العثمانيون الجـدد
محمد رمضان
ليس بالغريب إطلاقاً تلك النزعة التُـركية الجامحة للعـودة بالأمجاد العثمانية الغابـرة التي قامـت على حسـاب مقدرات شعوب المنطقة، ودمائهم كـون الأدبيات الحزبية للحزب الحاكم، العدالة والتنمية، طافحة بالاعتداد، والتمجيد للعـرق التُـركي إسلامياً دون سائر القوميات في منطقة المشرق الإسلامي، ولعل الفقرة الداعية للحفاظ على مشاعر المواطن التُـركي في منهاج ذات الحزب خير دليل على آلية يتم بها شراء الذمم بصورة مخفية بحكم هـذه المخافة الجمة على مشاعر المواطن تشمل المواطن المؤمن بأيدولوجية العدالة والتنمية حصراً، وتكاد أن تشمل خفية عتاولة جماعة الإخوان المسلمين حـول العالم مـن خلال الامتيازات الاستغلالية كحق الإقامة الدائمة والاستثمار بشروط استثنائية، وصلت حـد منح الجنسية لبعض الأفراد على الرغم مـن أن الأمر ذاته يتنافى كلياً مـع الإجراءات التعسفية التي قام بها الحزب الحاكم تحت مسمى الإصلاح السياسي، ومكافحة الفساد، وإنما الحقيقة هي تمهيد لبناء منظومة حكم ذات طابع دكتاتوري قمعي عموماً برغم كل التناقضات حتى تمكن المنظومة الناشئة مـن بناء جبهة داخلية بالوسائل الاحتيالية ذاتها عبر حشر عـدة وزراء محسوبين شكلاً للإثنية الكُـردية بغية الاستشهاد بهم في مضمار الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية، والتنفيس عـن حالة الكبت القومي للمكون الأكثر إثارة للقلق التُـركي، وعلى المنوال ذاته انتهج الحزب الحاكم ذات البراجماتية السياسية، والانتهازية الأخلاقية مـن أجل إيجاد قاعدة فوق القومية لسياساتها، ومبررات لتوازنات إقليمية على حافة الهاوية متماهياً مـع نشوة المضي للأحلام العثمانية الجديدة، وتتجلى البراجماتية في أعمق صورها من خلال استغلال قضية العَرَب والمسلمين المحورية خطابياً، وإعلامياً، وعاطفياً مرافقاً بالتمرير الممنهج للعقلية الإسلامية والعربيّةِ على المستوى الشعبوي مـن خلال قواعد التنظيم الدولي للإخوان في البلدان العربيّةِ، ومستغلة البلادة الفكرية للنخبة مـن أجل إثبات صحة الفرضية التركية التي مفادها ان العرق التُـركي هـو الجدير بالقيادة الإسلامية منذ الأزل دون العَرَب، وسائر القوميات.
المؤسف أن النخبة العربيّةِ شريكة فعلية بشتى مسمياتها مـن خلال الولاء، والإقرار بالهزيمة لصالح الحكم العثماني المشروع تبعاً للفرضيات التاريخية، والامتيازات المؤقتة لعتاولة التنظيم الإخواني لدرجة أن الخطاب التُـركي الاستعراضي حيال إسرائيل لم تلمس مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الدولتين، بيد أن العقلية النخبوية العربيّةِ المصدومة بالهزيمة لن تتمكن مـن فك طلاسم هـذه الأحجية الساذجة، وعلى النقيض تماماً تفند النخب العربيّةِ هـذه البراجماتية على أنها فهلوة سياسية للعقلية التُـركية الفذة والساعية إلى حملها الإمبراطوري، وذات الصمت، والتبريرات السمجة حيال نفس السلوك الإمبراطوري الانتهازي، وقـد بلغت الأوج في التدمير التُـركي الممنهج لكل من سوريا والعراق، وباعتقادي كل ذلك مازال في طور المناكفة فقط بالنسبة للمنظومة الخليجية التي تنظر إليها تُـركيا بعين الربية والشك والرغبة في الانقضاض عليها، أو على بقعة جغرافية تخضع لنفوذ تلك المتظومة العربيّةِ المعتدلة قومياً ودينياً، ولعل قضية قطر خير مثال على قذا رة النوايا العثمانية، وما الانهيار التُـركي أخلاقياً في سوريا والعراق الا انعكاس للاختتاق التُـركي مـن النهضة الاقتصادية لدولة الإمارات العربيّةِ المتحدة، والنجاح السعودي سياسياً، وعسكرياً، في فترة زمنية قياسية، والمتمثلة ببناء التحالف العربي، والتحالف الإسلامي.
لذا ليس مـن الغرابة أن نميز حروب أكثر قذارة من خلال وكلاء الأتراك بترخيص ديتي وتشجيع وتمويل تركي على أية بقعة جغرافية تراها تُـركيا حاملا فيها طموحات الإمبراطورية كما نرى اليوم على أبواب مدينة كُـردستانية “عفرين” كنواة نحو الحلم العثماني.