آراء

القضية الكُردية الغائبة في البرنامج الانتخابي لـحزب HDP

ديسم سيتي
لربما إن فهمنا «جميعاً أو معظمنا» للحراك السياسي في تركيا مقتصرٌ على أنه: ثمة حزب سياسي كردي حصل على ترخيص، وبات ينافس في الانتخابات التركية العامة والبلدية، ويحاول الوصول إلى نسب عالية (حاجز 10%) لإيجاد حل عادل للقضية الكردية في تركيا، في حين أن ذلك ليس بوجه للحقيقة، إنما ما تلقفناه من الإعلام الداعم لهذا الحزب ومن خلفه (حزب العمال الكردستاني).
في الواقع إن هذا الحزب لا يرى القضية الكردية على إنها قضية حتى، بل يصفها في بعض من خطاباته ومناسباته على إنها (المشكلة الكردية). ونحن هنا ندرس البرنامج الانتخابي(1) لــ «حزب الشعوب الديمقراطية» المرمز بـ «HDP» التركي فيما يخص القضية الكُردية والسياسة الخارجية، لكشف النقاب عن الحقيقة ونجادل بهذا بأن هذا البرنامج لا يمت بصلة إلى حزب كردي بالمعنى الحقيقي لصفة (كردي)، أو حزب يدافع عن القضية الكُردية العادلة، فضلاً عن أن «حزب الشعوب الديمقراطية» ذاته لا يشير إلى نفسه بأنه حزب كردي أو موجود بمكان الدفاع عن القضية الكردية العادلة …
الوطن المشترك
في فقرته بعنوان (Vatan ortak) أي الوطن المشترك، يصف «حزب الشعوب الديمقراطية» القضية الكُردية في تركيا على إنها مشكلة «Kürt sorunu» ووصف القضية على أنها مشكلة هي في الأصل تسمية أطلقها حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان، وأبقى «حزب الشعوب الديمقراطية» على هذه التسمية كما هي حين ذكرها ذكراً عابراً في برنامجه الانتخابي.
ثمة اختلاف شديد فيما بين مصطلحي قضية ومشكلة، حيثُ أن مصطلح القضية يتضمن بما فيه الكفاية مفاهيم منها شعب على أرضه التاريخية ذو حقوق طبيعية إنسانية تعترف بها كافة المفاهيم القانونية الدولية والثقافات الإنسانية. أما مصطلح ((مشكلة)) فإلى حد كبير يحمل الكثير من اللغط وقد تكون الكلمة أكثر دقة حينما نشير إلى مشكلة الإسكان، مشكلة النقل، مشكلة البطالة، إنما قضية شعب يحيا على أرض آباءه وأجداده وله كل الحقوق التي تكون لكل شعوب الأرض لا توصف تلك القضية على أنها مشكلة.
إن ذلك بوضوح يخفي وراءه الرغبة في قتل تلك القضية وأبعادها عن مكان الأولوية التي تحتلها (أي القضية الكُردية) في تركيا، وبالوقت عينه أن قضيتنا نحن الكُرد تكون مشكلة بالنسبة للأتراك وليست مشكلة بالنسبة لنا لأنها قضيتنا العادلة وليست مشكلتنا أو جزءٌ من إحدى مشاكلنا، لذا ولكل ما سبق لا يعقل أن يصف حزب كُردي القضية الكُردية، مراراً وتكراراً على إنها «المشكلة الكُردية».
الدستور الجديد
فيما يخص الدستور الجديد المرتقب للجمهورية التركية، فلم يأتي «حزب الشعوب الديمقراطية» التركي على ذكر نقاط عدة تكون مفصلية في عملية حل القضية الكُردية في تركيا ومنها:
1- الاعتراف الدستوري بالشعب الكُردي كقومية موجودة في شرق تركيا على أرضه التاريخية، وليس أقلية عرقية داخل جغرافيا تركيا كما يراد لها أن تكون.
