الكُرد والقدرة على إعادة إعمار ما دمره حزب البعث والحرب في كردستان سوريا
عبد الحليم سليمان (بلند)
عضو جمعية الاقتصاديين الكرد- سوريا
لقد عان الكرد منذ سيطرة حزب البعث على مقاليد الحكم في سوريا من التمييز والاضطهاد ضدهم, ولم يختلف التمييز والاضطهاد السياسي عن الاقتصادي فكان الهدف منه واحد، وهو محاربة الكرد في سوريا وتشتيتهم والإضعاف من قواهم السياسية والاقتصادية لكي يسهل السيطرة عليهم وإذابتهم، وكانت البداية مع مقترحات محمد طلب هلال في دراسته عن محافظة الجزيرة (الحسكة) من النواحي القومية، الاجتماعية، السياسية، بتاريخ 11/12/1963. حيث ورد ضمنها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي في البند الرابع بأن تعمد الدولة إلى سد أبواب العمل أمام الكرد بحرمانهم من امتلاك الأراضي بعد عملية الإصلاح الزراعي حتى يجعلهم في وضع غير قادر على التحرك, وفي وضع غير مستقر مستعد للرحيل في أية لحظة.
وأخذ حزب البعث على عاتقه تنفيذ ما اقترحه هلال في دراسته، فتم حرمان الكثير من الكرد من الأراضي في عملية الإصلاح الزراعي (مشروع الحزام العربي) المشبوهة عام 1965، إضافة إلى ما يمكن اعتباره من فرض حصار اقتصادي على محافظة الجزيرة (الحسكة) بعد صدور مرسوم تشريعي في عام 1964 اعتبرت فيه كامل المحافظة منطقة حدودية فتم حرمانها من إقامة منشآت وشركات خاصة لمنع تشغيل الأيدي العاملة الكردية وتسهيل عملية تهجيرهم, هذه الظروف المفروضة من قبل حكم البعث كانت تخلق موجات هجرة كردية مع كل موسم جفاف إلى ضواحي دمشق وحلب حتى بلغ عدد الكرد في هذه المدن مئات الآلاف، ومع كل هذه السياسات لم يشف غليل البعثيين على الكرد، فلجأ رئيسهم بشار الأسد إلى إصدار المرسوم رقم /49/ لعام 2008 الخاص بالمناطق الحدودية والذي نتج عنه شل قطاع العقارات من بناء وبيع وشراء في مناطق كردستان سوريا وما تبعه من هجرة الأيدي العاملة الكردية التي تمتهن العديد من الحرف المرتبطة بهذا القطاع الهام والحيوي، فكردستان سوريا أصبحت بعد هذا المرسوم تحت حصار شامل غير معلن من قبل حكومة البعث في دمشق، والهجرة أصبحت في أشدها نحو المناطق الأخرى حتى وصلت إلى مرحلة انتشار المخيمات على إطراف العشوائيات في بعض ضواحي دمشق, ويمكن تلخيص الواقع الاقتصادي والمعيشي للكرد في سوريا في ظل سيطرة حزب البعث على الدولة والمجتمع بالنقاط التالية:
تراجع الدخل الزراعي والذي يعتبر المورد الأساسي لدخل المجتمع الكردي في سورية، حيث يمكن اعتبار الاقتصاد الكردي في سوريا اقتصاداً زراعياً في مجمله وذلك لصالح المستوطنين الجدد (المغمورين) في كردستان سوريا، حيث قدرت المساحة الممنوحة لهم والمقتطعة من الفلاحين والمزارعين الكرد بأكثر من 750 ألف دونم زراعي من الأراضي الخصبة.
استبعاد المناطق الكردية من عملية التطوير الصناعي، بحظر قيام شركات ومؤسسات فيها سواءً أكانت خاصة أم عامة، والهدف من ذلك هو منع تجمع رؤوس الأموال فيها إضافة إلى ما تتطلبه هذه الشركات والمؤسسات من أيدي عاملة، وخير مثال على ذلك هو عدم وجود مصفاة لتكرير النفط في حقل رميلان النفطي على الرغم من الإنتاج الغزير له بقدرة إنتاجية وصلت إلى أكثر من 235 ألف برميل يومياً، وانعكس هذا على انعدام الدخل لدى المجتمع الكردي من الناحية الصناعية.
استبعاد الكرد من العمل في الوظائف الحكومية بشكل ممنهج، فلم يتجاوز نسبة الكرد في أحسن الأحوال نسبة 20% من الوظائف في المناطق الكردية، في حين كانت الأفضلية للمستوطنين الجدد ولعرب المنطقة والمحافظات الأخرى، وذلك لزيادة نسبة البطالة بين الكرد التي كانت مرتفعة أصلاً وما ينتج عن ذلك من هجرة مستمرة للبحث عن مصادر للمعيشة اليومية.
حرمان القرى والبلدات والمدن الكردية من الخدمات التي تقدمها الدولة مقارنة بمناطق أخرى وخاصة بعد انتفاضة قامشلو عام 2004، ومثال على ذلك مدينة عامودا حيث تعرضت لإهمال كبير من جميع النواحي الخدمية، كما أنه إذا قارنا بين قرية كردية وقرية عربية تقع على مقربة منها سوف تجد فرقاً كبيراً في الخدمات المقدمة لهما، وذلك كله لمحاربة الشعب الكردي في مستوى معيشته والتأثير على تقدمه ومواكبته للحضارة والتقدم، إي بمعنى أخر تكريس الجهل والتخلف لديه.
فالمجتمع الكردي في سوريا نتيجة هذه السياسات التي استمرت على مدى خمس عقود وصل إلى الفقر وأصبح هم الإنسان الكردي تأمين قوته اليومي، إي أن المجتمع الكردي دخل الثورة وهو يكافح من أجل البقاء، والذي أخذ يزداد صعوبة مع فرض حصار اقتصادي على كردستان سوريا من قبل بعض القوى المعارضة وخسارة الكرد لجميع ممتلكاتهم في مدينة كوباني وقراها أثر تعرضها للغزو من قبل داعش، والتي تحتاج الآن لإعادة أعمار كل شيء فيها بعد التحرير، كما تحتاج جميع المدن والقرى الكردية إلى إعادة الأعمار لما تعرضت له من إجحاف وحصار خلال السنوات والعقود الماضية.
هذا الأعمار الذي يحتاج إلى أموال طائلة وجهوداً جبارة تتجاوز طاقات الكرد السوريين في الداخل والمهجر كما أنه يتجاوز طاقات إقليم كردستان العراق، فنحن بحاجة إذاً إلى المساعدات والمنح الدولية ودعم المنظمات العالمية التي تهتم بإعادة الأعمار بعد الكوارث والحروب، وهذا يحتاج منا إلى توفير الأرضية السياسية المستقرة في كردستان سوريا وإلى تشكيل لجان خارجية كفؤة تكون مهمتها الوصول والتواصل مع الدول القادرة على تقديم المساعدات ومع هذه المنظمات الدولية، وإني على يقين بأن كردستان العراق سوف لن يدخر جهوداً في مساعدتنا على الوصول إلى هذه الدول والمنظمات لما يتمتع به الآن من انفتاح على العالم الخارجي، وغير ذلك سوف نحتاج إلى عشرات السنين لإعادة أعمار جزء ما تم تدميره من اقتصادنا التي أصبحت كومة من الخراب.
22.02.2015