* القضية السورية الساخنة أمام المشاريع الباردة *
عبدالله كدو
لقد وصلت المسارات السياسية والدستورية للملف السوري إلى أفق شبه مسدود، ذلك بعد مرور عقد من الزمن على الثورة السورية، بما شهدت من مساع ومبادرات إقليمية و دولية، لوضع حل للقضية السورية التي كلفت الشعب السوري أثمانا باهظة.
إلا أن عملية التسوية الدولية الممثلة بمؤتمر جنيف عام 2012 و ما تلاه من قرارات دولية، منها القرار 2254، لم تتمخض عن أي حل بعد، فقد كان تشكيل اللجنة الدستورية في نهاية عام 2019 أول تطبيق لواحدة من سلال ديمستورا الأربع بموجب القرار الدولي 2254 ، إلا أن اللجنة الدستورية لم تنجز شيئا من مهمتها ، و ظلت تدور في فراغ، بسبب رفض النظام الدخول في مجال عمل اللجنة، وهو مناقشة المضامين الدستورية، ذلك سعيا “لشراء الوقت ” وصولا للانتخابات الرئاسية التي يتهيأ النظام لخوضها، بطريقته، في منتصف العام الحالي، متناسيا بأن أكثر من نصف سكان سوريا هم إما مهجرون في دول اللجوء و دول الجوار، أو أنهم يقيمون في خارج المناطق التي يسيطر عليها، وأن نسبة الحدود الدولية التي يسيطر عليها لا تزيد عن %15، بالإضافة إلى عدم سيطرته على عدة محافظات سورية، و بالتالي فهو- النظام- لا يمتلك شرعية تمثيل الشعب السوري و لا السيادة الوطنية على أجزاء كبيرة من البلاد، إضافة إلى تناقضه مع قبوله، المزعوم، لعملية التسوية الدولية، التي تنص على سلة الانتخابات، فيما هو يصر على إجراء الانتخابات الرئاسية بدون أي اعتبار للقرار الدولي .
هذا ما دفع روسيا إلى التفكير في استئناف خيار التلاقي مع الدول الضامنة في “أستانة” ، وإحياء حلف ثلاثي مقابل السياسات الأميركية إزاء سوريا ، و انعقدت الجولة ال 15 في منتصف شباط الحالي بعد توقف دام لمدة عام، ونوقش فيها بشكل أساسي موضع اللجنة الدستورية، واستمرار وقف إطلاق النار في الشمال الغربي ، ذلك على اعتبار أن “قانون قيصر” الأمريكي ، يضع عوائق أمام الهدف الروسي في الحصول على أموال ” إعادة الإعمار”، و يوقف جميع أشكال دعم النظام اقتصادياً، على خلفية استمرار رغبة واشنطن في طرح الاحتكام الى عملية جنيف للتسوية الدولية بشأن سوريا ، بينما ترغب موسكو بالذهاب إلى مسارات بديلة، تُبقي على النظام ، مع العمل على تشكيل جيش موازٍ داخل جيش النظام، يمكنه ضمّ معارضين، تقبلهم موسكو، إلى الفيلق الخامس، ضد ولاء بعض فرق جيش النظام لإيران ، وكذلك ضدّ المليشيات الشيعية الموجودة في سورية.
و هنا لا بد من الإشارة إلى رسالة السفير الروسي ” يفيموف ” إلى النظام السوري حول ضرورة الاهتمام بالوضع المعيشي للسكان، والتقليل من الضغوط الأمنية والاعتقالات، و إيجاد حلول اقتصادية، كإشارة إلى الرغبة في الإبقاء على النظام، و توفير الشروط اللازمة لذلك وسط الكلام عن البدائل وآخرها المجلس العسكري.
في كل الأحوال، إن استمر الأسد في حملته الانتخابية، فهذا يعني أن موسكو قد اختارت خيار الإبقاء عليه، وحينئذ ستضطر للبحث في كيفية توفير المستلزمات الخارجية لهذا الخيار، حيث أن قوى الثورة والمعارضة السورية ستظل ترفض الانتخابات الرئاسية طالما أن الأسد أحد المترشحين لها، و من تلك المستلزمات السعي لدى واشنطن والغرب لإقناعهما بتخفيف العقوبات على النظام، والسماح بفتح الطريق أمام عملية إعادة الأعمار.
وهنا يجدر بالذكر، أن خطاب الرئيس بايدن، حول السياسة الخارجية الأميركية في المرحلة المقبلة، قد كشف عن سياسة إدارته تجاه سورية، حيث لم يرد في الخطاب أي إشارة إليها، مما يعني بأن سوريا ليست على قائمة أولويات إدارته في المرحلة المقبلة.
ويتضح ذلك أكثر من خلال طروحات بعض الأمريكيين المختصين بالشأن السوري، الذين يطالبون بإتباع طريقة جديدة، طريقة “الخطوة خطوة”، لتشجيع الأسد و استدراجه للتجاوب مع عملية السلام المبنية على قرار مجلس الأمن 2254 ، وهناك من يقترح بأن يتم ذلك علنية، على مرأى ومسمع العالم لإحراج الأسد، دون التفكير بممارسة ضغوط تكفي للاستعجال في تنفيذ عملية التسوية الدولية في سوريا، ويبدو أن ما يقوي عدم اهتمام إدارة بايدن بالملف السوري في المرحلة المنظورة، هو أن الولايات المتحدة تحقّق أهدافها بدون استخدام موارد كبيرة، و بتكاليف بسيطة، مع تقبل كل روسيا و إيران للأمر و التكيف معه.
وعليه يخشى بأن تكون سياسة إبقاء الأمور على ما هي عليه ، وإبقاء الملف السوري قيد التفاوض مع إيران وروسيا، بعيدا عن “مغامرة” ارتياد الجديد المجهول، هي سياسة إدارة بايدن تجاه القضية السورية.
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 283