان أن يدفع بهم لخسارة مكتسباتهم التي جاءت نتاجاً طبيعياً لتضحياتهم التاريخية.
والحال هكذا، بات من المؤكّد فوز السيد هوشيار زيباري بمنصب رئاسة الجمهورية، ويتوجّب على الأحزاب الكُردستانية الفائزة الاجتماع مجدّداً للتفكير بمستقبل كُردستان ، وما يمكن أن يحقّقوه بخصوص المواد الدستورية التي تنظّم العلاقة بين الإقليم والحكومة المركزية وخاصةً مايتعلّق بالمادة 140.