آراء

الكورد والكيل الذي طفح

جان كورد
11. November 2015 –
في البداية أود التذكير بأن “فاقد الشيء لا يعطيه”، وهكذا فإن الذين تربوا ونشأوا في ظل “القائد إلى الأبد” واعتنقوا عقيدته في الصراع الطبقي واعتبار العالم الحرالديموقراطي عدواً لهم، وشنقوا الحريات السياسية والمدنية بلا محاكمة، ويؤمنون بالتنظيم الفولاذي فيما بينهم، لا يمكن لهم أن يكونوا حملة مشاعل الديموقراطية لشعبنا ولا لأي شعبٍ آخر في منطقتنا التي سادت وتسود فيها جحافل الظلام والدكتاتوريات عقوداً من الزمن.
لقد تأسس حزب الاتحاد “الديموقراطي!” على أيدي كوادر متقدمة وأخرى دونها في حزب العمال “الكوردستاني!”، ومنهم السيد عثمان أوجالان، شقيق الرئيس الأبدي للحزب السيد عبد الله أوجالان، حيث يعترف الأوّل منهما بأنه حذف أو طالب بحذف تسمية الحزب الجديد بالكوردي أو بالكوردستاني، والذي مهمته تنحصر في “غرب كوردستان”، إرضاءً لنظام العائلة الأسدية التي أرادت ولا تزال تبدي التزاماً كاذباً بأفكار حزب البعث العربي الاشتراكي الرافض للقضية الكوردية والوجود الكوردي إطلاقاً، بل وتقرّباً من الطورانيين الأتراك الذين اعتقلوا السيد عبد الله أوجالان قبل تأسيس حزب الاتحاد الديموقراطي بفترةٍ من الزمن، وقد تم تصفية الكوادر المؤمنة بحق الشعب الكوردي في سوريا جسدياً أو سياسياً والتي أرادت فعلاً تأسيس حزبٍ كوردستاني – سوري على أنقاض الفكر الأوجلاني الذي تحوّل فجأة من “تحرير واستقلال كوردستان” إلى فكرة “الأمة الديموقراطية!!!”، منذ اعتقاله مباشرةً آنذاك. ومعلوم من خلال مراجعةٍ بسيطة لما كتبه وخطب فيه هذا الزعيم أنه قبل اختطافه من كينيا وتسليمه للسلطات التركية من قبل مخابرات أجنبية كان يعتبر الديموقراطية برقعاً ترتديه الإمبريالية لاستمرارها في اغتصاب ثروات الشعوب المقهورة، وهو لن يسمح لأحدٍ بالسعي لنشر الأفكار الرجعية في حزبه، ومن تلك الأفكار الدعوة إلى نظام ديموقراطي عوضاً عن نظام حزبه المؤسس على أساس الطاعة المطلقة للقائد والأفكار الأممية.
وإذا ماقرأنا “مانيفستو” حزب العمال الكوردستاني فسنجده مطابقاً لما نفهمه ونكتبه عن حزب العمال الكوردستاني ولا يخالفه، وإذا ما قرأنا برنامج حزب الاتحاد الديموقراطي وتصريحات قادته السياسيين فسنجد فيه التزاماً تاماً بأفكار ومدرسة وأطروحات السيد عبد الله أوجالان، بل إن صورته لا تفارق مجالس الحزب وندواته ومنشوراته وتلفزيوناته ومراكزه القتالية، وهذا يؤكّد لنا أنه حزب يستلهم عقيدته السياسية من مواقف وسياسات زعيمه، وليس مما تفرضه القيم الديموقراطية التي منابعها من خارج التنظير الآيديولوجي الأممي للشيوعيين. فماذا سيكون موقف الحزب إن تخلّى السيد أوجالان فجأة عن فكرة “الأمة الديموقراطية!” وطالب يالحرب على الكورد وكوردستان مثلاً، أو دعا إلى العودة للمصطلحات والتعابير التي كان أتباعه يرددونها سابقاً، ومنها “من لا يعمل من أجل حرية واستقلال الكورد وكوردستان بلا شرف ولا كرامة”؟ هل سيتبع الحزب “النهج الأوجلاني” أم سيتخلى عنه ويتخذ له نهجاً آخر؟
لقد رأينا من خلال متابعة مسيرة حزب الاتحاد الديموقراطي أنه ظل مخلصاً للأفكار الأممية أكثر من إخلاصه للقضية القومية الكوردية، فهو لن يتخلى عن “أوجلان” وعن النجمة الحمراء التي تمثّل الاتجاه الشيوعي كما أنه يمارس سياسة استقطابية وتنافرية، بل سياسة حزبية ضيقة الرؤى في المجتمع الكوردية، ليس كحزب سياسي “ديموقراطي” وإنما ككتائب مؤدلجة الفكر والحركة، وممارساته الداخلية ومع الجو السياسي من حوله لا تختلف كثيراً عن ممارسات “قبضاي الحارة” في المسلسلات التلفزيونية السورية.
