العم أبو شفان وحكاية متحف ديريك
Yekiti Media
هي ميزوبوتاميا أرض المعارض وهي بوطان الإقليم وسهوب تسلسلت فيها سويات الحضارات سيما وقد راقت لها ظلال جبل الجودي وكحارس أبدي أضحت لها ، وهي ديريك المدينة الهادئة الوادعة وقد بسطت بأريحية على جانبي – جمها – وتتالت فيها السنين ، وهي البقاع التي تدفقت وتعددت فيها الموروثات وانماط الإنتاج والحرف وتنوعت ادواتها وكل اداة مع الإستخدام انتجت أفضلها بهمة ذات الأيادي التي ارتقت بإنتاجها من خلال صناعة ادواتها باحترافية ومهنية عالية ضاهت ان في سوية الإنتاج او النوعية ارقى المصانع ، تلك الحرفيات كانت ولم تزل تتناسق حيث الاقدم مصيرها كانت الطمر عبر الزمن ولتصبح عبارة عن متاحف مدفونة .. في مدينتنا الوادعة ديريك والثقلى بإرثها ورغم المئات من المختصين إن في التاريخ او الآثار وكذلك دارسي أنماط التطور البشري أضافة لعشرات المؤسسات الحكومية الا ان احدا منهم لم يفكر او يهتم بفتح مركز او دار او متحف يجمع فيها استخدامات الحياة اليومية ، هذا العمل الريادي قام به العم احمد طاهر ديرشوي الملقب بابوشفان وهو من مواليد قرية حيماطا – ديريك سنة ١٩٥٨ ، هذا الرجل العصامي المكافح وبمبادرة شخصية ، حيث خصص لذلك جزءا من مسكنه الخاص ، إلا أن المكان مالبث ان ضاق بمحتوياته التي تتزايد باستمرار .
وفي جولة تفقدية للمتحف والذي يدهش حقيقة باناقة وتراتيبية محتوياته المصفوفة رغم ضيق المكان ، ووبالرغم من عدم تخصص العم ابوشفان في هذا المجال ! لابل وتأكيده بأنه لا يقرأ ولا يكتب ايضا وانما يحفظ اسماء الموجودات شفاها ، وقد بدا لنا بالفعل بانه يتمتع بذاكرة وذهن متقد وكأي راو او حافظ شفاهي تتالت اجوبته لتحوط المحتويات ومفردات القطعة حتى وصولها الى عنده ، وفي سؤالنا له عن سر هذا الإهتمام الكبير له بجمع هذه الادوات والقطع الأثرية المختلفة والدوافع التي ادت به لهذا الاهتمام وتجميع لهذا الزخم من الموجودات ؟ وهل هي من تأثير القصص والسير الشعبية ام رغبة للإحتفاظ بالاشياء العتيقة لإرتباطها بحدث او ذكريات عزيزة ؟ أجاب العم ابو شفان بان شعوب العالم اجمع ضحت كثيرا في سبيل الحفاظ على خصائصها القومية وتراثها الفولكلوري وشعبنا أسوة بشعوب العالم قدم ولازال يقدم التضحيات لحماية وحفظ ارثه ، وأضاف بأن معظم قدمائنا يؤكدون على أن النساء كن ولازلن من اهم حماة الفولكلور وحفظه من الضياع ، كما وممن انتجن ذلك ، ومع التطور المديني والدخول الى الحالة التنظيمية للطرق وتوفر الكهرباء والعلم ، ادار غالبية اجيالنا المتعلمين ظهورهم لتراثهم التاريخي وشكل تطور بيئاتهم حتى وصلنا الى هذه المرحلة ، واردف : في نظرة سريعة لكثير من الموجودات الحرفية هنا ستلاحظين بأن اغلبها صناعات نسوية من حياكة ونقش وتطريز والسلال المتعددة وايضا البسط المختلفة ، وايضا بعض من الحرف المجهدة التي بقيت مرتبطة بالرجال مثل الحدادة والنجارة والبناء وغيرها ، وللأسف الشديد في ايامنا هذه يوما بعد يوم تسقط من ذاكرة مجتمعنا قضايا تراثية كثيرة ، ولهذا ارى بان هكذا اهتمام تجميعي ولو انه عملي فردي ووفق امكاناتي الا انها تلقى صدى جيد ، فقد زارني هنا استراليون وايضا امريكيون برفقة جنسيات عربية ، ولقناعتي التامة بمدى اهمية هكذا عمل وبامكاناتي المتواضعة قمت في ١/٣/٢٠١٤ بافتتاح هذا المتحف ، وبالرغم من ان شهر آذار هو شهر الكثير من المصائب والويلات كرديا ألا انها تحمل ايضا ومضات عديدة للشعب الكردي ، وعليه فأن هذا الشهر هو خزان ارثي ونضالي كردستاني بامتياز وسترين هنا سجل متتال لهذه الأحداث المختلفة بصورها الدامية والتي يندى لها جبين البشرية مثل مجزرة حلبجة ، كما سريالية الانتصارات سواء ببيان ١١ اذار ١٩٧٠ واتفاقية الغدر في الجزائر (آذار ١٩٧٥ ) ورحيل القائد مصطفى البارزاني وايضا الانتفاضة وتحرير مدن كردستان العراق ، ولن ننسى انتفاضة قامشلو وايضا يوم الزي الكردي وإيضا عيد تأسيس بيشمركة روچ ، وباختصار فأن شهر آذار حبلى بالمناسبات الكردية يتوجها يوم نوروز ، العيد القومي الكردي ، ويوميات هذا الشهر كلها حافلة بتاريخنا ، وعلى هذا السياق فان ما قمت به هو عمل متواضع احببت ان اخدم شعبي بطريقة مختلفة وعليه فأنني اتوجه بندائي الى كل فرد من ابناء شعبنا في العالم ممن لديهم اية قطعة فولكلورية ألا يهملوها ويتلفوها ، وهذا المتحف المتواضع هو للجميع وانا لا اعتبره متحفي الشخصي وهو ملك للجميع ، وعلى هذا الأساس وكما يقول المثل يد واحدة لا تصفق ، اقر بان لي طاقة وامكانات محددة ولهذا فأنني اتوسم من المجتمع ان تدعم وتساند متحفها ، وهذا المتحف شهد زيارات من الاخوة العرب والمسيحيين وكذلك الكرد ، وقد زرت عدة متاحف في هولير وشاهدت الاهتمام الراقي من قبل حكومة كردستان ، وحلمي الكبير هو بناء صالة كبيرة ومرفقة بغرف مساعدة تستوعب هذه الموجودات وان تفتح فيها دورات للغة الكردية وامسيات وندوات ومحاضرات ولدي هنا ما ينيف عن مائة كتاب باللغة الكردية وكذلك حوالي ٦٠ طقم ملابس نسائية وكذلك حوالي ٧٠٠ صورة تمثل مناسبات كردية عديدة . وفي نظرة على الموجودات المتنوعة من حجرية وفخارية وسلال مختلفة وادوات فلاحة وزراعة وحصاد وأدوات صيد قديمة وبسؤالنا للعم ابوشفان عنها ؟ وهل لديه جداول تفصيلية بالموجودات ؟ وكان رده بان هناك قطع يقدر عمرها نظريا الى اكثر من مائة سنة ( بتصورنا اكثر من ذلك بكثير ) ، وهناك فخاخ حجرية للحيوانات( عتيقة ) وكذلك ادوات لاستخدامات اخرى وهناك مناجل وادوات حفر ونقوش لتطريزات جميلة وهي اعمال نسوية تعود لاكثر من ٧٠ سنة ، وكمثال للعدة سرد العم طرائق وحالات استعمال كثير من الأدوات التي كانت تستخدم قبل دخول المكننة عملية الزراعة والحصاد ، وللحق فان مجرد استطلاع الموجودات بالرغم من ضيق المكان وزخم الموجودات وتراكمها فوق بعضها والتي قد تؤدي الى اتلاف بعضها ، يمكن مشاهدة انواع عديدة من الجرار والبسط ومستلزمات الربيع وادوات الإنارة كاللمبات وغيرها ، ومما يلفت النظر اكثر هو – جاروخ – وتصورنا ان عمره اكثر من مائة سنة ودفعنا الفضول لنستفسر منه عن قصة هذا الجاروخ وعمره ومن اهداه للمتحف ، فشرح بداية آلية صناعتها التي هي في الأصل من جلد البقر والتي تملح وتنشف ومن ثم تقطع على مقاس القدم وتخاط ب – ريس – خاص من الصوف المغزول ونظرا لسرعة تلفها وعدم امكانية حصوله على قطعة قديمة خاط هو بنفسه القطعة هذه وكصورة طبق الأصل وبذات طريقة الصنع القديمة ، وطبعا الجاروخ كان يلبس معه جرابات صوفية سميكة وايضا كانت تحاك من – ريس الصوف يدويا – .. وفي الواقع ان تنوع محتويات متحف العم ابو شفان وضيق المكان وبالتضامن مع ندائه الموجه الى الاحزاب والمؤسسات المهتمة لمساعدته في توضيب وتوسيع مساحة البناء ، ليس فقط لمحتويات المعرض بقدر ما يبتغي ان يصبح مكانا يمكن احياء المناسبات واللقاءات وايضا القاء محاضرات وغيرها .
وفي عودة الى المتحف ومقتنياتها فأن شرح مفرداتها سيطول كثيرا ، ولهذا آثرنا ان ننحى الى مجال آخر فيما اذا كان العم قد تلقى اية مساعدة في توضيب ومتابعة هذا الجهد ، لكنه نفى بالمطلق وهنا اثار امرا آخر ! فهو لا يقرأ ولا يكتب وبكده وعمله علم اولاده وبعضهم تخرجوا ونالوا شهادات عالية مثل ولده المهندس هوزان وبعضهم نظرا لظروف سوريا توقفوا عن دراستهم ، وفي ختام اللقاء مع العم اكد بان محتوياته مصدرها يعود الى ٦٤ مكانا تشمل حتى مدينة الحسكة وغالبية من اهدوا هن من النساء ، وأكد ابو شفان بان المتحف فيها ما يزيد عن ألف قطعة ومن ٦٤ مكانا وتمنى من كل شخص لديه قطعة قديمة وان كانت خارج الخدمة ألا يرميها فليأت بها الى المتحف .
وفي الختام كلمة حق تجاه هذا الرجل العصامي والقومي الذي يرتكز على ذاكرة قوية وحاضرة وحافظة لسريالية نضالات شعبه الكردي في اجزائها الاربعة ، وايضا تراتيبية استخدام غالبية القطع الموجودة عنده ، اضف الى ذلك : التسلسل الطبيعي لادوات الإنتاج واستخدامات الإنسان البدئي للأدوات من اغصان الشجر والقصب والقش مرورا الى الفخار والحجر حتى المعدن ووصولا الى عصرنا الحالي .. ابو شفان المكافح الأمي وبمجهوداته الفردية انجز ما تعجز عنها وللآن كل الأطر السياسية والمدنية الكردية ! هلا تاملنا ما يقوم به هذا الجندي الحي والمجهول ؟ نأمل ذلك …
اعداد: ليلى قمر و وليد حاج عبدالقادر
منشور في جريدة يكيتي – العدد 276