لقاءات وحوارات

الكاتب والإعلامي والباحث في الشؤون الكُردية وليد حاج عبد القادر في حوار خاص مع يكيتي

Yekiti Media

سيكون من المجحف كثيراً أن تحدّثنا باختزال وفي سطور عن الكاتب وليد حاج عبدالقادر ، ابن ديريك الوفي بقي لبيئتها وبساطتها والكبيرة بتألقها وتنوعها وصدق وإخلاص ناسها .. إنّ مجرد استذكار ديريك ستتتالى لك مئات الصفحات وآلاف الشخصيات الراحلة التي أصرّ حاج عبدالقادر أن يبقيهم – أقله – في الذاكرة أحياء .. أحداث وتجليات .. قداسات وأرواح تحوم في الأمكنة ومعان تتتالى وتبقى الكلمات تزخر بمعانيها البسيطة والصغيرة بمعالمها ولكنها بكبر وضخامة الجبال ، والأرواح تصرّ أن تهيم في عبق الوجدان .. لقد حمل كاتبنا هلوساته وتاه بها في عشق أرضه وشعبه ومدينته ، ليتوه هو ذاته ، وليضيع سنيناً طويلة في تحديد هوية عشقه الأزلي وكمعشوقة تأسطرت في ذهنيته حسب تعابيره، وعليها ارتكز في استجلاب المضامين وأسس حقيقة لوجدانية خاصة ببيئته .. هذه البيئة التي تملّكته وأصبحت هاجسه وتغذيه ليتدفّق منه ذلك الزهو الراقي عشقاً لمكانه ورقيا أسس لصيرورة عشق استدام رغم سنين الدهر الطويلة وهو خارج عن بيئته هذه :

لكنه استظلّ بعفوية درو

واستنجد بلسان أطاش

وابتهل مع نداءات قمو

وتغرّب لاجئاً بعيداً مع أرسي

وتغنّى مع العجوز يردّد هاي هاي ممو

واكتملت كلها كالبدر تضيء وتعتصر نشوة كالخمرة تتعتق من روحه

وأينعت في باكورة ملامحه كما شتلات النرجس تتازل .

بدايةً اسمحوا لي ؟ ودعوني وبكلّ سرور وتقدير أن أقف أمامكم وعبر صفحات جريدتكم المركزية أن أتواجه معكم كحزب يكيتي وجماهيركم فاأوجّه لكم أرقى التحايا النضالية ، ولأصارحكم تماماً عما انتابني من الغرور مرتين : أولها كان ذلك التكريم الرائع وكحلم كنت أخاله أن تتمّ في بلدتي ، ولكنها منظمة حزبكم هي من قامت بها ، شعور هالني وأدمعني من القلب ، واليوم ! وها أنتم من جديد وهاأنذا أستكمل معكم ذات المستوى وعلى صفحات أعلى منبر إعلامي عندكم فشكراً لكم من جديد .. وسأعود إلى الجدل والرد على أسئلتكم مشكورين على حرفيتها وجديتها

السؤال الأول :
في كتاباتك طغت المحلية بأمكنتها وأحداثها ، والشخوص ترتقي فيك لدرجة الهيمنة ولكن احياناً يحتار القارئ أيكما يتحكّم بالآخر الأحداث أم أنت ؟، كيف تعاملت ككاتب وكشخص مندس – حقيقي مع هكذا حالة . وماذا عنت / استطعت الخروج من شرنقة المحلية ؟

الجواب الأول :
نعم وببداهة أقرّ بأنّ المحلية طاغية على أعمالي ووسمت ببصمتها على جل كتاباتي ، لابل وارتكازاً على تلك المحلية سعيت وحلّقت بها كثيراً في فضاءات عديدة أحمل على ظهري – تي ركا غمو كولا – وأرسم من خلالها دموع شخوصي وضحكاتهم ، أوجاعهم ومعاناتهم ، الظلم والألم والموت والحياة ، أتلقط تلك الحيوات المتراكبة والمزدوجة ، الى درجة أبكي مع كل الحروف التي قد أكون أنا من أشكلها كتابة ، واتوه عبرها كمجنون أعطى لمخياله – مخيالي ملكات الجنون بكراكيبها ، وأبصم على مصداقية أي هراء فقط لأرضي الجنون فيزيد في تسعير هواجسي ، وهنا أنا سأتقصّد أموراً عديدة ولن أطيل : نعم أتعامل ككاتب وأتقمّص الإندساس الكامن بباطنية فشل فيها المرحوم ملا محمدي خليفة ، عبر قرونه الطويلة، وذلك في إيصال مكنونات كلّ كتبه بشروحاتها وتفاسيرها وإيضاحها أوغرزها كذهنية مفيدة لي – نا ..