معلوم أن “حق التظاهر” و”حق ابداء الرأي والإعلام” و”تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات الحرة” وكذلك “التعلّم غير الخاضع لأيديولوجيا معينة” حقوق أساسية في النظام الديموقراطي، لا يمكن لأي سلطة مدنية مؤمنة بالديموقراطية إنكارها أو رفض السماح بممارستها، مهما كانت الظروف صعبة وقاسية أو مؤدية لسيطرة كتل حزبية معارضة لها، إلا أن حزب الاتحاد الديموقراطي قد غمط شعبنا حقوقه المدنية الديموقراطية، إضافة إلى فرض الأتاوات والتمجيد المدرسي بالزعيم وإرغام الناس على التنازل عن منازلهم لأنصاره ومكاتبه وطرد المواطنين من مواطنهم واعتقال قادة الأحزاب الكوردية الأخرى وتجنيد الفتيان والفتيان غير البالغين، وزج الكورد في معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل إنه يظهر اليوم كحليفٍ لنظام الأسد الذي ترفضه عامة الشعب السوري وتحاربه بالسلاح.
يزعم هذا الحزب أنه على الضد والنقيض من تنظيم الدولة الإسلامية المعروف ب”داعش”، وبينهما حرب وسجال وحزّ رؤوس، أدت إلى تدمير مدينة “كوباني” الحبيبة، ولكن هل هذا الحزب على الضد من داعش حقاً، فماذا يفعل داعش؟ إنه يمنع الناس من ممارسة حرياتهم الدينية والسياسية، ويفرض على الناس أتاوات وجزية، وإنه يعتقل المواطنين ويقدمهم لمحاكم غير مؤهلة قانونياً، ويصدر الفرمانات والفتاوى حسب رؤيته الفكرية والسياسية، ويغتصب بترول الشعب، ويستولي على كاميرات الصحافيين ويؤذيهم ويسجنهم، إضافة إلى ممارساته الشاذة وتلذذ أعضائه وأنصاره في تعذيب المواطنين وقتلهم بصور وحشيةٍ مختلفة في التفنن والترويع. وفي الحقيقة فإن حزب الاتحاد الديموقراطي لا يذبح الأسرى ولا يبيع كريمات النساء، إلاّ أنه يطبق معظم ما يطبقه داعش في المنطقة الكوردية السورية باسم “الطريق الثالث”، ولا يحارب نظام الأسد بل يعاونه ويحافظ على تمثال حافظ الأسد في وسط أكبر المدن الكوردية، بل يمنع بيشمركة الكورد “السوريين” من دخول المنطقة الكوردية لمؤازرة ومناصرة مقاتلي وحدات الحماية الشعبية العائدة للحزب نفسه، ومعلوم أنه يمنع فتيات الكورد من الزواج الضروري لاستمرارية الحياة الاجتماعية الصحية لأنهن محاربات في جبهات القتال وليس طالبات طب أو هندسة أو علوم أخرى في الجامعات، وتصرفات الحزب بصدد التعامل بينه وبين الأحزاب الوطنية الكوردية مشين ومهين ديموقراطياً وقومياً وإنسانياً، وأبرز ما نراه هو موقف الحزب الأخير من تظاهرات المواطنين الذين لن يسكتوا بعد الآن عما يفعله أنصاره في المنطقة الكوردية، مثلما لم يسكتوا عن ممارسات الأجهزة الأمنية لنظام الأسد حتى من قبل أن تندلع ثورة الشعب السوري المجيدة. وبالجملة، فإن هذا الحزب يسيء إلى سمعة شعبنا كمكوّن مناضل ضد نظم الاستبداد.
إن على المثقفين التصدي لهذه السياسة الخرقاء التي ستجلب لشعبنا الويلات وستدمر أسس وجوده القومي في وطنه، والساكت عن الحق شيطان أخرس، والمنساقون بذرائع عديدة منها أن الحزب يحارب داعش سيجنون من تقاعسهم سخط الشعب،
وعلى الأحزاب الكوردية أن تقوم بواجبها التاريخي لا أن تتذرع ب”الأخوة” و”التوافق” و”الوطنية الزائفة”، لأن دعشنة المساحة الكوردية تحت يافطة “الديموقراطية الأممية” لن يضيف إلى شعبيتها الواهنة شيئاً بعد اليوم، فالشعب الذي تتحدث الأحزاب باسمه يتظاهر ضد ممارسات حزب الاتحاد الديموقراطي، حيث طفح الكيل كما تقول العرب، وما على الأحزاب سوى السير خلف المظاهرات إن فشلت في قيادتها والدعوة لها.
وفي الحقيقة، يمكن تجاوز هذا كله بسهولة، فإن تراجع حزب الاتحاد الديموقراطي عن غطرسته العسكرية ومحاولته إقامة نظام مستبد بدهان ديموقراطي زائف وحزبية ضيقة الأفق، وتحوّله من خلال مراجعة صادقة للأخطاء والهفوات والنهج العام إلى قوة ديموقراطية حقيقية، فهذا سيزيد من قوة سلطته التي لا يريد التراجع عنها، وإلا فإن مستقبله سيرتبط بمصير العائلة الأسدية الآيلة إلى الزوال كعائلة صدام حسين ومعمر القذافي، وهذا ما لا نريده لأحدٍ من السوريين سوى الخونة والشبيحة وخدم الاستبداد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى