آراء

العلاقات السعودية الإيرانية – برعاية صينية- تحت المجهر

فرحان مرعي

في كلّ مرحلة من مراحل التاريخ، تتغيّر موازين القوى العالمية، وتتبدّل مواقعها، من الشرق، إلى الغرب، وبالعكس، امبراطوريات، تفكّكت، بعضها انقرضت، ظهرت قوى جديدة، على أنقاض امبراطوريات قديمة.

منذ الحرب العالمية الأولى والثانية، ظهرت قوى جديدة، وأقطاب دولية، من قارة أوربا، فرنسا، بريطانيا إلى الإتحاد السوفيتي ، وفي الشرق، الصين، وأمريكا غرباً، من وراء المحيط ، ولكن مع مرور الوقت، وتفاقم الأزمات الدولية، بدأت قوة ودور هذه الدول بالإنحسار، فمع بداية رئاسة أوباما، بدأ الدور الأمريكي بالإنزياح ، وتخلّت عن النزعة العسكرية المباشرة، واعتمدت على المليشيات المحلية، في الحروب الأهلية، لخلق الفوضى، سمتها بالفوضى الخلّاقة، وانسحبت من مناطق نفوذها، في أفغانستان والعراق، ومن الشرق الأوسط تدريجياً، حتى أوصلت ببعض الدول العربية والإسلامية إلى الدولة الفاشلة ، كما في العراق وسوريا، ولبنان، واليمن وليبيا، وافغانستان، ودول أخرى تنتظر، وإنحسار الدور الأوربي، الفرنسي، البريطاني، فبريطانيا العظمى،التي كانت الشمس لا تغيب عن مستعمراتها، تبدو الآن نائمة، تفتت الإتحاد السوفيتي، بينما وريثتها الإتحاد الروسي، تأكل أولادها، من الشيشان إلى القوقاز إلى أوكرانيا، هذا الانحسار في مراكز القوى الدولية، أدّى إلى فراغ القوة ، وبالتالي إلى إنتشار الفوضى،، واندلاع الحروب في مناطق متعددة من العالم، في هذه الظروف ، تتحرك قوى جديدة، صاعدة وإقليمية، مثل إيران وتركيا والسعودية ومصر ، تسعى لملء الفراغ،د

و تتجه الأنظار أكثر إلى القوى الإقتصادية الآسيوية، أو ماتسمّى بالنمور الآسيوية: كوريا الجنوبية، تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ، بالإضافة إلى الصين ك قوة عظمى في العالم، وفي أوربا يتعاطم الدور الألماني،

في هذه الأجواء تعود مسألة العلاقات السعودية،- الإيرانية إلى البروز، برعايةٍ صينية كمحاولةٍ لملء هذا الفراغ، وتشكيل قوة إقليمية ودولية جديدة، بديلة، ولكن بقراءة سريعة لطبيعة هاتين الدولتين وعلاقاتهما التاريخية، نجد أنّ هذه العلاقات كانت متوتّرة على الدوام، غير مستقرة، تعود، وتنقطع، ثم تعود، ولا ترتكز على أرضية قوية، بل على رمال متحركة ، لأنّ هاتين الدولتين في الأساس، هما من صانعي الأزمات في الشرق الأوسط، وليسا من عوامل الإستقرار ، بسبب طبيعتهما الأوتوقراطية الدينية، والصراع الطائفي التاريخي بينهما، وتغذيتهما لقوى التطرف والتشدد في العالم، فمعظم الميليشيات، والجماعات الإرهابية المسلّحة، هي من نتاج هاتين الدولتين، هذه الأسباب وغيرها، لا تؤهّلهما (السعودية، إيران) لقيادة وحل الأزمات في الشرق الأوسط،

إنّ هذه العودة في العلاقات بينهما ، مرحلية، مؤقتة، لحلّ بعض الأزمات العالقة بينهما، كالأزمة اليمنية، فالسعودية تريد الخروج من هذا المستنقع، بعد سنواتٍ من الحرب، كما أنّ إيران تطمح إلى فتح قنوات تجاه الخليج، وتخفيف الضغوط والمقاطعات الدولية عليها؛ لذلك وعلى الأغلب- هذه العودة في العلاقات كما سابقاتها – لن تدوم أكثر من التقاط الأنفاس، في لحظة الضيق ، أما الصين، كراعٍ لهذه المهمة ، هنا السؤال يكرّر نفسه، هل الصين مهيّأة أيضاً، لملء الفراغ، والدخول من الباب العريض إلى المنطقة، ومعالجة مشاكلها؟.

رغم أنّ البضاعة الصينية تغزو أسواق العالم، وأسواق الشرق الأوسط خصوصاً، إلا أنّ المد السياسي الصيني لم يصل بعد، إلى مرحلة التجذر في المنطقة، وليس قادراً على حل مشاكلها المعقدة، في المنطقة، كالقصية الفلسطينية والكُردية، ومسألة بناء الديمقراطية وغيرها…. ،

إنّ الدور السياسي للصين في المنطقة العربية والإسلامية، ضعيف مقارنةً مع تغلغلها الإقتصادي، والتكنولوجي؛ بسبب الإختلاف الكبير في الثقافات، والبنى الفكرية والدينية؛ لذلك نجد أنّ شعوب المنطقة، تنجذب نحو الاقتصاد والبضاعة الصينية، ولكنها لاتتأقلم أو لا تتفاعل مع الثقافة والسياسة الصينية، بالرغم من أنّ الثقافة تنتقل مع البضاعة والإقتصاد، إلا أنّ البضاعة الصينية لم تجلب معها لا الثقافة الصينية ولا اللغة، بينما وجدنا البضاعة الأوربية الأمريكية تجلب معها الثقافة، واللغة، والعادات والقيم، وأنماط الحياة ،بل إنّ هذه الشعوب، تتأورب، وتتأمرك، وتتعلّم اللغة الإنكليزية، ودول الغرب أكثر الدول رغبة للهجرة والإقامة ، وتندمج مع حضارتها بسهولة ، ولكنّ الشعوب هذه، لم تتصيّن، ولا تتعلّم اللغة الصينية إلا نادراً ، لذلك، ولهذه الأسباب، وغيرها ، لا تملك الصين مقومات البناء السياسي في المنطقة، وليست قادرة على، التأثير على الأحداث، مقارنةً مع العالمين الأوربي والأمريكي.

في المحصلة العالم يتّجه نحو الفراغ، والفوضى، هذه الفوضى لا تعمّ المجتمعات البشرية فقط، وإنما حتى الطبيعة تتعرّض إلى فوضى المناخ، الناتج عن فوضى البشر، هذا الفراغ والفوضى، سيؤدّي إلى نشوب حروب كبيرة، قد تكون الحرب الروسية الأوكرانية بداية الشرارة، – وبالتالي ستنتج عنها نتائج كبيرة، وظهور قوى جديدة من المنتصرين، تقوم على خلق توازنات عالمية، وعلى ضبط العالم وسنطرته، وفق قوانين ومواثيق دولية جديدة، ووفق المصالح الدولية الناهضة، وهذا لا يخالف طبيعة البشر المبنية على التكامل، ثم التآكل،ثم البناء، والتجديد ، في حركة لولبية مستمرة.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “307”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى