”العمال الكُردستاني” وشرف القتال مع الأمريكان!
حســين جلبي
غريبٌ أمر الكُرد الذاهبين بأقدامهم إلى الفناء؛ إذ يستمرون في المراهنة بعواطفهم على حصانٍ قاتل يكاد يستهلكهم، أسرجه أعدائهم وامتطاهُ الجميع، ولجامه ينتقل من يدٍ إلى أُخرى حسب الحاجة. تخاض به المعارك في كل الجهات، وعلى كل الجبهات، من كيس الدماء الكُردية، دون أن يسأل عن هوية راكبه؟!.
مناسبة التساؤل السالف الذكر؛ المواقف الأمريكية المتعلّقة بالشأن الكُردي السوري. وآخرها، تصريحات السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد، الذي قال ما يدركه الجميع بعقولهم، وما يراه الكُرد المعنيون بالأمر بأعينهم، وما يلمسونه لمس اليد ويعيشونه منذ بداية ظهور حزب العمال الكُردستاني قبل عدة عقود، وخاصة، منذ وضع يده على الملف الكُردي السوري، بطلبٍ من نظام الأسد وبدعمٍ منه قبل ست سنوات. ومن ثم الإنتقال الإنسيابي للحزب ببنادق الآخرين من جبهة إلى أُخرى، حتى بات مضرب المثل في التلون والتماهي مع أهدافهم والذوبان فيها، والإستخدام غير المشروط من قبل جهات، تقف أحياناً على طرفي نقيض!.
أكدت الولايات المتحدة الأمريكية مجدداً بأن الأسلحة التي سلمتها إلى وحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، (الجناح السوري لحزب العمال الكُردستاني) مخصصة لهدف وحيد، هو محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، وبأنه سيتم إسترداد تلك الأسلحة بعد نهاية الحرب على التنظيم.
علاوة على ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية بأنها سلمت حلفائها الأتراك قائمة بتلك الأسلحة، ويجري تحديث القائمة كل شهر، عند تسليم أية أسلحة إضافية لتلك “الوحدات” التي تعمل باسم “قوات سوريا الديمقراطية”. بعد ذلك، جاءت تصريحات فورد لتؤكد السياسة الأمريكية في التعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي ومسلحيه منذ البداية، وأن الأمر لا يعدو كونه استخدامها ككاسحة ألغام داعشية، ينتهي دورها بمجرد الإنتهاء من “داعش”، ليترك الحزب بعد ذلك وحيداً، ويدخل الكُرد الذين حشرهم رغماً عنهم معه في مواجهة كل الذين عمل لهم؛ من نظام الأسد ومحوره وصولاً إلى تركيا. ذلك ان فورد قالها بصريح العبارة: الأمريكان غير مستعدين للدفاع عن الحزب ومواجهة تركيا أو نظام الأسد، كرمى للكُرد.
الحقيقة هي أن حزب الاتحاد الديمقراطي، بنى نفسه وإدارته وقوته المسلحة بدعمٍ مباشر من نظام الأسد، الذي استخدمه منذ البداية في عمليات حماية الآبار النفطية والمحاصيل الإستراتيجية الأُخرى في المناطق الكُردية السورية وتسويقها؛ ومن ثم الحفاظ على سلطة النظام في المنطقة، ومحاربة خصومه داخلها وخارجها، مقابل إطلاق يده في الملف الكُردي السوري، والقيام بعمليات تجنيد قسرية واسعة للكُرد، وصلت إلى حد خطف الأطفال وتجنيدهم واستخدامهم وقوداً في تلك المعارك، هذا الحزب، استفاد مادياً وإعلامياً من ذلك. ثم يأتي ويطلق تصريحاً يقضي بفرض الأتاوات على الكُرد ونشر راياته في أماكن محددة، ويبدو أنه مصمم على الدخول في مواجهة مع قوات الأسد التي توقّع فورد وصولها إلى القامشلي، بعد الانتهاء من درعا. فمن جهة يتعايش الحزب مع تلك القوات، بما فيها أفرع المخابرات التي لم تغادر أصلاً المناطق الكردية، دون حصول أية مشاكل معها، عدا بعض الخروقات البسيطة ذات الطبيعة الإعلامية، وإرسال رسائل معينة تصب في طاحونة النظام قبل أي شئ آخر، مقابل انتهاكات كثيرة بحق النشطاء الكُرد ارتكبها الحزب، وصلت إلى حد تنفيذ عمليات إغتيال وقتل تحت التعذيب ومجازر، وعمليات نفي إلى خارج الحدود لم تشهد المناطق الكردية في سوريا، رغم وحشية النظام السوري، مثيلاً لها.
