العميد الركن المعارض أحمد رحال في حوار خاص مع يكيتي
Yekiti Media
– حتى الآن لا أفق منظور لحل سوري قادم .
– أحمل المعارضة السورية السياسية والعسكرية المسؤولية بسبب حالة الضعف التي أوصلناها وأضعفت موقفنا التفاوضي نظرا” لسوء أدائها .
– أصبحت حالة مايسمى( محرر) لاتختلف كثيرا” عن مناطق سيطرة نظام الأسد .
– في الثورة السورية كانت عامودا أول من لبت نداء درعا ولحقت بها المدن الكردية .
وفيما يلي نص الحوار كاملا”
س١: معروفٌ عنك حضورك الإعلامي المميز وتحليلك للأوضاع بشفافيةٍ وجرأة وصراحة ، لذا نطرح عليك سؤال الساعة راهناً :
– أين تتجه الأوضاع في سوريا اليوم، في ظلّ التحرك الروسي المكثف إقلمياً ودولياً، لتأهيل النظام ؟.
ج-١: جميعنا يعلم أنّ التدخل الروسي في سوريا كان بناءً على طلبٍ أمريكي (كما قال نائب وزير الدفاع الأمريكي في شهادته مؤخراً أمام الكونغرس، وذكر به هذا الأمر), وأيضاً كان تدخل الروس بمباركةٍ إسرائيلية لأنها ستحجم الدور الإيراني في سوريا (كما وعدت موسكو), وكان مرضي عن التدخل أوروبياً لوقف أمواج هجرة السوريين إلى أوروبا.
لكنّ هذا لا يعني تفويض موسكو ومنحها ( شيك على بياض) ومنحها الصلاحية المطلقة بطبيعة الحلّ وشكله في سوريا.
أضف إلى ذلك أنّ روسيا لم تفٍ بالتعهدات التي تعهّدت بها للجميع, هي لم تستطع أن تلبّي مطالب إسرائيل بتحجيم الدور الإيراني الذي تضاعف بعد تدخل الروس ووصل إلى حدود الجولان, والضربات الإسرائيلية المتصاعدة خلال العامين الماضيين تعطي صورةً عن هذا الفشل الروسي.
أيضاً لم يلتزم الروس بالتعهدات التي أعطوها للأتراك من حيث ما سُمي مناطق خفض التصعيد ووقف إطلاق النار, فقط التهم النظام وإيران وبمساعدةٍ روسية كلّ مناطق خفض التصعيد باستثناء إدلب (بسبب النفوذ التركي).
أيضاً لم تلتزم روسيا برغبات أوروبا فعملية التهجير استمرّت داخلياً وخارجياً وتزايدت أعداد المهاجرين السوريين مقارنةً مع ما كانت عليه قبل التدخل الروسي.
روسيا أيضاً التي دخلت بجواز سفر (الحرب على الإرهاب) وبتقارير أوروبية أمريكية موثّقة كانت نسبة 95% من ضرباتها موجّهة ضد فصائل الثورة والمدنيين والأسواق والأفران والمشافي والنقاط الطبية ومراكز الدفاع المدني.
الوضع الاقتصادي السيء بمناطق النظام وعدم قدرة روسيا على الإيفاء بمتطلبات الشارع السوري أو دعمه صنعت نقمة داخلية وخاصةً بالساحل السوري ضد روسيا.
رغم هذا الواقع السيء تريد روسيا اليوم أن تقول إنها نفّذت المهمة ، لكنّ الغرب وتركيا ومن خلفهم الثورة يرفضون ذلك, لكنها عبر قوتها العسكرية تحاول أن تفرضها بالقوة .
ولا أعتقد أنها تستطيع فرض سياساتها بالقوة, فبرغم الخلاف التركي الأمريكي إلا أنّ موقف الإدارة الأمريكية والأوروبيين يبقى داعماً لتركيا التي تسعى لاستقرار مناطق الشمال الساخن.
الحل اليوم باقتناع موسكو بضرورة تطبيق القرار 2254 وفق القراءة الأمريكية للقرار, والسياسة الأمريكية الأخيرة التي اقترحت مبدأ خطوة بخطوة ننتظر مفاعيلها مع اجتماع اللجنة الدستورية بجولتها السادسة (بعد أيام) بعد أن مرّرت واشنطن صفقة الغاز العربي والكهرباء للبنان عبر سوريا.
