العراق: حراك مدني لتشكيل جبهة برلمانية معارضة
تنشغل حركة “امتداد” المدنية في العراق، التي فازت بـ9 مقاعد برلمانية في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، بعقد سلسلة حوارات واجتماعات مع نواب مدنيين ومستقلين انتزعوا أيضاً مقاعد في البرلمان، لتأسيس أولى الجبهات البرلمانية المعارضة للأحزاب التقليدية الحاكمة في البلاد. وشهد اليومان الماضيان لقاءات عدة بين ممثلين عن الحركة وحركات مدنية أخرى، إلى جانب شخصيات فازت بالانتخابات ممن يحملون صفة مستقلين أو يؤيدون الحراك المدني في البلاد، بغية الإعلان رسمياً عن ولادة الجبهة التي ستكون الأولى من نوعها في العراق، ويعول عليها لخلق معارضة سياسية داخلية، ومن داخل المؤسسات الرسمية، لقوى وأحزاب دينية وفصائل مسلحة نافذة في المشهد السياسي.
ويشارك في حراك “امتداد” تكتل “إشراقة كانون”، الذي ترشح في انتخابات 10 أكتوبر للمرة الأولى، ويعرف بقربه من العتبة العباسية في كربلاء، وحصل على 6 مقاعد، وكذلك حراك “الجيل الجديد”، الذي تتزعمه السياسية الكردية سروة عبد الواحد، والذي حصل على 9 مقاعد. ويجري الحراك المدني، في وقت تشتبك فيه أحزاب كبيرة لتكوين “الكتلة الكبرى” في البرلمان، التي يفترض أن تتكفل بتشكيل الحكومة الجديدة. وكان تحالف “سائرون”، الذي يقوده زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قد أعلن عن تصدره لنتائج الانتخابات، فيما رفضت أحزاب وحركات أخرى، بعضها تعد الأذرع السياسية لفصائل مسلحة، النتائج التي أكدت تراجعها، والتي يقود زعيم ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي مساعي معها لتشكيل “الكتلة الكبرى”.
وشهدت مدينة النجف، أول من أمس الإثنين، الاجتماع الثاني للقوى المدنية الجديدة، عقب اجتماع أول كان قد عقد في حي القاسم بمحافظة بابل. وعلى الرغم من “التفاهم” الذي تؤكده مصادر ونشطاء حضروا الاجتماعين، إلا أن القائمين على الحوار لم يخرجوا بعد بأي بيان أو مؤتمر صحافي يؤكد تحالفهم.
وأكد مصدر مطلع على سير المقابلات والاجتماعات التي تبادر بها “امتداد”، أن “الاجتماع الأول حصل في بابل، حيث تم الاتفاق على توحيد الخطاب مبدئياً بين القوى السياسية المدنية والمستقلة”، مضيفاً، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “التحالف المرتقب سيضم كتلة امتداد، وحركة الجيل الجديد، وحركة إشراقة كانون، كما يجري التشاور مع نواب مستقلين من البصرة وبابل والأنبار وصلاح الدين، لصناعة تحالف يكون للمرة الأولى عابراً للطائفية والمناطقية بشكل حقيقي، وهناك مساعٍ للوصول إلى أكثر من 35 نائباً في التحالف الجديد”.
من جهتها، أفادت مصادر سياسية مقربة من الحكومة العراقية بأن “الحراك المدني لتشكيل جبهة سياسية معارضة للأحزاب التقليدية، يحظى بدعم طرفين: الأول يتمثل بحكومة مصطفى الكاظمي، وتحديداً الفريق الاستشاري للأخير، حتى أن الكاظمي عرض أن تجري اجتماعات الكيانات المدنية الفائزة في فنادق تحظى بإجراءات أمنية جيّدة مع تكفله بتوفير ذلك، والطرف الثاني هو مرجعية النجف (السيد علي السيستاني)، لا سيما بعد مشاركة حركة إشراقة كانون، التابعة للعتبة العباسية المعروفة بولائها للسيستاني”. ورأت المصادر في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “التحالف المرتقب يأمل أن يكون مؤثراً داخل البرلمان”.
بدوره، أكد رئيس حركة “امتداد” علاء الركابي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن جميع الفائزين عن الحركة “سيكونون معارضين للأحزاب والكيانات السياسية التقليدية وقوى السلاح المتهمة بالفساد وقتل العراقيين والناشطين، بالتالي فإن التوجه للمشاركة في الحكومة المقبلة وفق المبادئ والأعراف السياسية السابقة، لن يحدث”. وقال الركابي: “نعم، نحن نتجه نحو تشكيل معارضة سياسية برلمانية حقيقية منسجمة ومتماسكة إلى جانب عدد من المستقلين، ولدينا حوارات وتفاهمات أولية مع شخصيات مستقلة، قد تكون ضمن التحالف الذي يقوده الجمهور الذي آمن بالانتخابات وانتخب مرشحي حركة امتداد والمستقلين، وبالتالي فنحن أمام مواجهة حقيقية مع الأحزاب التقليدية التي تعمل لتقاسم السلطة والمحاصصة الطائفية”.
وبيّن رئيس “امتداد” أن الحركة “تبحث إلى جانب المتشابهين معها في التوجهات من الكتل السياسية الجديدة والشخصيات المدنية الوطنية، عن كتلة كبيرة تراقب عمل الحكومة، ويكون لديها دورها في البرلمان، وألا تشارك في حكومة ائتلافية”. ولفت إلى أنّ “مشروعنا طويل، يعني أنّه يمتد إلى 10 سنوات على الأقل، بهدف إحداث التغيير من داخل العملية السياسية، وتأسيس دولة مواطنة حقيقية”.
من جهته، أشار المرشح المستقل الفائز في الانتخابات باسم خشان إلى أن “ما يجمع المدنيين والعلمانيين الوطنيين حالياً، هو الثبات على المبادئ والأخلاقيات التي أسستها التظاهرات، وبالتالي فإن عمل المستقلين والكيانات السياسية الجديدة سيأخذ على عاتقه استكمال انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019 سياسياً”. ورأى أنه “من غير المنطقي أن تكون هذه القوى متحالفة مع قوى القتل والفساد، ولذلك نحن نجري سلسلة من الحوارات والتفاهمات في سبيل تأسيس كتلة برلمانية قوية تقف في وجه الأحزاب السياسية التي تريد تقاسم المناصب في ما بينها، ونسعى إلى تمثيل جيّد للشعب العراقي”. وحول سير الحوارات، قال خشان لـ”العربي الجديد”، إن “هناك تفاهمات واضحة بين الكيانات على الرغم من وجود بعض الاختلافات في الرؤى السياسية، لكن ما يوحد الجميع هو معارضة سياسية موجهة، أساسها الاحتجاج السياسي”.
وفي هذا الصدد، توقع الباحث والمحلل السياسي عبد الله الركابي أن “يصل تحالف المعارضة إلى أكثر من 35 مقعداً، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن يكون مؤثراً في مواجهة قوى السلاح، بل سيمثل ظاهرة غير مسبوقة، وقد يزداد عدداً مستقبلاً، أي في الانتخابات المقبلة، وهذا ما أكده أعضاء فاعلون في حركة امتداد، حيث إن المشروع لا يهدف إلى معالجات وقتية، بل يتضمن خطة استراتيجية لسنوات”. واعتبر الركابي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ “تنظيم الحراك السياسي المدني والعلماني بات ضرورة، لا سيما بعدما نظّم المحتجون أنفسهم خلال الفترة الماضية، وبالتالي لا بد من تبديل قواعد الاشتباك السياسي، من ما بين الفرق الإسلامية، ليكون بين الفرق المدنية العلمانية والإسلامية”. ورأى أنّ الحراك الجديد يؤسس لمرحلة بطيئة نحو الإصلاح الحقيقي، لكنّه مزعج ومحرج للقوى التقليدية”.
العربي الجديد