إذاً، يمتلك النظام السوري “الخريطة الجينية” للحزب وكلمة سره، وخلفيات استرداده عافيته في دمشق، بعد تجميع كوادر العمال الكُردستاني، إثر إبعاد زعيمه بعد ضغوط تركية على سوريا، ثم دخول الدولتين في تحالفٍ شرس على أنقاض الكردستاني.
لم تخفِ جميع القوى التي استخدمت الحزب في معاركها الخاصة الأخيرة، أن تعاطيها معه محدود، يقتصر على الجانب العسكري، وهو محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم “داعش”. وهكذا، فإن محاربة مسلحي الـ”PYD” إلى جانب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وكذلك المحور الروسي تحت عنوان محاربة الأرهاب، لم يغسل عن المنظمة الأُم “حزب العمال الكُردستاني” من تهمة “الإرهاب”، إذ ما زال الحزب على لائحة المنظمات الارهابية الامريكية والاوروبية. ولم تؤدي إلى وضع مسؤولي الحكومات المعنية أيديها في أيدي قادة الحزب، ومكافأته على صنيعه. لدرجة أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تمنح حتى اللحظة، تأشيرة دخول أراضيها لقادة الحزب، ورغم الخدمات المجانية التي يقدمها الاتحاد الديمقراطي.
اللافت في الأمر ليس تجاهل أنصار الحزب للواقع، أو حتى محاولتهم التخفيف من وطأة التذكير الأمريكي بحقيقته المرّة، بل برد القيادي في حزب العمال الكُردستاني آلدار خليل، الذي لم يكتفِ بالتهجم على فورد ووصفه بشتى النعوت، أقلها؛ “الجهل السياسي”، بل قوله؛ بأنه لو تحقق ما توقعه فورد، بإدارة أمريكا ظهرها للحزب الأوجلاني، فهذا لا يعني لهم شيئاً. فالحزب، حسب خليل: “ليس لديه ما يخسره، وقد كسب من المرحلة الماضية العمل مع الأمريكان لدحر داعش، وهذا إنجاز فيه فائدة للجميع”.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا على العمال الكُردستاني؛ وجناحه السوري، وكل المصفقين لمعاركه: ماذا عن الخسائر في الأرواح التي تسبب بها الحزب في الأوساط الكُردية، والنزيف الحاد في المنطقة الذي جعل الشبان الكُرد موزعين بسبب سياساته على الجبهات أو المقابر أو المهاجر، بحيث بات التغيير الديمغرافي أمراً واضحاً للعيان في المدن والبلدات الكُردية، التي شهدت هجرة واسعة للكُرد نتيجة إجراءاته القمعية، وخاصةً عمليات التجنيد القسري التي لجأ لها عوضاً عن النظام. عدا عن التشويه الإجتماعي، وتدمير التعليم والإفقار…، أم أن كل ذلك لا يعني للحزب شيئاً؟ ولا يعتبره خسائراً؟. أم انه يكتفي بشرف القتال يوماً تحت قيادة الأمريكان؟، وهي “الفضيلة” التي تجب ما قبلها من خسائر وأهوال؟.
المركز الكردي السويدي للدراسات
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media