الكورد في المعركة التفاوضية السورية
جان كورد / 28 كانون الثاني، 2016
معروف عن الكورد أنهم مقاتلون شجعان، حتى أن المؤرخين من شتى أنحاء الدنيا قد مدحوهم رجالاً ونساءً، إلاّ أن صمودهم البطولي في مواجهة إرهابيي داعش ومن وراء داعش، في العراق وسوريا، قد أفسح لهم مجالاً رحباً في الإعلام العالمي وفي السياسة الدولية، إلاّ أنهم – كما يبدو لي – ليسوا مقاتلين شجعان في ساحات الدبلوماسية، إذ كيف لا يوجه المبعوث الدولي ستافان دى ميستورا الدعوة للمشاركة في مفاوضات أو محادثات (جنيف) لحزبٍ يسيطر حسب تصريحات زعمائه على 16% من مجموع الجغرافيا السورية عسكرياً ويعتبر الطرف الأشد قتالاً ضد داعش، في الوقت الذي يجد المجتمع الدولي نفسه ملزماً بالحرب من أجل إبادة هذا التنظيم الإرهابي كلياً، والحرب عليه من أولويات السياسة لدولٍ عظمى اليوم.
ومن ناحية أخرى، يملأ أفواههم المدافعون عن سياسات هذا الحزب “الكوردي!” الذي ينفي عن نفسه “الكوردايتي” مدحاً ويتغطرسون قائلين: “حزب الاتحاد الديموقراطي ومن تحت جناحيه من وحدات الحماية الشعبية (و.ح. ش) ووحدات حماية المرأة (و. ح. م) وجيش سوريا الديموقراطية (ج. س. د) و … و … يملك القوة على الأرض ولا يستطيع أحد تجاهله!!!” فيشطب أسماء زعمائه من قائمة الدعوة إلى المؤتمر، وكأنهم ليسوا من أصحاب القوة والبأس الشديد في سوريا ولا يستحقون المشاركة في الجلسة الأولى لهذا الحوار الهام والخطير، في حين يقول مسؤولون روس وحلفاء لهذا الحزب بأن السيد صالح مسلم يمكن أن ينضم للمتفاوضين في مرحلة تالية، وفي هذا سخرية مريرة!!!
هل يعني هذا أن القوة العسكرية ليست كل شيء؟ أم أن هناك أسباباً أخرى لا تسمح لزعماء هذا الحزب بالمرور من نقاط السيطرة الأمنية التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية ومن ضمن جوقتها من عربٍ وترك على الطريق إلى جنيف؟
بعض المتندرين يقولون: “طالما يذهب إلى جنيف السيد عمر أوسى، نائب مجلس الشعب (كوردي)، فما الحاجة لصالح مسلم، وكلاهما غير مختلفان في الموقف حيال النظام.” وبعضهم يتساءل عن دور الدكتور خالد عيسى في وفد المجلس السوري الديموقراطي، وهو المحسوب سابقاً على الدكتور رفعت الأسد. ويجدر بالذكر أن وزير خارجية فرنسا (فابيوس) قد قال بصراحة بأن السيد صالح مسلم يمكن له الحضور ولكن من ضمن وفد النظام!!!. طبعاً هذا قد يزعج أنصار حزب الاتحاد الديموقراطي، ولكن عليهم السؤال عن السبب الكامن وراء إصرار الروس على حضور هذا السيد (الكوردي) لمؤتمر جنيف، ومعلوم أن الروس الذين من أولويات دخولهم الحرب في سوريا الحفاظ على نظام الأسد، يقصفون منذ شهور عديدة كل من يعادي هذا النظام الإرهابي، ويستثنون من قصفهم ذاك مقرات حزب الاتحاد الديموقراطي وقواته المحاربة “من أجل سوريا ديموقراطية لامركزية”. فهل هذا الاستثناء بسبب خوف روسيا من حزب السيد صالح مسلم؟
هل الكورد فاشلون في السياسة هذه المرة أيضاً، مثلما فشلوا في مؤتمر لوزان عام 1923 وكان سبب فشلهم آنذاك عدم قدرتهم على توحيد صفهم الوطني قبل المؤتمر…؟
هنا يجدر بنا السؤال حول نقاط هامة:
-لماذا يصر حزب الاتحاد الديموقراطي على الحضور باسم الشعب الكوردي، وهو ينكر كورديته أصلاً؟
-لماذا لا يساند هذا الحزب ممثلي المجلس الوطني الكوردي (السادة فؤاد عليكو، مصطفى أوسو والدكتور عبد الحكيم بشار) وهم كورد، وقادرون على تمثيل شعبهم أو على الأقل طرح مطالب مجلسهم وتصوراته عن سوريا المستقبل على طاولة المفاوضات أمام أنظار العالم الذي يؤيد الكورد اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى؟
-أين هي أحزاب “المرجعية!!!” الكوردية، وقادتها العظام مثل الأستاذ عبد الحميد حاج درويش والأستاذ محي الدين شيخ آلي وسواهما، ولماذا صمت مقبرة المرجعية؟
-طالما حزب الاتحاد الديموقراطي في هيئة التنسيق الوطني، فلماذا إهماله من قبل هذه الهيئة أيضاً؟
-إذا استمرت المفاوضات من دون حضور هذا الحزب، فكيف سيكون موقفه حيال نتائجها؟ هل سيستمر في سياساته الخاطئة التي أوقعته في هذه الورطة السياسية؟ أم سيعتذر للشعب الكوردي عن ارتكابها ويعترف بأن تصرّفه كتابع أمين لحزب العمال الكوردستاني (غير السوري) وكحليف غير معلن رسمياً لنظام الأسد هو السبب في عدم دعوته؟ وأن غطرسته العسكرية ورفضه التعاون والتنسيق مع المجلس الوطني الكوردي ومحاربته لمعظم قوى المعارضة الوطنية والديموقراطية السورية قد أوقعه في المطبة؟
-ماذا سيحدث إن هاجمت قوات البى يى دى وقوات النظام المنطقة ما بين نهر الفرات ومنطقة عفرين، مثل جرابلس والباب واعزاز؟ فهل سيستدرج الآبوجيون تركيا إلى داخل سوريا لمحاربتها كقوات مساعدة لحزب العمال الكوردستاني؟ كما نفهم من تهديدات السيد جميل بائق من قيادة حزب أوجلان الذي أعلن مؤخراً بأن حزبه سيفتح جبهات أخرى ضد الدولة التركية، والاحتمال الأهم هو استدراجها عسكرياً إلى سهل الموصل في العراق أو غرب الفرات في سوريا.
طبعاً، لا يريد النظام الأسدي أن يستمر الجدال السياسي حول سوريا في الأوساط الدولية لأن القصف الروسي يرهق قوات الثورة السورية ولا ينبغي أن يتوقف، كذلك فإن إيران لا تريد الخروج من سوريا فارغة اليدين، ومن أفضل الأساليب زج الكورد “المقاتلين الشجعان” في الحرب ضد تركيا، وعلى الأرض السورية بالذات لإفشال عملية الحوار والسلام. فهل حزب الاتحاد الديموقراطي سيطلع على شعبنا برواية جديدة عنوانها “إسقاط أردوغان أهم من إسقاط الأسد!” أو “عدو الكورد الأساسي هو تركيا، وليس إيران وسوريا والحشود الشعبية!” أو “واجبنا الأخلاقي هو الاستمرار في الثورة البروليتارية الأممية ضد الأوليغارشية المستبدة بشعوب تركيا!!!”؟
برأيي، وضع الكورد في غرب كوردستانهم سيزداد كآبةً نتيجة عدم اتفاق أحزابهم ووضع بعضهم مصالح النظام الأسدي فوق مصالح شعبهم، وهم كثر مع الأسف…