القضية الكُردية والقائد المصطنع
فرهاد شيخو
لا يخفى على أحد من المدركين والواعيين وعورة الخوض في مثل هذا الموضوع كونه يشكل مسيرة أحقاب من التسلط و التفرد في السلطة و أريقت دماء بريئة نتيجة هذا المفهوم المزعوم، لذا هذه الظاهرة تعتبر من المغالطات الشائعة عالميا سواء أكانت في حقبة الهتلرية أم الستالينية أو الماوية و وصولا” للبوت بوتية في كمبوديا.. و أما في الشرق الأوسط الإسلامي حيث بدأت الدول العربية الفتية تحكم بقوة من قبل الجنرالات العسكرية و أخذت تصنع لنفسها هالات من الفردية حتى وصل الأمر بها لتصبح دكتاتورية بكل النظم و الأساليب، وبالنسبة لكُردستان التي قسمت جغرافيتها حسب اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة عام 1916 و بموجبها فعلا تم بتر أوصال الوحدة السياسية للشعب الكُردي ووقوعها في مخالب الدول الأربعة وذلك وفق مصالح الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وكرست ذلك باتفاقية لوزان 1923 لذا أدت هذه المرحلة لعرقلة طموح الأمة الكُردية في الاستقلال وعدم بروزها كقضية على الساحة الدولية يتوجب معالجتها، فمن هنا ومن مشروعية النضال في سبيل تحقيق حقوق الأمة الكُردية ارتبط هذا المطلب المشروع لبعض من التيارات أو الحركات الكُردية بإرتداء عباءة الشخصية و نشر ثقافة ( هالة الزعيم ).
وكأن لعنة الفراعنة ستنهال على البشرية بجام غضبها، وتموت وتفنى البشرية التي لا تقدس هذه الشخصيات، وهنا لا يمكن تعميم هذه الحالة على جميع الشخصيات الذين بذلوا أرواحهم بالغالي و النفيس والتاريخ يشهد لهم على تضحياتهم الجسام، والذود و الدفاع عن حقوق شعبهم المغتصب من قبل هذه الدول الشوفينية أو تلك، ولكن ما يبرز حتى الآن من حالات والتباسات تكاد تكون بمثابة كارثة إذا ما استمرت و كما يقول المثل: ” إن كنت لا تدرى فتلك مصيبة … وإن كنت تدرى فالمصيبة أعظم” ، فهذا التضخيم الإعلامي والإجتماعي لشخصية الكُردي الذي هو في موقع المسؤولية ووصولها لحد الزعامة المطلقة أو قد يصل أحياناً لطقوس العبادة له ،
و في كل الأحوال دفع الشعب الكُردي كغيره من الشعوب ثمن هذه الظاهرة السيئة التي أدت إلى إحتكار القرار السياسي للشعب الكُردي بيد الفرد وبناء دكتاتوريات حزبية وإجراء محاكمات صورية.
و أكثر ما يؤسف عليه من نتائج هذه الظاهرة السيئة تجد بأن حدة الخلافات تتصدع وتتكاثر بين أبناء الشعب الواحد حيث العامة وصلت بهم الحد إلى التبعية للشخصية وتمجيدها، والدفع إلى تخوين الناقد الذي قد يمتلك الجرأة في التوجيه لشخصية القائد من باب حرصه على مصلحة الوطن فتجده يتعرض للتخوين والتكفير من قبل عبدة ومريدي وأبواق الشخصية المزعومة المغذين بذهنية وثقافة تخوينية ويقيمون في ثكناتهم التخريبية للتشويه على الحقائق، لذا من الصعوبة بمكان إزالة ثقافة التمجيد إذا ما تفشت و سيطرت على المزاج العام و خاصة في حالة كالحالة الكُردية، و هذا حتما سيؤدي إلى عواقبٍ وخيمةٍ لا تحمد عقباها.
فالتبعية السياسية المطلقة للزعيم أو القائد ما هي إلا آفة سياسية واجتماعية وثقافية متخلفة و لا يواكب منظومة العمل المؤسساتي و ستنخر في أشلاء المجتمع و سيخلف منه مجتمعا عاقا يكتنفه الغبن والتخلف و لا يمكنه الخروج عن المألوف لديه وعلى تلك الأفكار و المعتقدات التي نشأ عليها في ظل مجتمع يقدس الشخصيات لا القضية أو بمعنى آخر يعبد صنم بشري وما هو أكثر تعقيداً عندما تتحول هذه التبعية إلى تبعية إيديولوجية لا تقبل المراجعة حيث فرضها كاهن ما لإختفائها خلف شعارات وطلاسم وتعد من أعقد المشاكل التي قد تواجه المجتمعات، وقد تمتزج في صورة القائد الفذ المضحي البطل، ويقف خلفه العبدة والمريدون ويرونه بأنه هو الخلاص والمنجي وحامي الحِمى.
فالطاقات البشرية دوما تكون أكبر من القائد و أتباعه و الشعوب وحدها تسقط الأصنام وتبني الأوطان والإنسان.
فالقضية الكُردية قضية شعب يحاول تحقيق طموحاته القومية فلا بد له من الخوض في معارك سياسية طويلة مع أنظمة الدول التي تتقاسمه، لا أن تنغر العامة ببعض الكلمات الطنانة والشماعات الخلبية والفقاعات الهوائية من قبل جهابذة المعارك و عبدة الأصنام البشرية، لذا يتوجب توحيد الأطر وتكثيف الجهود والابتعاد عن تعميق الفردية السلبية و الانطلاق وفق ما يقتضيه العصر في تأسيس الأطر التكنوقراطية و الحفاظ على مصلحة الشعب، وتنصيب قضيته العادلة كاستحقاق أولي أمام الأعين و الابتعاد عن كل السلوكيات الشخصية المغضة والأنا الحزبية الضيقة.
المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٣”