أما عملية إعادة تأهيل النظام فما يقال روسياً وأسدياً وإيرانياً عن انفتاحٍ عربي يمكن أن يُستثمر إعلامياً،لكنّ تفاصيله تحوي طلبات عربية من نظام الأسد مقابل التطبيع, أولها: فك العلاقة مع إيران, وثانيها : العمل على تطبيق القرار 2254, ولا أعتقد أنّ النظام قادر على تطبيق أياً منهما, وبالتالي ستبقى عبارة التطبيع مادة إعلامية يحاول استثمارها نظام الأسد لكنه لن يٌفلح بتطبيقها, أيضاً ملف إعادة اللاجئين والإعمار هو من ضمن الملفات الشائكة التي يعجز الروس والأسد وإيران عن البحث فيها, ويبقى الملف الأخير الذي يزلزل نظام الأسد وهو فتح ملف المعتقلين لأنه سيكشف كوارث النظام سواءً عبر حقائق الأرقام أو التعذيب أو أعداد المقتولين والمغيّبين قسراً والمجهولين مصيرهم.
أمام هذا الواقع يستحيل على الروس انتاج أيّ حلٍّ قادم, وتبقى العقدة بفقدان الثقة بين الأمريكان والروس يُضاف لها سوء أداء القيادة السياسية والعسكرية بالثورة, وبالتالي حتى الآن، لا أفق منظور لحل سوري قادم..
س٢: هل ترى أفقاً لمفاوضات جنيف القادمة لتنفيذ القرار الدولي ٢٢٥٤، خلافاً للجولات السابقة الفاشلة؟.
ج-٢: قناعتي منذ انطلاق المفاوضات أنها لم تكن لإنتاج حلٍّ ، ولم تكن هناك نية دولية بإنتاج حلٍّ وأنّ فتح باب التفاوض كان لتبرير عجز المجتمع الدولي والادّعاء أنّ هناك مفاوضات لتبرير تخاذل الجميع ، وتأتي المفاوضات من باب إسقاط الواجب عن المجتمع الدولي.
لا أحد يقتنع أنّ رئيس وفد النظام بالمفاوضات “بشار الجعفري” يملك صلاحية الحد من سلطات الأسد أو التفاوض على مستقبل الأسد, وكما قال وزير خارجية الأسد وليد المعلم (سنغرقهم بالتفاصيل) وهذا ما حصل ويحصل سواءً بمفاوضات جنيف أو بمفاوضات اللجنة الدستورية التي اجتمعت لعام ونصف عبر خمس جولات ومن قبلها عام ونصف للاتفاق على تشكيل الوفد وبعد ثلاث سنوات لم تتفق على جدول أعمال, وكانت مهمة بشار الجعفري ومهمة أحمد الكزبري تصفير العدّاد، بنهاية كلّ جولة والعودة لنقطة الصفر, أمام أنظار ديمستورا وخلفه بيدرسون وأمام أنظار المجتمع الدولي ومجلس الأمن الذي لم يحرّك ساكناً بل أكثر من ذلك أنّ نظام الأسد كان يفتح الباب لاستقبال المبعوث الأممي في دمشق ويغلقه ساعة يشاء، دون أي إجراءٍ رادع من مجلس الأمن.
بسؤال بسيط ومنطقي: في ظلّ عدم وجود موقف سياسي دولي ضاغط على نظام الأسد, وفي ظل عدم وجود تهديدات عسكرية بعد التدخل الروسي والإيراني, وبظلّ إبقاء نظام الأسد ممثلاً شرعياً للسوريين ومعترفاً فيه بالأمم المتحدة ومجلس الأمن وكلّ المنظمات الدولية …. أمام هذا الواقع ما الذي يجبر الأسد على الرضوخ للمعارضة أو للقرارات الدولية؟؟
وبالتالي حتى الآن, القادم لن يختلف عما سبق من حيث تعاطي الأسد مع المفاوضات, ومنح نقطة هنا وفسحة هناك تجعلنا نستمرّ لعشر سنواتٍ أخرى من التفاوض ولن نتوصّل أيضاً حينها لحلٍّ طالما المواقف الدولية بنفس التعاطي وبنفس النهج.
وهنا أحمّل المعارضة السورية السياسية والعسكرية المسؤولية بسبب حالة الضعف التي وصلناها، وأضعفت موقفنا التفاوضي نظراً لسوء أدائهما ، وتحوّل صراعهم للمكاسب والمرابح والبقاء بالسلطة على حساب قضية السوريين وتمثيل ثورتهم, أيضاً نظراً لدخول القيادات السياسية والعسكرية للثورة باستقطابات وتحالفات لم تكن ضرورية فنحن بحاجة الجميع وعلينا عدم الدخول كطرف ضد آخر إقليمياً وعربياً ودولياً.
س٣: معروفٌ بأنه لا قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ، ولا الفصائل المسلحة في غرب الفرات، قدّما نموذجاً للحكم أفضل من النظام، لدرجة أنه تمّ الحكم عليك غيابياً بثلاث سنوات من قبل الفصائل، مدّعية بأنّ هناك مبالغة في حديثك حول انتهاكات الفصائل في عفرين وغيرها من المناطق ، بغية تشويه سمعتهم لا أكثر.
– ماذا تقول عن هذه التهم؟ .
ج- ٣: عندما أعلنتُ انشقاقي عن نظام الأسد كمحاضرٍ في الأكاديمية العسكرية العليا, وعندما أصبحت لدينا مناطق خارجة عن سيطرة نظام الأسد, كان لديّ مشروع واجب التطبيق, يتضمّن:
_إيجاد قوى أمنية واستخبارات بالمناطق المحرّرة حرّة وشريفة عكس أمن واستخبارات نظام الأسد.
_ إيجاد مؤسسة قضاء نزيهة وحرّة عكس قضاء الأسد الذي يقلّب الحقّ باطلاً والباطل حقّاً.
_ ايجاد مؤسسة عسكرية ثورية وطنية عكس جيش براميل الأسد وإجرام ضباط الأسد.
كنتُ أطرح هذا المشروع لنطبّقه ونقول للعالم أجمع: تلك هي المناطق المحرّرة، صورة مصغرة عن سوريا المستقبل, الدولة المدنية الديموقراطية التي يتساوى فيها الجميع تحت سقف القانون, لا تضيع فيها الحقوق عبر قضاء عادل, ومهمة الأمن تكون بحماية مصالح الشعب والجيش مخصص لحماية الحدود وحماية المدنيين.
لكن للأسف, كانت هناك عشرات الفصائل، لكلّ فصيلٍ كتيبة أمنية ومحكمة وقاضٍ تحت تصرفه.
جمعوا الفصائل وقالوا لنا : هذا هو الجيش الوطني، لكنّ الحالة الفصائلية بقيت كما هي، ووزير الدفاع لا يستطيع التدخل بأقلّ شأنٍ ، مهما صغر.
وجمعوا الكتائب الأمنية وقالوا : تلك هي وزارة الداخلية، لكنّ كلّ كتيبةٍ وكلّ رجل أمن بقي ولاءه لقائده القديم إلا ما ندر.
جمعوا المحاكم وقالوا: تلك هي وزارة العدل، لكنّ المحاكم بقيت على تبعيتها لقادة الفصائل.
وأصبحت حالة ما يُسمّى (محرر) لا تختلف كثيراً عن مناطق سيطرة نظام الأسد, ضاعت الحقوق وانتشرت المخدرات وأصبح القوي يأكل الضعيف, هناك الحواجز والأتاوات والمعابر غير الشرعية والتهريب والتغييب القسري وهناك السجون السرية الخارجة عن سيطرة وزارة الداخلية, تمارس فيها سياسة تكميم الأفواه وسرقة المحاصيل والبحث عن الآثار, وأصبحت تقارير الانتهاكات التي تحصل بما يسمّى محرّر لا تقلّ عن انتهاكات الأسد بحقّ الناس, وأمور اخرى كثيرة
حاولنا التنبيه عبر الاتصالات الفردية وعبر الأحاديث المباشرة لكننا لم نفلح, قلنا ٱنّ ما يحصل يضرّ بنا كثورة، ويضرّ حتى بحلفائنا ونحن نجرّهم لمحاكم العدل الدولية مستقبلاً ، لأنّ الجرائم الإنسانية لا تموت بالتقادم, وأننا نخسر حاضنتنا الثورية, وأنّ الحالة العسكرية الحالية تضعفنا, وضعفنا سيؤدّي لإضعاف حلفائنا, لكن للأسف لم يتجاوب أحد معنا, فلم يكن أمامي سوى تعرية الأمر عبر الإعلام.
