اللغات تعكس القيم والثقافة المجتمعية
زهير علي
في يوم اللغة الأمّ أريد الإحتفال به بهذا المنشور آملاً أن أكون قد أضفت مايضيء على لغتي الأم.
قرأت في كتب المستشرقين أنّ اللغة الكُردية لا يوجد فيها مرادفة تعني البغاء ..
من قراءاتي في السنتين الأخيرتين وجدت أنّ اللغة الكُردية لايوجد فيها مفردات عبد ومعبود ومعبد وعبادة..
يعتقد الكثيرون أنّ كلمة kole تعني عبد و koletì تعني عبودية.. وبرأيي هذا اعتقادٌ خاطئ .. لأنه ببساطةٍ لا يمكن أن نشتقّ منها كلماتٍ تحمل معنى معبود و معبد ..
كلمة kole هي المنطقة بين الأكتاف ويقال:
Bar giranê li ser koli
وحين حمِل شيءٍ ثقيل على منطقة ما بين الأكتاف ذلك يؤدّي إلى حني الرقبة والرأس وهذا في اللغة هو الرضوخ
أي أنّ كلمة kole تعني رضخ ولا تعني عبد، لذلك بتصريف الكلمة لا تتشكّل كلمات معبود و معبد ..
مثلاً: حاشا للخالق أن يسمّى kolevan أو koledan.
أما كلمة yazad التي ترد في الأفيستا ومنها yazid و yazidan فهي تعني التبجيل والمبجّل. لأنه ببساطةٍ لا يمكن أن نشتقّ منها كلمةً تعني عبد تماماً مثلما أنّ اللغة الكُردية لاتعطي من كلمة kole اسم معبود ومعبد.
كلمة yazad هي أول اسمٍ من أسماء آهورا مزدا المئة و واحد اسم وتعني المبجّل. و التبجيل يشمل اهورامزدا وكلّ شيءٍ خيّرٍ في الكون من ينابيع المياه والشمس والقمر واامطر وكلّ ما يخلقه آهورامزدا.
إذا قمنا بتصريف كلمة kole نجد المرادفات التالية
Kole / koleyi / koleyin yan kolin / koletî /
kolebun
وكلمة yazad او yazid الفرق بينهما أنّ المقطع za مرةً هي فعل ومرةً هي أسم فاعل وتصريفها
Yazid / yazidi / yazidìn / yaziditî
اللغة الكُردية لا يوجد فيها كلمة عبد ومعبد ومعبود لأنّ عقائد الكُرد من الزرادشتية و الميثرائية كانت تحرّم العبودية وتحرّم بناء المعابد وهذا ماذكره المؤرّخ الإغريقي هيرودوت إنه لم يجد في ميديا معابد .. وعلماء الأثار في العصر الحديث لم يكتشفوا أيّ معبدٍ يعود للعهد الميدي ويقول ذلك فراس سواح . لأنه وفق عقيدة الأفيستان أنّ كلّ إنسان يحمل قبس من نور آهورامزدا بداخله ولا يستوي المنطق أن يكون قبس نور من آهورامزدا عبد لقبس نور آخر منه أو أن يُشترى ويُباع قبس النور.
في الأفيستا نجد أنه حتى العلاقة بين الإنسان و آهورامزدا الخالق هي ليست علاقة عبدٍ بمعبودٍ بل هي علاقة أبٍ بأولاده تستوجب التبجيل لا العبادة وهي بكثيرٍ من العبارات تحمل معنى علاقة الصداقة لأنّ آهورامزدا خلق الإنسان ليساعد قوى الكون الشريفة الأربعة ( çar xa felekê) *في هزيمة الروح الخبيثة انگرامايينو.
لذلك كان البغاء والعبودية و كلاهما بنفس المضمون لا يعرفهما المجتمع الكُردي و الامور التي لا يعرفها المجتمع، لغته لا تشكّل لهما مردافات، واليوم إذا أردنا تأليف كلماتٍ بمعنى بغاء وعبد و معبد لو يجتمع كلّ علماء اللغة الكُردية سيعجزون عن ذلك. علماً أنّ اللغة الكُردية واحدةٌ من اللغات الخصبة في العالم بتشكيل المفردات الجديدة.. لأنها لغةٌ إشتقاقية و لصقية و عازلة معاً وهذه تمنحها القدرة لتشكيل عدد كلماتٌ ومفرداتٍ لا حصر له.
مصطلح çarxa felekê* سأكتب في الأيام القادمة عنه منشوراً، وحقيقةً يحتاج أن يُكتَب عنه كتابٌ.