آراء

الكتابة رسالة خير وسلام

نارين عمر
تكمن مهمّة الكتابة منذ نشوئها الأوّل في قيمتها الفنيّة والإنسانيّة التي تحمل أهدافاً نبيلة تسعى إلى تحقيق عالم خال من الحروب والقتل والظّلم، عالم ينعم فيه البشر بحدّ مناسب ومقبول من العيش الهانئ والتّعايش السّالم والآمن، لذلك نرى أنّ الكتّابة الحقة والسّامية تقف في وجه كلّ ما هو غير إنسانيّ وغير نافع وهي التي تكشف عن مكامن الشّر والظّلم في العالم وحتى إن لم تستطع إزالة كلّ هذه الأمور فإنّها تستطيع على الأقل رسم واقع نبيل لدى البشر يستطيعون من خلاله التّنزّه في فضاءات يحلمون بأن يلمحونها على أرض الواقع، ولاشكّ في أنّها وليدة حسٍّ وشعور وتكون بمثابة المتنفس للكثير عن الحالة النفسية والفكرية والوجدانية التي يعيشها ويتعايش معها الكاتب، ويحاول أن يخرج من خلالها تراكمات الكبت لديه وبأشكاله وأنواعه المختلفة والمتباينة، وطبقاً لهذا فإنّ من يكتب يأمل من خلال كتابته أن يخفّف من نفسه عبء تلك التراكمات ولو بشكل بسيط وطفيف وطبقاً لذلك لا بدّ أن يكتب بصدق وما يخلق في رحم معاناة لا بدّ أن يكون صادقاً وصحيحاً ولا أقصد بالمعاناة الحزن والألم والبكاء فقط بل قد نعاني من الحبّ والفرح والسّعادة، فتدفعنا معاناتنا منها وفيها إلى أن نبحث عمّا يعبّر عنها فنجد القلم خير معبّر عن كلّ ذلك متناغماً مع الفكر والمشاعر والوجدان. تتطلّب كلّ مرحلة منّا أن نكون قادرين على التواؤم والتّوافق مع مجرياتها وأحداثها بدقة وشفافية وأن نساهم في تثبيت إيجابياتها وحسناتها ونصوّب سلبياتها وسيئاتها ونساهم على رفع المعنويات مهما كانت الظّروف صعبة ومهما تكاثرت العراقيل والمصاعب، ولا نساهم في توسيع رقعة الأزمات أو تأجيج نار الخلافات، ونحن الآن ما نزال نمرّ بنفس تلك الظروف والأزمات التي عصفت بنا منذ سنوات خلت، وأثّرت فينا من مختلف النّواحي وعلى مختلف الأصعدة لذلك علينا أن نكون حذرين في تعاملنا معها وأن نسعى إلى التّوافق بين مختلف الأطراف والاتجاهات وأن نمنح الأولويّة للأمور التي تسير بنا نحو الخلاص وبرّ الأمان وألا نميل لهذه الأفكار أو الأطراف على حساب الأخرى إن لم تكن على صواب وإن لم تكن مع وإلى جانب توجّهات العامة وتسيّرهم نحو الحياة الأفضل والعيش الأكثر راحة وسكينة.

علينا أن نؤكّد على أن الاختلاف في وجهات النّظر والأفكار يجب ألا يخلق بيننا الخلاف أو ينشئ الشّجار المؤدّي إلى القطيعة لأنّ واجب الكتّاب تجاه المجتمع وقضاياه يدعوهم إلى أن يكونوا رسل الخير والسّلام ويدعوهم قبل كلّ شيء أن يتكاتفوا ويتفقوا فيما بينهم على أساس النيّة السّليمة والضّمير الحيّ وبهما سوف يتمكّنون من الوصول إلى الأهداف المرجوّة من كتابتهم، وهذا يذكّرنا بواجب آخر يجب أن يضعونه في اعتبارهم وهو انتهاج الطّريق القويم والمستقيم الذي يفترض أن ينتهجه الكاتب الحقّ والمقتدر وهو أن يخطو خطوات نحو التّواضع والبساطة كلما خطا خطوة نحو المجد والشّهرة وأمثال هؤلاء موجودون بيننا وهم مَنْ نعتزّ بهم وننعم بظلال آرائهم القيّمة ونصائحهم السّخية وقلوبهم المحبّة للجميع وهؤلاء وحدهم مَنْ يلجون نفوسنا وقلوبنا ويتربّعون عرش الاحترام والتقدير فيها، وهؤلاء هم مَنْ سيخلدهم تاريخ الكتابةِ الأدبية والفكرية والثقافية بأحرف من نور وضياء.

ليكتب كلّ من يريد الكتابة، وليستعرض عضلات قلمه وحسّه كما يحلو له والقرّاء وحدهم من يحكمون عليه بالجودة أو نقيضها، بالنجاح أو الفشل، بالمثابرة والاستمرارية أو الانقطاع الأبديّ وليلعب بعضهم الذي يمتلك ملكة النّقد البنّاء دوراً إيجابياً في مسار كتابته فيشجّعه على الكتابة، وليصوّب غلطه ويقوّم اعوجاج قلمه وضبابية مداده فإن كان فالحاً سيتجاوب مع ذلك ويحقق تقدّماً ملموساً وبسرعة قياسية، أمّا إن كان متطفّلاً على الكتابة والأدب فإنّه سيكتشف ضعف قدرته على الاستمرارية من خلال تعامل الآخرين معه مع الإشارة إلى أنّ الأمر بات في غاية الصّعوبة في الرّاهن وخاصة عبر السّنوات الأخيرة التي ولدت في خضّم الحروب والأزمات التي عصفت بالعديد من مناطق الشّرق الأوسط وغيرها من المناطق وظهور أعداد هائلة من النّازلين أو المقتحمين ساحة الكتابة والأدب والسّياسة وغيرها من السّاحات المفتوحة الآن عليهم والمسيّرة بيسر وسهولة لهم أو كما يظنّون ويتوقّون بعد أن كانوا يروها مغلقة وضيّقة أيضاً قبل هذه السّنوات المولودة حديثاً ما تؤثّر على مهمّة النّقد والتّقويم والبحث عن الجيّد والمفيد وتجعلها صعبة بل ومعقّدة.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٢”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى