العراق .. الحل الوحيد لأنقاذ البلاد والعباد
عبدالغني علي يحيى
يتبارئ القادة العراقيون منذ فترة، ومن شيعة وسنة وكرد في طرح الافكار والمشاريع بهدف انتشال العراق من الأزمات العميقة التي يعاني منها، ومن اشهر مشاريعهم: المصالحة الوطنية التي عقدت مؤتمرات عدة لغرض انجازها في اربيل واكثر من مكان ويكاد الدكتور اياد علاوي ان يكون صاحباً لمشروع (المصالحة الوطنية) لكثرة تأكيده عليه وطرحه بين آونة واخرى ومن المشاريع الأخرى التي تثار باستمرار (المشروع الوطني) للسيد جمال الضاري، فلقد تم بحث مشروعه في اكثر من محفل واجتماع هنا وهناك، أما السيد خميس الخنجر فله مشروعه المسمى بـالمشروع العربي وفيما بعد اتخذه اسما لحزب اسسه ومن المشاريع المطروحة : (التسوية الوطنية) والذي يقف وراءه التحالف الوطني العراقي الشيعي وكذلك شخص السيد عمار الحكيم رئيس (تيار الحكمة ) حالياً والمجلس الاعلى الاسلامي سابقاً وبين فينة وفينة تتم الاشارة الى مشاريع تحمل اسم سماحة السيد علي السيستاني المرجع الديني الشيعي الاعلى في العراق والذي توخى من ورائه ( إنهاء الصراع الشيعي – السني) وفي مقال لي منشور في (الحوار المتمدن ) تناولت بشيء من الأسهاب مشروعه . أما الكرد فيبدوا انهم استقروا على مشروع واحد لا يحيدون عنه، الا وهو الاستقلال وهو المشروع الصحيح والعملي وللاسف فان معظمهم كارهن له. هذا وعلى إمتداد الشهور والسنوات الماضية تقدم آخرون بمشاريع ومبادرات خاصة بالافراد والشخصيات المعروفة بينها مبادرة (موطني) للدكتور غسان العطية، عدا المشاريع والمبادرات التي أشرت اليها، والتي لم يطبق أي منها الى الآن بل ولم تؤخذ على محمل من الجد ولم تناقش ولن تطبق ولن تؤخذ على محمل من الجد لا الآن ولا في المستقبل ولو استشاروني في أمر تلك المشاريع والمبادرات، باستثناء مشروع الاستفتاء الكردي لاستقلال كردستان، لقلت ان المكان الطبيعي لكل تلك المشاريع والمبادرات هو سلة المهملات. عداها فان الحريصين على مستقبل العراق شعباً وبلداً راحوا في الآونة الاخيرة يقترحون اشكالاً من التنظيم كل ذلك لأجل الخلاص بالعراق من محنه وازماته، ومن التنظيم الذي يدعون اليه: تأسيس تنظيم عابر للمحاصصة والطائفية . قال السياسي العراقي صالح المطلك : ( العراق يحتاج خطاً عابراً للمحاصصة) و ( نؤيد بروز تيارات وطنية عابرة للطائفية ) واعلن سعد البزاز في مقابلة له مع ايلاف عن نيته في تشكيل جبهة وطنية عريضة قائلاً : (سنشكل جبهة وطنية عريضة ) ومن الدعوات إلى تشكيل ائتلاف عابر للطائفية. وفي الفلك نفسه تلقى افكاراً وخطوات رديفة مثل : دولة المواطنة لا المكونات وإعلان العبادي ( حق المواطن في الترشح للمناصب العليا للدولة في العراق ) ويرى بعضهم في اعلانه هذا تجاوزاً للمحاصصة والطائفية ..
تعليقاً على التنظيم العابر للطائفية اقول : قد يكون بوسع العراق صنع صاروخ عابر للقارات رغم كونه مثقلاً بالديون إلا ان من المستحيل صنع وتأسيس التنظيم العابر للطائفية والمحاصصة وكل من يفكر بالتنظيم العابر للطائفية يجهل فلسفة الاحزاب والظروف السياسية التي مرت بالعراق وكيف انها كانت من شروط انبثاق الاحزاب الطبقية والقومية والدينية ..الخ
ولا يغيب عن البال ان مجرد الدعوة الى التنظيم العابر للطائفية والمحاصصة يوحي بفشل الاحزاب الكبيرة العريقة وعدم جدواها، كل هذا من غير التفكير بالطريقة التي اصبحت هذه الاحزاب كبيرة عريضة مؤثرة، فالثورة الصناعية وبروز الرأسمالية والطبقة البرجوازية صاحبها استغلال بشع للطبقة العاملة كما ان دخول الصناعة في الزراعة في ظل رأس المال افقر وشرد الملايين من الفلاحين، عليه فان التطورات هذه املت تأسيس احزاب طبقية: شيوعية ويسارية واشتراكية وكذلك النقابات، فيما املت الحركات القومية المسلحة وغير المسلحة تأسيس وظهور أحزاب قومية تسعى الى تحرير بلدانها من المستعمرين المحتلين…الخ عليه اتساءل هل من شروط تأريخية وموضوعية لقيام تنظيم عابر للطائفية في العراق وهل بوسع هذا التنظيم عزل الأحزاب الكبيرة عن جماهيرها العريضة الاحزاب: حزب الدعوة الاسلامية والتيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي والاحزاب القومية السنية: حزب البعث والأخوان المسلمين والناصرين..الخ وفي المكون الكردي: الحزب الديمقراطي الكردستاني والأتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير. صحيح ان اليسار العراقي وعلى راسه الحزب الشيوعي لم يعد يتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة لاسباب يطول شرحها ولكن لاننسى ان الفكر الماركسي لهذه الاحزاب ما زال جذاباً وان معتنقيه يتجاوزون مئات الالوف، وبالنسبة لعقيدة هذه الاحزاب المتجذره في العقول والرؤوس: فان من الصعب ان لم اقل من المستحيل صياغة فكر عابر للماركسية. يكاد لا يمر فيه اسبوع في العراق واذا بمفوضية الأنتخابات تجيز بين حين وحين أحزاباً جديدة في معظمها سنية لخوض الأنتخابات، ولا يتوقع ان يكون اي حزب من الأحزاب الجديدة تنظيماً عابراً للطائفية، كما أنها في معظمها ان لم تقل جميعها تحاشت ذكر (عبور الطائفية) وابرز علامة فيها انها تتجنب العناوين الدينية والقومية العربية ما يفيد ان ظاهرة الاسلام السياسي والقومي العربي قد أنتهت وولت إلى غير رجعة، علماً ان الظاهرتين كانتا وكما يتبين ذات نفس قصير مقارنة بالأحزاب الشيوعية والعمالية.
فضلاً عن المشاريع والمبادرات التي ذكرتها و (التنظيم العابر للطائفية والمحاصصة) يتقدم بعضهم بافكار جديدة قديمة على صعيد التنظيم للأخذ بالعراق الى شاطيء الأمان، ومن الأفكار بهذا الشأن دعوات بعضهم الى تشكيل جبهة تضم الأحزاب المرتبطة بمشتركات فيما بينها ومن ابرز الافكار بهذا الخصوص دعوة البزاز الى تشكيل (جبهة وطنية عريضة) مع تقديري للبزاز الذي تعود علاقتي به الى نحو (50) عاماً إلى الستينات من القرن الماضي تحديداً، لا يسعني إلا ان اقول له: انه غير ملم بفلسفة الجبهات السياسية في العراق، كما يتبين، وبالتالي يبدو انه غير ملم بالظروف السياسية التي مرت على البلد. فلو أنه كان ملماً بها لما طرح مشروع الجبهة الفاشل. في عام 1957 تشكلت جبهة الاتحاد الوطني من الأحزاب: الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتركي والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وارتبط الحزب الديمقراطي الكردستاني بالجبهة تلك بطريقة غير مباشره من خلال تحالفه مع الحزب الشيوعي العراقي اذ دخل معه في تحالف ثنائي بعد رفض الاحزاب المؤتلفة في جبهة الاتحاد الوطني قبوله في الجبهة.
ان عمر تلك الجبهة لم يتجاوز العام اذ انفرط عقدها بعد انقلاب 14 تموز 1958 وراح طرفاها الرئيسيان الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي يتخندقان ضد بعضهما بعضاً واحتكما الى القوة لمعالجة خلاقاتهما وامتد الخلاف ليشمل جميع اطراف الجبهة. لقد كانت تلك الجبهة عاجزة عن احلال روح التعاون والتضامن بين اعضاء الاحزاب المؤتلفة فيها، وتحول بذلك حلفاء الامس الى اعداء فيما بعد، وفي مطلع السبعينات من القرن الماضي تشكلت الجبهة القومية الوطنية الديمقراطية بين حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي العراقي وتم ضم حزبين كارتونين كرديين اليهما، الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الثوري الكردستاني جدير ذكره، ان حزب البعث قام بعد تأسيس تلك الجبهة باضطهادات لاتحصى ضد الحزب الشيوعي بلغت حد تصفية اعضاء الاخير جسديا، وتوجت الاضطهادات عام 1979 بشن البعث لحملة بوليسية انطلقت في البصرة وانتهت في اربيل واسفرت عن اعتقال المئات من الشيوعيين وارغام العشرات منهم على الاستقالة من الحزب، فيما فرت مئات اخرون منهم الى جبال كردستان لتنظيم قواعد مسلحة ضد النظام البعثي. مثلما تكللت جبهة الاتحاد الوطني بصراعات دموية بين الاحزاب التي كانت مؤتلفة فيها فان الجبهة التي تشكلت في مطلع السبعينات بين الاحزاب التي ذكرناها انتهت الى المصير نفسه لجبهة الاتحاد الوطني.
في الثمانينات من القرن الماضي شهدت الساحة السياسية العراقية تشكيل جبهتين شهيرتين لقوى المعارضة العراقية والكردية، وهما جبهتا جود وجوقد، ولقد كان عمر الجبهتين، كما الجبهتين السابقتين 1957 و 1973 قصيراً وانفرط عقدهما وسط خصومة شديدة بين اطرافها الرئيسية بالاخص، جبهة واحدة فقط حظيت بالنجاح الى حدما الا وهي الجبهة الكردستانية التي تشكلت من 7 احزاب ودامت من 1987 الى 1992 وحلت بعد تأسيس البرلمان الكردستاني والحكومة الكردستانية، وان اهم دور لهذه الجبهة هو اشرافها على الانتخابات البرلمانية الكردستانية التي جرت في عام 1992 ولا انتقص من قيمة هذه الجبهة اذا قلت ان الانجاز العظيم الذي تحقق للشعب الكردي هو تعيين خط العرض ال 36 من قبل دول التحالف الغربي وبفضله وحدة قام نظام ديمقراطي في كردستان، وان الطرفين الرئيسيين في الجبهة الكردستانية: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بعد عامين فقط من الغاء الجبهة الكردستانية دخلا في اقتتال داخلي 1994 – 1988 راح ضحيته المئات من أعضاء الحزبين.
هذه هي تجربة الجبهات الوطنية في العراق: عمر قصير، اقتتال وصراعات دموية، والعجز عن اسقاط الحكومات.. الخ وكلي أمل في عدم تكرارها لانها تؤدي الى النتائج لنسها التي اوردناها ولقد قيل (تجربة المجرب حماقة) في ختام مقالي هذا، ادعوا اصحاب المشاريع والمبادرات تلك باستثناء دعاة الدعوة الى استقلال كردستان، وكل الذين يحلمون بالتنظيم العابر للطائفية والمحاصصة وبالجبهات الوطنية والاتحادات ان يتخلوا عن الاوهام والخرافات والتجارب الفاشلة فيريحوا بذلك انفسهم والناس اجمعين، وان يتوجهوا الى الحل الواحد الاوحد الا و هو تقسيم العراق بين مكوناته الرئيسية الثلاثة: الشيعة والكرد والسنة مع ضمان حقوق الاقليات القومية والدينية انه الحل الصحيح الوحيد الذي يتهربون منه ويتصرفون ازاءه تصرفاً نعامياً بعد أن غرقوا في اشكال من التعصب الديني والقومي والمذهبي، نعم امام العراقيين لانقاذ انفسهم و ارواحهم ووطنهم، حل واحد لا غير الا وهو تقسيم البلاد العراقية واقامة 3 دول فيها: شيعية وسنية وكردية.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي Yekiti Media