القضية الكردية ما بين المعارضة والنظام واللجنة الدستورية
هيئة التحرير – بقلم فؤاد عليكو
لاشك أن القضية الكردية في سوريا، قد شهدت تطورا إيجابيا ملحوظا على الصعيد السياسي في السنوات العشر المنصرمة من عمر الثورة السورية، نتيجة التفاعل المباشر بين النخب السياسية الكردية والعربية وبقية المكونات السورية، من خلال العديد من المؤتمرات المشتركة بين مختلف أطياف المجتمع السوري على تنوع مشاربها وايديوجياتها، من إسلاميين واشتراكيين وقوميين وليبرالين من داخل سوريا وخارجها، بدءاً من مؤتمر هيئة التنسيق في حزيران ٢٠١١ ومن ثم المجلس الوطني السوري، مرورا بمؤتمر القاهرة ومؤتمر الائتلاف ٢٠١٢م وما تلاها من مؤتمرات وورشات عمل وندوات مباشرة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وقد احتلت القضية الكردية صدارة النقاش في العديد منها، حول جملة من القضايا المختلفة بين الكرد ومعظم المكونات السورية، حيث لمسنا جهلا كاملا من قبل البعض، ومعرفة قليلة من قبل البعض الآخر ، وتفهما مقبولا من قبل آخرين، نتيجة عوامل معرفية سابقة تعود للعلاقة ما بين الطرفين إلى ما قبل الثورة السورية ، خاصة في فترة ربيع دمشق وإعلان دمشق ٢٠٠٥م، وما بينهما انتفاضة الشعب الكردي ٢٠٠٤م .
وخلال هذه الفترة ونتيجة للنقاشات المستفيضة بين مكونات المعارضة، تبلورت المواقف المتعددة أيضا فيما بينهم، فالتيار الإسلامي يرى أن الحل يكمن في رؤية الإسلام للحل في العدالة والمساواة بين جميع أبناء الوطن، مع رفع الغبن عن الكرد، بعيدا عن الخصوصية القومية التي يعتبره عامل تفريق بين مكونات الشعب السوري ، كما ان النموذج القومي أثبت فشله تاريخيا، ومن الخطأ الاقتداء بالتجارب الفاشلة، اما القوميين العرب والذين معظمهم قد انشقوا عن البعث فلا تختلف رؤيتهم كثيرا عن رؤية حزب البعث الحاكم ، إلا في بعض المفردات التي فرضتها ضرورات المرحلة، وضرورات وجودهم في إطار المعارضة، منطلقين من مبدأ أن سوريا عربية أرضا و شعبا، وهناك أقليات تعيش في سوريا، لهم بعض الحقوق الثقافية التي أهملت او منعت من قبل النظام ، ويجب أن تمارس في إطار الجمهورية العربية السورية، و لا بد من القول بأن التيار الليبرالي واليساري أكثر انفتاحا من الآخرين، اذ يطرحون الدولة الوطنية الديمقراطية بعيدا عن التسميات الدينية والقومية، لذلك يركزون على دولة المواطنة الحقيقية، التي تتحقق فيها المساواة و العدالة للجميع، بعيدا عن منطق الأكثرية السكانية العددية عرقيا او دينيا، وان يكون تعبير الاكثرية تعبيرا سياسيا فقط، لذلك ينطلقون من هذا المبدأ لاسقاطها على المصطلحات المرادفة للدولة الوطنية السورية، على انها دولة متعددة القوميات والأديان والثقافات وعلى الجميع ممارسة حقوقهم القومية والثقافية والسياسية في إطار دولة المواطنة واللامركزية الإدارية والتوزيع العادل للثروة بين جميع أبناء الوطن، وهذا التيار هو السائد على الساحة الآن، وتلقى هذه الأفكار قبولا دوليا إلى حد كبير، حيث لمسنا معظم هذه المفردات، في ورقة خلاصة المداخلات التي قدمها الأعضاء للمبعوث الدولي في الجولة الأخيرة 4/12/2020.
كما أننا لمسنا مؤخرا، منذ فترة ليست ببعيدة ، تطورا ملفتا في مقاربة موضوعية في طرح مفهوم الفدرالية السورية على اساس جغرافي، من قبل بعض منصات المعارضة، مثل منصتي سوريا الاتحادية وسوريا الحياة، لكن لا تزال هذه الأفكار تتعثر، ولم تجد طريقها كما يجب داخل أطر المعارضة السورية، لكن ذلك يعتبر تطورا إيجابيا ملفتا، ومن الممكن أن يتفاعل ” مشروع الفدرالية” مستقبلا، ليصبح مشروعا سوريا واقعيا، منسجما مع حالة الشرخ الكبير الحاصل اليوم بين مختلف مكونات الشعب السوري اليوم.
ومن الجدير ذكره أن الرؤية الكردية حول إقليم كردي يربط المناطق الكردية ببعضها ومصطلح كردستان سوريا لاتلقى قبولاً لدى أطياف المعارضة، ولا من قبل المجتمع الدولي في الوقت الراهن .
أما بالنسبة للنظام، فلا زال على موقفه العنصري السابق من القضية الكردية، باستثناء بعض العبارات الفضفاضة في الدستور توحي بأنها تعني الكرد ،كما صدرت مؤخرا تصريحات من وزير تربية النظام بأن النظام لايرى مانعا في تدريس بعض الساعات في المدارس باللغة الكردية، في بعض المناطق، وهذا يعتبر تطورا ملفتا بالنسبة للنظام.
يبقى القول بأن مسار حل الأزمة السورية لايزال طويلا ، فالمناخ الدولي غير مهيأ لأي حل في المدى القريب، ويتوقف اي حل في المحصلة على تقاطع الموقف الأمريكي /الروسي حول شكل الحل المستقبلي لسوريا، والمرحلة القادمة، وأن الأيام القادمة، خاصة بعد انتخاب بايدن، قد تكون حبلى بتطورات كثيرة نأمل أن تكون لصالح الشعب السوري ككل و منه حل القضية الكردية .
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “282”