من الصحافة العالمية

القضية الكردية وقيام الدولة!

مظفر مزوري

تعرّضَ الكُردُ لسنواتٍ طويلةٍ لأشرسَ وأوسع الحملات ضد تطلعاته وكانوا دائماً ضحيةً للتوافقات الدولية ومصالحهم، كانت طموحُ الكُردِ تصطدِمُ دائماً بمطامع السيطرةِ العثمانية والصفوية كما واصطدمت فيما بعد بشوفينية وعنصرية حُكّام العراق الدكتاتوريين، وهنا أذكُر مقولة للبارزاني الخالد الملا مصطفى الذي قاد الحركة التحررية الكُردية لعقود حيث قال إن الثورة والحرب ضد الحكومات لا يعني الحرب ضد شعوبها لأن الحكومات تذهب والشعوب باقية.

أغرقَ هؤلاء كل مطامح الكُرد وتطلعاتهِ في برك الدماء وحرموا الكُرد من حقه بالاستقلال وقيام دولة كُردية، هؤلاء اعتقدوا ويعتقدون أن أرضَ كُردستان هو جزءٌ من الأراضي التركية والفارسية والعربية لذلك قام الكُردُ بثورات عديدة ضد تلك الأنظمة ليثبتوا للعالم أن الكُرد هم أمةٌ عظيمة وماضون نحو تحقيق تطلعاتهم وأن هذه الأرض كُردية وليست لأي دولةٍ محتلة.

كان إنشاء دولة ملكية في العراق وتنصيب فيصل بن الحسين ملكاً عليها في ٢٣ أغسطس سنة ١٩٢١، كان هذا الإجراء خاطئاً بسبب الجمع القسري لقوميات وأديان متعددة لم يندمجوا بعد في هوية إنسانية جامعة، والاعتماد على رابطة الدين لأكثرية السكان لا يكفي لأن المسلمين في هذه الدولة الحديثة ليسوا على مذهبٍ واحد، والملك الذي أكد هذه الحقيقة في مذكراته المدونة سنة ١٩٣١ فقد كتب فيها (إن البلاد العراقية هي جملة من البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية ذلك هو الوحدة الفكرية والقومية والدينية فهي والحالة هذه مبعثرة القوى منقسمةٌ على بعضها).

لم يعرف الكُردُ عبر تاريخهم النضالي الطويل بعد الحرب العالمية الأولى دولة مستقلة تجمعهم، فقد كان الكُرد يطالبون بحقوقهم المشروعة من كافة الحكومة العراقية المتعاقبة لكن هذه الحكومات كانت تستكثر هذه الحقوق على الشعب الكُردي، لذلك بدأت الثورات الكُردية ضد الأنظمة الدكتاتورية التي كانت تحكم العراق، ولم تخلوا هذه الثورات من محاولات استقلالية ونيل حق تقرير المصير التي أكدت عليها قرارات الأمم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية. مرت القضية الكُردية بخمسة محاولات استقلالية من خلال الثورات التي قام بها من أجل نيل حقوق الشعب الكُردي وكما يلي:

المحاولة الاستقلالية الأولى:

هي التي قادها الشيخ محمود الحفيد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بتأريخ ١-٨-١٩٢٠ ضد الامبراطورية البريطانية التي حلت محل الامبراطورية العثمانية في حكم العراق بعد أن نكثوا بوعودهم للقيادة الكُردية بمنحهم حقوقهم القومية، ولم يطبقوا بنود معاهدة سيفر التي وقعت بتاريخ ٢١-٥-١٩١٩، وتمكنت القوات البريطانية من إلقاء القبض على الشيخ محمود الحفيد ونفيه خارج كُردستان.

المحاولة الاستقلالية الثانية:

انعدلت الحركة الشعبية الثانية للمطالبة بالاستقلال بعد أن وقعت بريطانيا اتفاقية تنظيم العلاقة بين العراق وبريطانيا من ضمنها العلاقة العسكرية بتاريخ ٣٠-٨-١٩٣٠، وبالنظر لتجاهل هذه الاتفاقية الحقوق القومية للكُرد في العراق، فقد قام الشيخ محمود الحفيد وبعد عودته من المنفى بتحشيد اتباعه وطرد الإنكليز من مناطق نفوذه وأضاف عليه هذه المرة مذكرة إلى المندوب البريطاني يطالبه بإنشاء دولة كُردية في كُردستان تمتد من خانقين إلى زاخو، لكن للمرة الثانية تمكن الإنكليز والقوات العراقية من القضاء على هذه المحاولة ايضاً.

