الغزو الروسي لأوكرانيا.. إمْكانات ضعيفة وطموحات كبيرة
علي تمي / كاتب وسياسي /
لا شكّ انّ استمرار موسكو في غزوها لأوكرانيا والاجتياح العسكري للعديد من المناطق هناك ، وقرع أبواب ” كييف” عن قرب، وعدم الإصغاء للنداءات الدولية بوقف آلة الحرب والتهجير ، كلّ ذلك سينعكس سلباً على بقية دول البلطيق التي ستكون الوجبة الثانية للدب الروسي، وهذا ما يخشى منه الساسة في الغرب، ولدى موسكو أطماع كبيرة و رغبة بالسيطرة على أوروبا إن سنحت لها الفرصة، وتحاول استخدام الغاز الطبيعي كسلاحٍ أساسي في المعركة مع الناتو، إلا أنها حتى الآن لم تحرّك جميع طاقاتها وإمكاناتها وتلعب على حبل ابتزاز الغرب فقط ، فبرلين وباريس وأمستردام وبكين، وحتى روما المستورد الأساسي للغاز الروسي تخشى من وقوع كارثةٍ حقيقية في أوروبا بعد الارتفاع الجنوني الذي تشهده أسعار المواد الأساسية في العالم، وبالتالي ارتدادات هذا الصراع على أوربا ستكون بالدرجة الأولى اقتصادية، وربما تدفع بهذه القارة العجوز مع الوقت نحو الفوضى و الهاوية، والظاهر هذا ما تريد واشنطن الوصول إليه في نهاية المطاف .
ارتدادات الأزمة الأوكرانيّة في الشرق الأوسط
واشنطن اليوم تحشد جميع حلفائها وأوراقها ضد موسكو وفي كلّ أصقاع العالم وأينما وجدت ، بينما موسكو تجد نفسها في مأزقٍ حقيقي داخل أوكرانيا وحرب استنزاف طويلة المدى ، وقبل فترةٍ حاول وزير الخارجية سيرغي لافروف تهديد الناتو بالورقة النووية ولم يجدِ نفعاً على ما يبدو ، واليوم يوجّه رسائل مختلفة ومن نوع آخر من خلال حليفتها إيران إلى “أربيل ” محذرةً واشنطن من مغبّة اللعب بالنار .
ومن المرجّح أن تمتدّ ارتدادات الصراع على أوكرانيا على الأغلب إلى الكثير من البقع الجغرافية في العالم، و أربيل من أهم هذه المناطق الساخنة التي يمكن أن تشهد فيها التوترات، إقليمياً، يمكن أن يتمّ تحريك ورقة الحوثيين ضد الرياض وأبوظبي، و تحريك حزب الله في جنوب لبنان ضد تل أبيب ، وتحريك حزب العمال الكُردستاني ضد إقليم كُردستان و تركيا، هذه الاحتمالات واردة جداً والأبعد من كلّ هذا، واشنطن حتى اللحظة غير جادّة بالدفاع عن حلفائها في المنطقة، وجميع المعطيات والوقائع على الأرض تشير إلى أنها فشلت بسياستها الخارجية في الشرق الأوسط وخاصةً ما بعد 2011 واليوم تحاول تصحيح هذه الحقبة من خلال وضع النقاط على الحروف، فمثلاً، تسليم العراق إلى إيران على طبقٍ من ذهب، و منطقة شرق الفرات داخل سوريا إلى حزب العمال الكُردستاني، كما تركت الخليج رهينة للصواريخ الحوثية دون أن تتحرّك، والانسحاب غير المبرر من أفغانستان، كلّ هذا وبغضّ النظر عن الأسباب جعلتها تفقد مصداقيتها لدى الأوساط الشعبية والسياسية في المنطقة. .
بالمحصلة، بات جلياً أن الصراع على أوكرانيا سيمتدّ نطاقه ليشمل جبهات أخرى، والحلقة الأضعف ستشهد فيها توترات خطيرة ، وربما تمتدّ نيرانها لتشعل سوريا والعراق ولبنان ، والروس بدورهم تنتهي حدود أطماعهم وحروبهم بانتهاء مصالحهم في الشرق الأوسط، ويبدو أنهم حسموا أمرهم و قرارهم بالهيمنة على أوربا ، من خلال بوابة أوكرانيا، والشرق الأوسط بات اليوم على صفيحٍ ساخن و رهينة بيد المحور الإيراني – الروسي، و يدفع ثمن تخاذل واشنطن في سوريا والعراق وتسليم ملفها إلى الروس على طبقٍ من ذهب وجعل المنطقة لقمة سائغة للميلشيات الإيرانية.
و بناءً على ما تمّ ذكره، على قادة البيت الأبيض أن يدركوا أنّ مصداقيتهم ضُربت في الشرق الأوسط وأفغانستان، وحتى داخل أوكرانيا ،واليوم الشعوب المسالمة في أوكرانيا وسوريا تدفع الفاتورة بمفردها، ومنذ الآن فصاعداً لن يدافع أحد عن استفراد واشنطن في قيادة العالم ، مالم تقم بدورها و بواجباتها السياسية والأخلاقية إتجاه الظلم والقمع والدكتاتوريات التي أوجدتها الظروف الخاصة في الشرق الاوسط، بعد السبعينيات من القرن الماضي، ولا بدّ من مساعدة الجميع، ووضع حد للهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط، ومنعها من التلاعب بمصير المنطقة ودفعها نحو الفوضى الخلّاقة، ويجب العمل على قصقصة أجنحة”بوتين ” داخل سوريا، ومنعه من احتلال أوربا العجوزة ولأنّ حدود أطماع موسكو تنتهي بانتهاء مصالحها في العالم، وربما يأتي يوم تخرج فيها الأمور عن السيطرة ستكون له نتائج لا تحمد عقباها .
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 296