ولأكن دقيقاً أكثر وبسيطاً في إجابتي : أجل ؟ إنّ المكان عشق والعشق امرأة قد تكون أماً حبيبة اختاً وهنا هي من ستبرز متلازمة المكان وصميميته كما كان ، والذي صار فيما صار بين درو وكاسان وليلان ثلاثية مشيمتها كان هو الحب خاصة حينما تأسطر عشقاً ، ولحظتها مهما جنت بدرو ذرات مخيخه سيبقى المكان كما هو مشيمة الأم أو قلب العاشق هو الحاضن والحضانة عمرها لن تثمر سوى حضانة منتجة ، وهنا علي أن أقرّ : انني عندما أخرج من عباءة محليتي سأكون ذاته من أدرك منذ زمن جد جد جد الامير ومع ترنيمات آطاش بأنني قد أفقد كلّ جذور الإنتماء لا البريق كما هي حالتي الآن ، اوالزوغان عندما أندمج بكليتي مع شخوصي فأتوه : عجباً ! من منا يكتب ؟ و من هو المكتوب عنه ، وباالمحصلة أستنتج وبالتراضي مع كلّ مجانيني أننا : كلنا يعبّر ويدوّن عن الآخر ..

وسأختصر : من لايبرع في التعبير عن محليته ، ومن لا يجعل منها المرآة ليعكس فيها عالميته سيكون صفر قيمة موازية من الإبداع ، وعليه فقد طفت ربوع العالم أحمل معي مجانيني الذين دوّنت وبهم افتخرت .. نعم : سأبقى اميناً وملتزماً بمحليتي ومصمم على تسخير ما ملكت يدي من منافذ الى العالمية فأصيغها قيمة مضافة لمحليتي الغنية والحبلى بالمآسي ..

السؤال الثاني :

الشعب الكُردي من الشعوب الغنية جداً بموروثها الذهني التراثي، وأنتم ممن يدعون الى جمعها وتوثيقها ، فهل من الممكن جمع ماتاه منها ؟

الجواب الثاني :

بالتاكيد نعم ، فالشعب الكُردي لايزال يصّنف من ضمن مجموعات الشعوب ذي الثقافة الشفهية، وقد استطاعت عبر الأجيال أن تحافظ على الإرث والموروث وتضيف عليها وتشذبها أيضاً ومن ثم تتناقلها وتوائمها مع الزمن المعاش، إذن فقد لعب التناقل الجيلي أي بين الآباء والابناء دوراً محورياً وساهمت في ايجاد صيغ للتصنيف والبلورة ومن ثم إضفاء أنماط المعيشة وتشكلات المجتمع ، وفي وقتنا الحالي بات الأمر يحتاج إلى تضافر جهود وعوامل كثيرة وتستلزم مجهودات ضخمة، تبتدئ مهنياً بالجمع الممنهج لكلّ الصيغ والانساق التي تروى، ومن ثم إخضاعها وفق منهج تطبيقي لعملية فلترة ومقارنة وتقاص مع علوم مساعدة عديدة ومختبرات ومختصون، وصدقوني بعدها سيتمّ الوصول إلى صيغ مقاربة تدهشنا معرفياً وتطبيقياّ وتقاطعاً مع أرقى الثقافات التاسيسية للوعي البشري وبخاصيتها الرافدية، أجل نسقيات من الطراز الأعلى لأساطير وايضاً عليا وفق الفهم العلمي لمصطلح – الأسطورة – وهذه النقطة هي الأهم كردّ عملي وتوثيقي على غلاة الشوڤينيين وتاكيداً ممنهجاً على انتمائية الشعب الكُردي لوطنه كُردستان وبخاصية النمو والإرتقاء الثقافي لبيئة ميزوبوتاميا .

السؤال الثالث :

– الجمع بين ثنائية ( السياسي – الروائي ) يحتاج إلى مجازفة وإرادة التحدي وهذا ما نلاحظه في منهجيتكم…كيف توفّقون بين هذه الثنائية ؟ وماهو الإرث الذي تستندون عليه كقاعدة انطلاق هذه المعادلة ؟

الجواب الثالث :

– بتصوري إنّ الأمر أبسط من هكذا بكثير ، فالسياسي قد يكون هو كاتب أو روائي وشاعر ، عكس الكاتب ، والمعضلة هي فيما إذا ما استطاع هذا الكاتب / السياسي الموازنة بدقة بين الخطين ، أي عدم الفرط في التحيز إذا جاز التعبير ، هذا الأمر الذي سيعيدنا الى أجواء القرن الماضي وسلوكيات النظم والاحزاب المؤدلجة، ولعلّ من أبسط مفارقات هذا الأمر هو فضاء الإلتزام والواقعية المفترضة أي أن تكون حزبياً مثلاً ام جماهيرياً ملتحماً لفضاء المجتمع وظاهرة القرد – المجتمع – الحزب – نعم لقد كتب غوركي رواية الأم وجعل من بافل وأمه أيقونة ولكن سخرهم كأدلجة متحزبة ، ولكن صالحة نسبياً لكلّ النسقيات ، ومع انهيار النظام الشيوعي بقي غوركي وظلّ بافل وأمه ، ولكن ذهب الحزب.

وهنا وباختصار أن تتصدّى لقضايا المجتمع وتلتزم بهمومه وتتبنّاه ، فسنلاحظ كيف أنّ المراحل تتغير سوى القيم بمعاييرها النضالية ، وستكون هناك التحام شخصاني عملي لا انفصام تراكبي ومزدوج . وعليه فأنا من الذين انهارت عندهم منذ زمن طويل مفاهيم الأدب المؤدلج – الملتزم – ودائماً احارب الأبراج العاجية ومصطلحات أو اتحادات علي عقلة عرسان وجابر عصفور و أتحاشى تماماً الشلليات الى درجة التوحد هروباً من هكذا تاطيرات .

– السؤال الرابع :

وليد عبد القادر السجين السياسي في عهد نظام البعث، مالذي أضافته هذه التجربة ( سجين سياسي ) على المزج بين السياسي – التاريخي في مجمل رواياتك ومؤلفاتك وحتى خطابك السياسي الذي لايخلو من الحيوية في الطرح والجرأة في النقد ؟

الجواب الرابع :

– بدايةً علي أن أقرّ بأنّ مشروعي الميثولوجي سباق لفترة الإعتقال وبداياتها تعود الى عام 1978 حيث بدأت بالترافق مع دراستي الجامعية ، بعد تقديمي بحث تاريخي لقسمي الجامعي، وخضت مجال التجميع وقدمت عدة مواضيع للجرائد الحزبية ، واستخدمت كثيراً من العناوين في قصصي وخواطري مع شروحات.

ولكن: كانت فترة الإعتقال ساحة صول وجول مع الأطر العربية النافية لاية وجود تاريخي لنا في كُردستاننا ، وهنا عملت شخصياً ويعلم زملائي في المعتقل على نسقين: جمع القصص والحكايا والملاحم وساعدني فيها الصديقان يونس حمي الشاعر ابو سربست والصديق دارا تيريش وفعلاً خرجت من السجن وبجعبتي عدة مواضيع منها زمبيل فروش – دراسة – ، أما النسق الثاني فكان ذاتياً اعتمدت فيها على مكتبة السجن فلم أترك كتاباً تاريخياً الا ولخصته.

وأتذكر بأنني تقدّمت بدراسة تاريخية موجزة عن الكَرد منذ فجر التاريخ رداً على الناصريين الذين ربطوا وجودنا بالمد السلجوقي .. لقد وضعت تجربة السجن الركيزة التي لا أزال أتمون منها مضافاً – لا أنكر – الإطلاع على مستجدات الميثولوجيا وباستمرار .. ان تتتأت أمام من يخاصمك معرفياً فستنهار وجودياً ، ولهذا فقد كان غالبية السجناء هم من يضعفون سجاليا معي ، وهذه بشهادة رفاق لازالوا يتذكرون ، ولا أنكر بأنني لازلت استند على ذات الاسلوب في غالبية اطلالاتي الإعلامية .

– السؤال الخامس :

منذ أيام قليلة كان هناك حفلة توقيع كتابين لكم – آرسي والآفاق المجهولة رواية – وملامح ميثولوجية وجهة نظر في الذهنبة التراثية الأسطورية الكُردية – وذلك في مسقط رأسكم بديرك…ماذا يعني ديرك وجداولها وتراثها وفلكلورها بالنسبة لكم ؟ وماهو الجديد المستقبلي والذي سينضاف للمكتبة الكُردية ؟

الجواب الخامس:

لعلها من أسعد لحظات العمر وسط هذا الهيجان المضطرب عالمياً ، كانت هي هذه المبادرة المركبة ، نعم المركبة قيميا ، ان تبادر منظمة حزب يكيتي الكُردستاني – ديريك ، ديريك مدينتي – بلدتي ملاعب طفولتي وساحات ذكرياتي .. و لحزب لازلت أرى نفسي فيه .. أقر وأعترف : كانت مفاجأة كبيرة لي وعنت الكثير ، والأهم أن يحضرها شاهد على الليالي الطويلة في المعتقل وأنا أكتب بعض من مباحث الكتاب الاهم ، رفيق المعتقل والصديق الوفي سكرتير الحزب المهندس سليمان اوسو ويتشارك معه صديق الطفولة والسنين الطويلة حسن جب .. لقد أدمعوا عيني جميعاً وأحسسوني كم مازلت فعلاً مقصراً بحق شعبي ومدينتي التي لم أستطع وعبر آلاف الصفحات أن أستفرغ جزءاً من ميموري الذاكرة .. شكراً لحزب يكيتي الكُردستاني .. شكراً لمنظمتهم في ديريك .. شكراً للصديق سليمان اوسو سكرتير الحزب ولنفيسة وحسن وعمر وليلى قمر ولكلّ جماهير ديريك ..

 

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 296

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى