الكرد والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة
فؤاد عليكو
منذ فترة ليس بالبعيدة، يقوم العديد من الشباب الكرد وبعض المثقفين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية الكردية والوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة، بشن حملة شرسة على الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، واتهامه بالوقوف وراء تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الإرهابي، ويطالبون المجلس الوطني الكردي بالانسحاب منه.
يستغل عدد منهم بذكاء بعض الهفوات الإعلامية التي صدرت من بعض الشخصيات المحسوبة على الائتلاف بقصد أو دون قصد أو بعض التصريحات الإعلامية من الائتلاف غير دقيقة التوصيف، متهمة وحدات حماية الشعب «YPG» التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي «PYD» بقيامها بتجاوزات وانتهاكات و(تطهير عرقي) أثناء سيطرتها على بعض المناطق ذات الغالبية العربية في ريف رأس العين الغربي وتل أبيض، وانتزاعها من تنظيم «داعش».
بالتأكيد فإن من يقف وراء هذه الحملة هي هذه الإمبراطورية الإعلامية الضخمة لـ «PYD» وحلفائه من منظومة المجتمع الكردستاني والذي يستهدف بالدرجة الأولى ليس الائتلاف الوطني السوري بقدر استهدافه للمجلس الوطني الكردي في سوريا، وجعله في عزلة تامة من المحيط العربي وإبعاد جماهيره عنه، كذلك إظهار «PYD» بأنه الحامل للمشروع القومي الكردي، والدفع باتجاه رضوخ المجلس لأجنداته الخاصة به، والسير على ركبه في تنفيذ مشروعها اللاوطني واللاقومي (الأمة الديمقراطية) ولتوضيح ما ذهبت إليه لابد من إيراد بعض الحقائق حول هذا الموضوع، وهذا التجييش غير المبرر ضد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة:
فالائتلاف الوطني تحالف عريض يجمع في طياته كل أطياف المجتمع السوري السياسي (الإسلامي المعتدل والليبرالي والقومي والديمقراطي والقوى الشبابية وممثلو الجيش الحر (كتلة الأركان)، ومن كل المكونات المجتمعية السورية العرقية (عرب وكرد وسريان/آشوريين) والدينية والطائفية (مسلمون سنة، علويين، دروز ومسيحيين).
كما يحظى باعتراف 114 دولة، وكان المحاور والممثل الوحيد لقوى الثورة السورية في مفاوضات جنيف2 مع النظام وللكتلة الكردية والمجلس الوطني الكردي دور مهم ومؤثر، فهو شريك أساسي في هيئات الائتلاف كافة، وهناك وثيقة موقعة بين المجلس والائتلاف تعتبر من أفضل الوثائق الموقعة مع أطياف المعارضة السورية حتى الآن مع الكرد، والتي تدعو إلى الشراكة الحقيقية في الوطن الواحد على قاعدة الاعتراف الكامل بالحقوق القومية للشعب الكردي ضمن إطار سوريا موحدة، وعلى قاعدة المساواة التامة في الحقوق والواجبات بعيداً عن عقلية الاستعلاء القومي أو المذهبي من أي جهة كانت، والعمل على بناء سورية ديمقراطية تعددية برلمانية مدنية وفق قاعدة اللامركزية الإدارية وعلى مبدأ (سورية وطن الجميع وتتسع للجميع).
إننا نعمل معاً وفق مبدأ (الوحدة في التنوع)، وعليه لا يخلو الأمر، ولن يخلو من وجود تباينات حول حادثة ما أو موقف ما في قضية معينة كما حصل في تحرير تل أبيض من تنظيم «داعش» الإرهابي، وما حصل بعدها من تداعيات على الأرض واختلاف في المواقف حوله، وهل ما يحصل على الأرض هو تجاوزات وانتهاكات موضعية لممارسة بعض المجموعات من قوات «PYD» على الأرض، وليس قراراً سياسياً من قيادة هذه القوات، كما عبر «PYD» نفسه عن حدوثها واعتذر لها، ونعتقد نحن والكثيرين من أعضاء الائتلاف بحدوثها، أم أنها عملية تطهير عرقي لمكونات المنطقة كما اعتقد البعض من أعضاء الائتلاف ذوو النزعات الإقليمية الضيقة!.
زاد من وتيرة الشحن القومي بعض الأقلام الحاقدة على الكرد والمطرودة من الائتلاف مثل بسام جعارة وكمال اللبواني وغيرهما، خاصة إذا علمنا أن «PYD» لا يملك مشروعاً قومياً ولا وطنياً ويحلم بالمدينة الفاضلة (الأمة الديمقراطية) لكل شعوب الأرض، وهو ضد أي تطلعات قومية كردية في الحرية والكرامة في أي جزء من كردستان، وتصريحات قادتهم في هذا الصدد غير خافية على أحد، ولا يخجلون من الإفصاح عنها صراحة، لكنهم في المقابل لاعبون مهرة في كيفية وطريقة استجرار عواطف الشباب الكرد للوقوف إلى جانبهم، وإظهار أنفسهم بأنهم حماة الشعب الكردي، مستغلين بذكاء تصريحات، وأقلام هؤلاء الأقلام العنصريين من العرب لتحقيق أجنداتهم ومآربهم الحزبية على حساب القضية الكردية، وبسواعد الشباب الكرد، وتحت حجة الدفاع عن الكرد، ولو كانوا صادقين في نواياهم لما ضغطوا على الحركة الكردية ممثلة بالمجلس الوطني الكردي ومحاربته بشتى الوسائل والسبل، كذلك التضييق على نشاطات الشباب الكرد وفرض أنفسهم كقوة أمر واقع على الشعب، وبتنسيق واضح وعملي مع النظام المجرم منذ 2011.
ومجزرة عامودا 2013 لن تمحى من ذاكرة شعبنا بسهولة، كما أن الهجوم على مكاتب الأحزاب الكردية والائتلاف ونهب محتوياتها بين حين وآخر، كذلك طرد الناشطين الكرد إلى خارج البلاد والتجنيد الإجباري للشباب الكرد مما دفع بالآلاف من الشباب إلى الهرب والهجرة للمجهول، كل ذلك يدفعنا إلى القول بأن «PYD» قد أساء للكرد في مشروعه أكثر مما تم من إساءة للعرب في المناطق العربية، لا بالعكس نلاحظ تمييزاً إيجابياً لهم والأدلة على ذلك كثيراً على الأرض في الجزيرة (الحسكة) ولا تحصى، خاصة مع العرب الذين استقدمهم حافظ الأسد (المستوطنين)، حيث يقدم لهم أفضل الخدمات والمساعدات ويشاركوهم في قواتهم العسكرية أيضاً، ومن المفارقة أن التصادم يحصل مع عرب المنطقة الأصليين شركائنا منذ مئات السنين في السراء والضراء، وهذا ما يدعو للتساؤل ووضع إشارات استفهام عديدة حول الموضوع.
هذا من جانب ومن جانب آخر يسعى «PYD» ومن خلال عدة قنوات مفتوحة التواصل مع الائتلاف، فهم يحاورون الائتلاف من خلال هيئة التنسيق منذ عدة أشهر لتوحيد مواقف المعارضة السورية، ولهم ممثل ضمن الوفد المفاوض لهيئة التنسيق ويبدي مرونة أثناء المفاوضات وهناك لقاء قريب في بروكسل، كما أن السيد عبد السلام وجنار صالح من قيادة حركة المجتمع الديمقراطي «TEV-DEM» قد جاؤوا لإسطنبول منذ شهر واتصلوا مع الكثيرين من قيادات الائتلاف وقابلهم بعضهم ورفض البعض الآخر استقبالهم، وكانوا يدعون إلى التفاهم مع الائتلاف، كما أن هناك الآن دعوة من رئيسهم صالح مسلم للحوار مع الائتلاف، ويدرس الائتلاف طلبه الآن، فأي مفارقة هذه تتهم الائتلاف من جانب وتطلب منه الحوار وتوحيد الموقف من جانب آخر.
طبعاً نحن نشجع هذا الاتجاه وندعمه ونأمل أن تتوحد كافة طاقات المجتمع السوري لبناء سورية جديدة يتمتع فيه كل المكونات السورية بالحرية والكرامة بدلاً من كيل الاتهامات جزافاً وتجييش الشحن العرقي بين المكونات السورية، ودفعهم باتجاه عداء مستديم بين الكرد، وباقي المكونات السورية خاصة المتجاورة أو المتداخلة معنا جغرافياً.
أخيراً لابد من التوضيح أن الائتلاف لم ولن يكون يوماً مع «داعش» وهم في صراع جدي مع «داعش» وفي عدة جبهات سياسية وعسكرية وإعلامية، ولا نقبل أن نكون في إي إطار نشعر به بأنهم يسايرون قتلة شعبنا –«داعش»-، يبقى السؤال إذاً لماذا كل هذا التجييش ما لم يكن المجلس الوطني الكردي مستهدفاً فيه، والغاية منه خلق شرخ بين الشارع الكردي وممثليه الحقيقيين في المجلس الوطني الكردي وليس الائتلاف كما يزعمون؟!!!.