المحاولة الاستقلالية الثالثة:

هذه المحاولة قادها الملا مصطفى بارزاني في منطقة بارزان والتي تزامنت مع حركة الشيخ محمود الحفيد في السليمانية، حيث انطلقت هذه الثورة في نيسان ١٩٣١، وقد رفع الشيخ أحمد بارزاني طلباً إلى عصبة الأمم حول منح الكُرد الحكم الذاتي، وفي يناير ١٩٣٢ شن الجيش العراقي مدعوماً بسلاح الجو البريطاني هجوماً واسعاً على منطقة بارزان وتم نفي الشيخ أحمد بارزاني إلى السليمانية ومن ثم إلى جنوب العراق، لكن الثورة استمرت بقيادة الملا مصطفى بارزاني الذي استطاع أن يقود الحركة التحررية الكُردية في العراق، وبعدها قام بقيادة ثورة شعبية بتاريخ ٢٨ يوليو ١٩٤٣ وقد طالبت هذه الثورة بـ (تشكيل ولاية كُردية تضم كركوك وأربيل ودهوك والسليمانية وزاخو وخانقين ومندلي واعتبار اللغة الكُردية لغة رسمية في تلك الولاية وتعيين نائب وزير كردي في جميع الوزارات العراقية)، لكن كعادتها قامت الحكومة العراقية وبالتعاون مع القوات البريطانية بمقاومة هذه الثورة بقوة السلاح.

المحاولة الاستقلالية الرابعة:

هذه المحاولة اندلعت بعد التغيير السياسي في العراق سنة ١٩٦٨ واتسعت المواجهات بين قوات البيشمركة الكُردية والقوات العراقية التي كلفت ميزانية العراق سنة ١٩٦٩ ما يقارب ٣٠٪، توقف القتال بتاريخ ١١ آذار سنة ١٩٧٠ بعد توقيع اتفاقية الحكم الذاتي للكُرد، لكن الحكومة العراقية تقاعست أيضا في تطبيق بنود هذه الاتفاقية.

المحاولة الاستقلالية الخامسة:

جاءت هذه المحاولة بعد أن سعت الأحزاب السياسية الكُردية بعد عام ٢٠٠٣ لبناء عراق ديمقراطي جديد بالتعاون مع الأحزاب الأخرى لتكون هذه التجربة بالشكل الذي يضمن عدم تكرار مآسي الشعب الكُردي ويضمن تمتع الشعب الكُردي بخيرات إقليم كُردستان بشكل عادل، لكن القوى السياسية المهيمنة في بغداد رسمت مسار الحكم الديني الطائفي المتخلف وغرقت حكومات العراق في الفساد الإداري والمالي وسياسة التهميش وإقصاء الآخرين، ولم تنفع معها محاولات الإصلاح فقرر الشعب الكُردي إجراء الاستفتاء على الاستقلال في ٢٥-٩-٢٠١٧ في عموم مدن إقليم كُردستان والمناطق المتنازع عليها.

يتضحُ مما سبق أن عدم حل القضية الكُردية سوف يرتب تهديدات للأمن المحلي في العراق وفي سوريا وإيران وتركيا أيضا، وكلُ ذلك سيؤثر على الأمن الدولي والاقتصاد الدولي والتجارة الدولية وخطوط النقل العالمية البرية والبحرية والجوية، وأن البداية بالخطوة الأولى من حل القضية الكُردية في كُردستان العراق وقيام دولة كردية مستقلة يعطي أملاً بتخفيف التهديدات للأمن والاقتصاد الدوليين في طريق حل القضية الكُردية في الدول الأخرى.

مدونات الجزيرة

جميع المقالات المنشورة تُعبر عن رأي كتابها ولاتعبر بالضرورة عن رأي Yekiti Media

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى