اللاجئون بين الاندماج والطلاق
محمــد رمضــان
ثمّة سؤال يؤرِّق كثير من القادمين الجدّد إلى القارة الأوروبية هذه الأيام وبصورةٍ خاصةٍ اللاجئين السوريين، حيث بات الطلاق سلوك أكثر منه ظاهرة؛ بل يكاد القول إنّ الطلاق أصبح جزءاً مكمّلاً لحياة اللاجئين، ممّا دفعني إلى إلقاء الضوء عليه في هذا السياق، فالزواج والطلاق ظاهرتان اجتماعيتان لهما أحكامهما وقوانينهما الناظمة لهما في كلتا الحالتين على حدة منذ بدء الخليقة، لما لهما من آثارٍ وانعكاساتٍ تتعلّق بحياة الكائن البشري، كغريزة الاستمرار والتكاثر والحفاظ على النوع، كما أنهما تتعلقان بالغرائز والدوافع البيولوجية الأصيلة في كينونة الفرد البشري.
بيد أن الأولى أي الزواج تمتاز بالديمومة والاستمرارية في تطوير العلاقات الاجتماعية والمجتمعية لتجمعات البشرية، ممّا جعلها تلقى الاستحسان لدى الضمير الجمعي للجماعات البشرية، بينما الأخرى أي الطلاق، تمتاز بالشذوذ وتتصف بظاهرة الاختلال المجتمعي تبعاً لمعطياتها ومخرجاتها المؤثرة على نمطية العلاقات الاجتماعية المجتمعية، لذا تُجابَه بالاستهجان والاستنكار من قبل العامة، ولا سيّما في المجتمعات المتميِّزة بالسلطة الذكورية والمقدِّسة لشرعية الذكور في القوامة والإنفاق على الأسرة، فتاريخ التطور الطبيعي للبشرية يعطي ظاهرتي الزواج والطلاق أهميةً بالغةً بما لهما من مؤثّراتٍ على نمو الجماعات البشرية والتنمية والرخاء و الرفاه الاجتماعي، كونهما يدخلان في صلب المنظومة القيمية المتعلّقة بالأعراف والعادات، والمانحة للمحتوى الأخلاقي والقيمي العرفي المستحَق لكلِّ جماعةٍ على حدة، أي المبادئ الأخلاقية السامية.
ونكاد نجزم بأنّ معظم القوانين والتشريعات الإلهية والوضعية اعتبرت عقد الزواج عقداً غيرّ منحلٍ وغليظاً يمتاز بالعمق الأخلاقي عدا كلّ العقود المتعارف عليها في الثقافة البشرية التي تمتاز بالتوقيت والشروط المتفق عليها في الحلّ وإعادة العمل به، وتباينت القوانين الوضعية عن الإلهية بأنها منحت المرأة حقّ طلب فض الزواج أو الطلاق كما عليه الحال في القانون الروماني المأخوذ من الألواح الإثني عشر، وكذلك الحال بتشريع الزواج المدني الذي منح حقّ مساواة المرأة بالرجل بما فيها قضية الطلاق والحقوق والواجبات، فيما استفردت التشريعات السماوية بميّزةٍ خاصةٍ وهي منح أو إضفاء نوع من القداسة على هذا العقد وجعله عصيّاً على الفضّ بصورةٍ مزاجيةٍ إلّا بشروطٍ موضوعيةٍ تراعي جميع الظروف السيكولوجية المصونة لكرامة الفرد البشري على حدِّ سواءٍ، الذكر والأنثى.
فالمسيحية حاولت زرع الروادع الذاتية لدى الفرد باعتبار أن المطلِّق والمطلّقة في حكم الزاني والزانية بغية الحفاظ على أبدية العقد، لذا لم يكن الطلاق ثقافةً شائعةً في العهد الكنسي الأوروبي، بالمناسبة كان الطلاق أوّل ظاهرةٍ اجتماعيةٍ أدّت إلى الانشقاقات والصراعات داخل المؤسّسة الكنسية، أمّا الفلسفة الإسلامية حينما شرَّعت الطلاق أسمته أبغض الحلال إلى الله، أي حلال بغيض أقرب إلى الحرام، وهو المأخذ نفسه من أجل زرع الروادع الأخلاقية في ذات الكائن البشري في المرحلة الأولى، ومن ثمّ وضع التشريعات اللازمة التي جعلت من الطلاق قضية تنفيذية وإدارية في غاية التعقيد والتشابك ولكلِّ مخرجٍ من مخرجات هذا العقد أحكامٌ وشروطٌ كفيلةٌ لتحقيق الإنصاف المادي على أقلّ تقديرٍ مثل النفقة والحضانة والأتعاب.
بالمناسبة هذه الظاهرة حظيت بالنصيب الأكبر من البحث والاجتهاد لدى المؤسسة الفقهية والتشريعية الإسلامية كقضايا الميراث والعدّة والمهر والضرر المتعلقة بظاهرتي الزواج والطلاق ولكن التعقيدات التي أحدثها تسارع وتيرة الحياة على كافة الصعد ألقت بظلالها على طبيعة العلاقات الاجتماعية المجتمعية، ممّا أصبحت حتى القوانين عاجزة عن السيطرة في قضية الطلاق، في حين المؤسسة الفقهية الإسلامية معطَّلة عن الاجتهاد تماماً، الأمر الذي أحدث نوعاً من الفوضى الظاهرة، وخاصةً بعد انتشار النزاعات المسلّحة على مساحة ثلث الكرة الأرضية، وما رافقته من موجات النزوح واللجوء إلى مناطق ومساحات جغرافية مختلفة فيما بينهما عرفاً وقانوناً وسلوكاً.