آراء

الكورد رفاق الطفولة وحلم الدولة

د. محمد عرب

منذ نعومة أظافري، حين كنت طفلاً يتلمس خطواته الأولى في هذا العالم الشاسع ، كانت علاقتي بالكرد تنمو وتنضج معي كما ينمو غصن شجرة متينة وسط عواصف الحياة ، لا أذكر متى تحديداً بدأت هذه العلاقة، لكنني أتذكر ملامح وجوههم جيداً ، تلك الوجوه التي كانت تنبض بالنقاء والبساطة وتمتزج بعزيمة تتحدى كل الصعاب ، كنت أرى فيهم عائلة أخرى، مختلفة لكنها قريبة، قريبة بما يكفي لتصبح جزءاً من تكويني الإنساني.

في الحي الذي نشأت فيه، كان الأصدقاء الكرد حاضرين دائماً ، لعبنا معاً وتشاركنا ضحكات الطفولة وصراعاتها الصغيرة ،كنت أشعر بالفخر وأنا أتعلم كلمات من لغتهم، وأحاول ترديدها على مسامعهم بلهجة طفولية متعثرة، كانوا يضحكون، لكنني كنت أرى في ضحكاتهم احتراماً لما حاولت ،منذ تلك البدايات أدركت أن الكرد ليسوا مجرد أناس يعيشون بيننا، بل هم جزء أصيل من فسيفساء هذا الشرق بكل تقلباته ، يحملون حلماً يكاد يشبه أحلامنا جميعاً : الحرية والاعتراف بالحق في الحياة الكريمة.

مع مرور السنين، بدأت أفهم عمق قضيتهم أكثر وليس الأمر مجرد قصص تُروى عن نضال طويل أو حدود تُرسم بالقهر، بل هو شعور دائم يرافقهم بأنهم أمة تبحث عن مكانها في عالم يضيق بها رغم اتساعه ، أدركت أن الكرد ليسوا فقط ضحايا جغرافيا معقدة أو تاريخ مضطرب، بل هم شعب يملك من الحضارة والتاريخ والثقافة ما يجعلهم مستحقين لقيام دولتهم ، وأي حق أقدس من حق الإنسان في أن يكون له وطن يعبر عن وجوده وهويته؟

حين بدأتُ أعمل وأتنقل بين الدول حتى زرت 69 دولة ، كنت ألتقي الكرد في كل مكان ، كنت أجد في أعينهم الحلم نفسه الذي رأيته في أصدقاء الطفولة: حلم الدولة. حلمٌ متجذر في قلوبهم كأنفاسهم. رأيت فيهم قوة نادرة ، كيف يستطيعون الحفاظ على لغتهم وثقافتهم رغم كل محاولات الطمس والإقصاء ؟ كانوا دائماً متمسكين بجذورهم، كأنهم يقولون للعالم: نحن هنا، ولن نختفي

أؤمن بأن فكرة قيام دولة كردية ليست فقط حقاً للكرد، بل هي أيضاً حق للإنسانية جمعاء أن تشهد نهاية واحدة من أطول المآسي الإنسانية في التاريخ الحديث. أن ترى أمة تُعامل بكرامة وتحصل على ما تستحقه. فقيام دولتهم لن يكون تهديداً لأحد، بل على العكس، سيكون عامل استقرار في منطقة تعج بالصراعات، وشاهداً على قدرة الشعوب على تحقيق العدالة حتى بعد قرون من الظلم.

وعلى أعتاب الخمسين من عمري، وأنا أتأمل في هذه العلاقة الممتدة مع الكرد، أشعر بالاعتزاز لأنني كنت شاهداً على صمودهم وشريكاً في إيمانهم بأنفسهم. لم تكن رحلتي معهم مجرد علاقة صداقة أو مواقف داعمة، بل كانت درساً عظيماً في فهم معنى الإصرار على الحق. لقد تعلمت من الكرد أن الحلم قد يتأخر، لكنه لا يموت، وأن من يحمل هويته في قلبه لا يحتاج إلى إذن ليكون موجوداً…

أقف اليوم إلى جانب الكرد كما وقفت معهم دائماً ، وأقول بصوت عالٍ: إن العالم الذي يحرم أمة من حقها في دولة هو عالم لا يزال بعيداً عن مفهوم العدالة. فالدولة الكردية ليست تهديداً لجيرانها، بل هي جسر يمكن أن يربط شعوب المنطقة بمستقبل أفضل. إنها فرصة لبناء شرق جديد، قائم على احترام التنوع وحماية حقوق الجميع.

إلى أصدقائي الكرد، الذين كانوا رفاق طفولتي وشركاء أحلامي: استمروا في السير على طريقكم، لأنكم لستم وحدكم. حلمكم هو حلم كل من يؤمن بالعدالة والكرامة الإنسانية. وما دمت حياً، سأظل أدافع عن حقكم في وطن يجمعكم، لأنه ببساطة، الحق لا يُسلب، والحلم لا يُطفأ.

K24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى