آراء

الكُرد في ظل الإدارة السورية الجديدة

عبدالله كدو

الكُرد السوريون، في ظلّ السلطة الجديدة في سوريا، لم يُشرَكوا حتى الآن في المرحلة الجديدة، رغم التصريحات العامة للقيادة، مثل تصريحات الرئيس أحمد الشرع التي أكّدت أنّ الكُرد شركاء في سوريا الجديدة.

فسوريا، التي تتشكّل من موزاييك من القوميات والأديان والطوائف، تمّ حظر السياسة فيها لأكثر من ستة عقود، حيث تعاقبت عليها أنظمة قمعية، خاصةً خلال عهد نظام البعث الذي بلغ ذروة الاستبداد والفساد في مرحلة حكم عائلة الأسد.

جدير بالذكر أنّ الحكومات الاستبدادية المتعاقبة عملت على إجهاض النضال الوطني الديمقراطي للشعب السوري؛ لضمان استمرار حكمها. فبدأت بشحن وتأجيج الصراعات الداخلية بين الطوائف والقوميات في البلاد لإعاقة نمو الانتماء الوطني السوري الجامع، الذي تعتمد عليه وحدة الصف الوطني السوري.

على الصعيد الكُردي، غذّت تلك الحكومات النزعات العدوانية ضد القومية الكُردية التي تشكّل القومية الثانية بعد العرب من حيث التعداد والتوزع السكاني في سوريا.

وأوحت بأنّ الكُرد يشكّلون خطراً على وحدة سوريا ومستقبلها المزعومَين، بل وحتى على مصالح القومية العربية.

بناءً على ذلك، مورست بحق الكُرد سياسات التعريب (أي الانصهار القومي) والتهجير. وطُبّقت بحقهم إجراءات عنصرية استثنائية، من أبرزها مشروع الإحصاء الاستثنائي الذي جَرّد مئات الآلاف من الكُرد من جنسيتهم السورية، ومشروع الحزام العربي العنصري الذي استولى على آلاف الهكتارات من أراضي الكُرد في محافظة الحسكة لتسليمها لوافدين عرب تمّ جلبهم من خارج المحافظة لإسكانهم فيها وتهجير السكان الأصليين من الكُرد.

في سبيل الديمقراطية للبلاد ورفض الاضطهاد القومي، ناضل الشعب الكُردي بلا هوادة بقيادة حركته الوطنية الكُردية، منذ نهايات خمسينيات القرن الفائت. فكانت الانتفاضة الكُردية في آذار 2004 ضد سياسات نظام البعث الأسدي مقدمة للثورة السورية التي انطلقت في آذار 2011.

من نافل القول إنّ الكُرد قد شاركوا في الثورة السورية منذ بدايتها ، وانضمّ المجلس الوطني الكُردي – الذي يتمتّع بأوسع قاعدة جماهيرية بين الكُرد – إلى المؤسسات الثورية السورية الرسمية مثل الائتلاف وهيئة التفاوض.

والآن، بعد استلام الإدارة الجديدة برئاسة السيد أحمد الشرع حكم البلاد في المرحلة الانتقالية، لم يسمع السوريون سوى عبارات إعلامية عامة حول الكُرد، دون الإفصاح عن الوضع الاستثنائي لهذه القومية التي حوربت طويلاً، فيما كانت تمدّ يد الشراكة والتآخي فتتلقّى الحقد والبغضاء.

هذا علماً أنّ وثائق مؤسسات الائتلاف وهيئة التفاوض تتضمّن حلاً للقضية الكُردية كقضية وطنية، يتضمّن الاعتراف الدستوري بالهوية القومية للشعب الكُردي وحقوقه القومية بما تشمل اللغة والثقافة الكُرديتين. كما ينصّ-الحل- على وقف جميع القوانين الاستثنائية التمييزية التي نفذت بحق الكُرد – حصراً – وتعويض المتضررين من تبعات السياسات التمييزية.

ليس بخافٍ على المتابع للوضع السوري، ومنه الوضع الكُردي، أنّ العبارات الترحيبية العامة إزاء الكُرد كانت حاضرة أيضاً خلال حكم البعث ، لكنها ظلّت تحمل في ثناياها الإصرار على عدم الاعتراف بخصوصية القومية الكُردية واستحقاقاتها تحت يافطة “الوطن للجميع”.

تمّ النظر إلى المواطنين السوريين- عملياً – على أنهم مواطنون عرب لغةً وثقافةً وتاريخاً. وكلما طُرحت القضية الكُردية كانت هناك جمل جاهزة تقارن الخصوصية القومية للكُرد بالخصوصيات المذهبية لطوائف عربية سورية مثل الطائفة العلوية أو الدرزية أو الإسماعيلية أو المرشدية، التي تتكلّم بلغتها وتتمتّع بثقافتها العربيتين، متناسيةً حرمان الكُرد من لغتهم وثقافتهم وكل ما كان يجري من استهدافٍ للهوية القومية للكُرد الذين هم من أقدم شعوب المنطقة ويقيمون تاريخياً على أرض أسلافهم.

لا بدّ من التذكير بأنه على أرض الواقع لم يتناول إعلام السلطة الجديدة مظاهر اضطهاد المواطنين الكُرد على الهوية وحرمانهم من أبسط حقوقهم القومية. ولم تسعَ الإدارة الجديدة للقاء ممثلين عن الكُرد سواءً كمؤسسات سياسية أو شخصيات وطنية من المثقفين والسياسيين. ومؤخراً، عند تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للحوار، لم تضمّ اللجنة أي شخص كُردي، رغم تكرار العبارات الإعلامية العاطفية الفضفاضة عن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري.

وعليه لا بدّ من القول بأنّه آن الأوان لذوي الشأن في سوريا ،وفي مقدمتهم مسؤولو الإدارة الانتقالية للإفصاح عن موقف استنكاري واضح ومباشر لما لحق بالكُرد من اضطهاد استثنائي وتعريب ممنهج على يد الحكومات الاستبدادية العنصرية المتعاقبة.

كما يجب إبداء الاستعداد لمعالجة آثار تلك القرارات والمراسيم والممارسات العدوانية الحاقدة تجاه الكُرد بالتنسيق والتشاور مع الممثلين الحقيقيين للكُرد من السياسيين والمثقفين وقادة الرأي منهم، بعيداً عن الأساليب السابقة التي اتبعتها السلطات السابقة بالتعامل مع بعض ممن ينحدرون من أصول كُردية لكنهم بعيدون عن القضية الكُردية (أي الذين يعتبرون أنفسهم “أكراد السلطة” ممن ينتحلون صفة الوطنيين المناضلين الكُرد بدلاً من الممثلين الفعليين للقضية الكُردية العادلة).

فإنّ التغني بتقدير المناضلين الكُرد أمثال الشهيد “مشعل تمو” دون إيلاء تقدير عملي لرسالته التي تحمل هموم الكُرد وأساليب حل قضيتهم لا يكفي. فالشهيد “مشعل تمو” وأقرانه من المناضلين – الشهداء والمعتقلين والمغيبين والأحياء – لهم آراء ومواقف واضحة على مدى نشاطهم الثوري الممتد لعقود. بينما نجد أنّ نسبةً من السياسيين والمثقفين العرب السوريين يشيدون فقط بالجانب الوطني العام من رسالتهم، ويتجاهلون الجانب القومي الخاص بالقضية الكُردية فيها، علماً أنّ الجميع يؤكّد على أنّ القضية الكُردية قضية وطنية بامتياز!

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “329”

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى