العاصفة تضرب قواعد الصراع والتوازنات في الشرق الاوسط وسوريا على المحك قريبا
كاوا عيسى
لا شك ان الحدث اليمني الذي يبدا فصلا جديدا وغير معهود من الصراع في المنطقة، بدأ بأرجحة التوزانات القائمة بين حلف السعودية وشركائها من جهة، وايران ومن معها في الطرف الاخر، اذ ان التدخل السعودي المباشر في عمق وعموم الجغرافيا اليمنية ضد الحوثيين وايران من خلفهم، يثير سيل متدفق من الاسئلة عن الاحتمالات والتفاعلات التي قد تنتج عنها في الشرق الاوسط وتبعاتها في الساحة الدولية، في ظل انتقال الصراع في المنطقة الى افق جديدة اكثر حدة من ذي قبل، متجاوزة بذلك المعادلات والتوازنات القائمة التي حكمت الصراع خلال العقود القليلة الماضية.
ان نجاح قطب الصراع الايراني خلال العقود الماضية في ادارة حروبها الباردة والساخنة مع جيرانها، كان يعود في الاساس الى قدرتها على خلق ما بات يعرف في علم السياسة الخارجية بالساحات المترابطة (قياسا على نظرية الاواني المستطرقة)، وذلك من خلال قيامها بايجاد ساحات صراع مرتبطة معها في كل من سوريا ولبنان والعراق واخيرا الساحتين اليمنية والبحرينية وان كانت بنسب اقل متانة من سابقاتها، هذه الارتباطات كانت دائما يتم تدعيمها من قبل ايران بعلاقات اقليمية ودولية تشد الاطراف الخارجية باتجاهها وتضرب طوقا على الطوق المفروض عليها.
ولكن يبدو ان ايران باتت تعاني من صعوبة بالغة في تحصين ساحاتها المترابطة لعدة اسباب قد تكون اهمها الصراع المنهك في سوريا اولا، ونجاح السعودية في رهانها على استمالة مصر والسودان وباكستان الى جانبها في الصراع ثانيا، مما شكل ثقبا كبيرة في سياسة ايران وشدها للاطراف الخارجية باتجاهها، وهنا لابد من الاشارة الى ان ايران لم تخرج من اللعبة، بل على العكس فالكرة الان في الملعب الايراني، الذي مازال يمتلك الكثير من الخيارات والاوراق الرابحة لعل اقواها الملف النووي الذي قد يكون المفتاح لتسييد ايران المنطقة سياسيا واقتصاديا في حال قبولها توقيع الاتفاق الجيد وفق الصيغة الاوبامية، او تحوله الى ممر دانزيغ جديد ان جاز التعبير والعبور الى حرب شاملة في المنطقة، في حال رفضها توقيع الاتفاق، ووفق ما يلوح به نيتنياهو على الدوام.
لاشك ان الوليد الجديد “عاصفة الحزم” يحمل الكثير من الدلالات والاشارات الواضحة سياسيا، فبكل تاكيد ان الصراع السعودي – الايراني قد وصل الى افق مسدود تماما، ولاسيما بعد تمكن ايران من اخراج اربع دول عربية من عمقها (العربي – السني) والحاقها بولايتها الفقيهية، وذلك خلال اقل من عقد واحد، وبذلك باتت السعودية غير قادرة على ادارة الصراع مع ايران وفق قواعد اللعبة القديمة، واتجهت الى منحى اكثر جرأة وتصادمية، الامر الذي قد يشي ببعض معالم المرحلة المقبلة ولاسيما ان المعلومات تفيد بامكانية تحول الضربة الجوية الى دخول عسكري بري وبحري، مما يبقي باب التصعيد مشرعا على جميع الاحتمالات، وبالتالي فان المنطقة على اعتاب مرحلة صراع اكثر شراسة من ذي قبل ولاسيما في ظل الوضع السياسي المزري اصلا، فالاجواء في سوريا والعراق ولبنان مواتية جدا لعواصف من هنا وهناك.
من غير الواقعي قياس الضربة السعودية وحلفها الممتمد من باكستان الى المغرب ضد الحوثيين في اليمن من مقياس الربح والخسارة في ميزان كل من طرفي المعادلة السعودية – الايرانية، فمن المؤكد ان هذه بداية لاعادة ترتيب واصطفاف جديد في المنطقة، ولكنها ليست نهاية للصراع، قد تتراجع ايران ظاهريا في بعض ساحاتها، ولكنها بكل تاكيد ستحصد نتائج مهمة لها في ساحات اخرى، فبالتركيز على الوضع السوري وتناول تبعات عاصفة الحزم عليها بالتحليل الموضوعي نجد ان هناك تطورات قادمة في الافق القريب على الساحة السورية، قد تكون في اتجاهين متعارضين تماما، فاما ان تقود عمليات السعودية ضد الحوثيين الى اضافة المزيد من الضغوط على ايران واجبارها على التخلي عن برنامجها النووي مقابل قبولها لمكاسب سياسية في الشرق الاوسط، والتي سوف تاتي على شكل حلول سلمية وفق الصيغة الروسية – الايرانية في كل من سوريا والعراق ولبنان، او بوضوح اكبر التخلي تماما عن هذه الدول لايران مقابل تخليها عن برنامجها النووي، وهذا ما يراهن عليه اوباما وكرس له سياسته الشرق اوسطية خلال اعوام ولايته كلها تقريبا، الامر الذي سيؤدي الى قبول امريكا بالحوار مع الاسد ولاسيما ان دعوات الحوار المباشر بين دمشق وواشنطن تتواتر مع قرب التوصل الى اتفاق نووي، مما يعني اجهاض لما تبقى من الثورة السورية تماما والحكم بالاعدام السياسي على جميع معارضي الاسد، والحاق سوريا بايران سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعقائديا، او قد تتجه ايران الى الدخول لمستوى تصعيدي اكبر من خلال رفضها التخلي عن البرنامج النووي والتوجه الى الاشتباك العسكري في عدد من ساحات المنطقة، وهنا ستكون سوريا المدخل السريع من قبل الولايات المتحدة وحلفائها لضرب مصالح ايران في المنطقة في ظل وجود تحالف دولي اساسا ضد تنظيم داعش الذي سيضيف الى مهامته ازلة حكم الاسد واي نفوذ اخر لايران من كل من سوريا ولبنان، وربما يتخللها او يليها حرب شاملة مع ايران.
وبالتالي فان التغيير الحاصل في قواعد الصراع في المنطقة سيكون له بالغ التاثير على نقل الازمة السورية الى اتجاهات جديدة قد تكسر حالة الجمود المستمرة منذ جنيف 2، وتذيب جليد التوازنات القائمة، وقد تكون او لاتكون السبيل الى الحرية التي ناشدها يوما الشعب السوري.