اللجوء للإعلام اعتبروه عمالة وخيانة ووجّهوا لنا التهم وكتبوا بنا التقارير التي أدّت لاعتقالي في تركيا 73 يوم وحكم سجن من أبو عمشة ثلاث سنوات.
لكن بالتأكيد تلك الأمور لن تغيّر من قناعاتنا، ولن تغيّر من نهجنا، فمهمة حماية مصالح أهلنا السوريين، كلّ السوريين الأحرار ومصالح الثورة، ستكون البوصلة التي أسير عليها بمشواري الثوري.
س٤: السؤال التقليدي من الكُرد للنخب السياسية العربية والمشوّب بالخوف والتشكك، حول رؤيتك وضع الكُرد في سوريا المستقبل؟.
ج-٤: بالتأكيد الواقع الحالي غير مرضي، لا للعرب ولا لإخواننا الكُرد, وجود تنظيم القاعدة ممثلة بالجولاني في إدلب أضعف ثورتنا وأضرّ بقضيتنا, ووجود البي كي كي وبعض القيادات المتنكّرة بلباس قسد (منذ فترة قريبة تم نشر صور للسيدة الهام أحمد بلباس البي كي كي) أضعف النضال الكُردي شرقي الفرات, والقاعدة والبي كي كي لا يمثّلون الثورة السورية، ولا يمثّلون العرب، ولا يمثلون الكُرد.
الشعب السوري بكلّ مكوّناته لا مشاكل بينهم, ويمتاز الشعب السوري بطيبة القلب والتسامح, والمظلومية التي عاشها اخواننا الكُرد في عهد نظام الأسد، الأب والابن ،هي مظلومية حقيقية،لكنّ العرب أيضاً عاشوا نفس تلك المظلومية؛ إنما بشكلٍ أخفّ ،
أعتقد أنّ الخطوة اللازمة والكافية اليوم هي بترتيب بيتنا الداخلي العربي والكُردي, وتنظيف بيتنا السوري يستدعي التخلص من كلّ متطرفي القاعدة والبي كي كي ومن ثم ايجاد صيغة تفاهم تجمع شرقي الفرات مع شمال غرب سوريا وتوحيد الموقف العسكري والسياسي ومن ثم ايجاد قاعدة تفاهم مع الحليف التركي تشكل قوة سياسية داعمة للثورة.
أما من حيث المستقبل فقناعتي أنه بعد إسقاط نظام الأسد أو ايجاد حلٍّ عادلٍ بسوريا، عبر تشكيل هيئة الحكم الانتقالي, فلا مشكلة بأيّ نقاشٍ سوري_سوري لطبيعة الحكم بأيّ منطقةٍ سورية، طالما أنّ النقاش يتمّ تحت سقف الوطنية السورية ووحدة الأراضي السورية, سواءً كان بحكمٍ ذاتي أو سواه.
التاريخ الكُردي منذ القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي وصولاً لعهد الاستقلال في سوريا حفل بالكثير من القيادات الكُردية الوطنية السورية، ويفتخر الشعب السوري بتلك القيادات، وأنا ابن مدينة إدلب، لطالما أطلقنا عليها اسم مدينة إبراهيم هنانو, وكرجلٍ عسكري أرفع قبعة الاحترام لمؤسس الجيش السوري، وبطل معركة ميسلون وزير الدفاع يوسف العظمة, وفي الثورة السورية كانت عامودا أول من لبّت نداء درعا ولحقت بها المدن الكُردية، ولولا الرمزية والقيم الوطنية العالية التي يحملها الشهيد مشعل تمو (مشعل الثورة السورية) ما كانت الأيدي الإجرامية امتدّت لتغتاله, وبالتالي للكُرد تاريخ حافل منذ القديم وحتى الآن، ويشاركون أخوانهم العرب بكلّ المراحل النضالية، وكانوا جزءاً لا يتجزّأ من هذا النضال, والشعب السوري بكلّ مكوّناته لن ينسى لإخوانهم الكُرد هذا التاريخ المشرّف، ولن يسمحوا بظلمهم مرةً أخرى
اللقاء منشور في جريدة يكيتي العدد 291