2- الاعتراف الدستوري باللغة الكُردية كلغة رسمية إلى جانب اللغة التركية والتأكيد الدستوري على السماح بتواجد الإعلام الكُردي والصحافة الكُردية داخل البلاد وتثبيت القناة الكُردية الحكومية قانونياً.
3- تعديل قانون الأحزاب، بحيثُ لا يمنع من تأسيس أحزاب سياسية على أسُس قومية أو بأسماء قومية.
من سخرية القدر أن «حزب الشعوب الديمقراطية» قد ذكر فيما يخص الدستور الجديد: أنه «سيعمل بكل ما أوتي من قوة لتحقيق المساواة، حرية تغير نوع الجنس، حرية المثلية الجنسية، المبادئ البيئية، مبادئ احترام البيئة، العدالة الاجتماعية، والديمقراطية». أسس المساواة بين المواطنين، هي: حرية المعتقد والتدين، الحرية الاقتصادية، الحرية السياسية، الحرية الثقافية، والعدالة الاجتماعية على أن تكون مضمونة، وتكون الحياة الطبيعية والبيئة والحياة الحيوانية تحت الحماية الضرورية”.
وهذا جل ما ذكره بخصوص الدستور الجديد دون أن تمر كلمة (الشعب الكُردي) بل كانت الأولوية لحرية المثلية الجنسية.
السياسة الخارجية
يذكر «حزب الشعوب الديمقراطية» بصدد السياسة الخارجية ما يلي: «ننتقد إسرائيل بشدة ونؤكد كونها دولة احتلال قاتلة، ونؤكد وقوفنا التام بجانب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في إعادة أراضيه المغتصبة واستقلاله التام».
فيما يخص الثورة السورية «سنعمل بكل الوسائل لإيقاف الحرب في سوريا، وسنلغي الجسر الذي تستخدمه تركيا في سوريا عبر الإسلاميين المتشددين الذين ينتقلون إلى سوريا عبر الأراضي التركية، سنعمل على إيقاف ذلك الأمر».
كما ورد أيضاً «سنلغي الحصار على أرمينا وسنعمل على فتح حدودنا معها».
ربما أن القضية الفلسطينية قضية عادلة ولا ضرر من ذكرها، لكن بالوقت عينه كان من الواجب الإتيان على ذكر العلاقة مع كردستان العراق والوقوف إلى جانب حكومة وشعب كردستان العراق فيما يخص مشاكلها مع حكومة العراق المركزية وصراعها مع تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، كما إنه من الواجب الوقوف إلى جانب الشعب الكُردي في سوريا، في مأساته الحالية ووضعه الاقتصادي والاجتماعي المذري والمتدهور.
بهذا الصدد تحديداً، ورداً على صلاح الدين دميرتاش، قال إسماعيل بيشكجي العالم السيسيولوجي، والكاتب التركي العرقي، والمناصر الكبير لحقوق الشعب الكردي في إقامة دولته القومية، حيث سأل بشكجي ديمرتاش قائلاً: «وماذا عن استقلال كردستان؟».
أولويات أخرى
بعد صراعاً دام أكثر من ثلاثين عاماً من الحرب والقتل وإفراغ القرى والتشرد والخسائر البشرية والاجتماعية والاقتصادية الضخمة التي دفعها الشعب الكُردي في كردستان تركيا أثماناً لأجل قضيته العادلة، اليوم وبفضل «حزب الشعوب الديمقراطية» التركي انحسرت قضيتنا لتكون (مشكلة) داخل تركيا، ولم ترقى لمستوى اهتمام هذا الحزب بمشكلة العلويين والاعتراف بهم كدين مستقل عن الإسلام أو مشكلة الأقلية العددية من الشعب التركي، وهم المثليين جنسياً والمتحولين جنسياً لم ترقى قضيتنا لمستوى مشكلتهم لتخصص (هدب) لها اعترافاً دستورياً بحقوقهم وحرياتهم، بعد كل ما ذكرناه أليس الأصح وصف »حزب الشعوب الديمقراطية» على إنه حزب تركي وليس لهم أيةُ علاقة بالقضية الكُردية العادلة في تركيا.
المقالات المذيـّلة بأسماء كتابها لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى