آراء

اللغة الكردية في كردستان ’’ تركيا ’’ إلى الزوال

محمد رمضان
رغم أن حركات التمرّد والعصيان لم تهدأ في كردستان تركيا منذ العشرينات من القرن الماضي ضدّ الحكومات المتعاقبة بدءاً بالإمبراطورية العثمانية ومروراً بالدولة التركية الحديثة، بيد أن تلك الثورات لم تحقق أي مطلب من المطالب التي قامت من أجلها، سوى جلب المآسي والفقر للمجتمع الكردي، الامر الذي جعله فريسة سهلة أمام موجة ’’ التتريك ’’ الممنهج.
وبرغم تعدّد المحاولات والدعوات لم تتمكن الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنوادي الثقافية الكردية من الحفاظ سوى على الحدّ الادنى من الثقافة واللغة الكرديتين من براثن التريك، عدا المحاولات الخجولة المقتصرة على المشاريع الشخصية للمهتمين ، ربّما هذا المشهد يستدعي دراسة ماهية اللغة وعوامل الانقراض ولا أعنقد أنه من المجدي طرح الرؤى بالصورة الشخصية والفردية لذا سنترك السؤال مفتوحاً، فاللغة هي وسيلة وأداة التواصل والتفاهم فيما بين أفراد الجماعات والتجمعات البشرية وبنفس الوقت الوعاء المتراكم التاريخي للشعوب والقيمة الأخلاقية العظمى لمفهوم الانتماء، وتكمن أهميتها في القدرة على التعبير لشتى مناحي الحياة المتعلقة باحتياجات الكائن البشري،  كون الأفعال والأعمال تعتمد في المرحلة الاولية على خاصية التنظير والتعبير والفهرسة.
ولا يخفى علينا أن الديباجة لاتقلّ أهميةً عن المتن في الحقل الفكري، فاللغة ينبغي أن تواكب معطيات التطور، والخصائص اللغوية بمثابة اللبنة الاولى لبناء الشخصية الانسانية المتباينة ثقافياً وأخلاقياً وعقائدياً عن سواه، بينما الجوانب السيكولوجية المتعلقة باللغة تأتي في المقام الأول روابط الألفة والتكاتف والتعاضد والتعاطف بين أفراد الجماعة الواحدة ،وتاأتي اللغة في مقدمة المقومات الأساسية للشعوب كما أسلفنا الذكر مفهوم الانتماء، فاللغة المعبّرة والغزيرة بالمفردات والتنوع النحوي تعبّر عن حيوية وتقدم الشعوب ، وتعكس الدلالة البنيوية للانتماء، وهي آية من آيات الله في قوله،، اختلاف ألوانكم وألسنتكم ،، الالسن أي اللغات، بينما الاصطفاء والتطور الطبيعي للتاريخ البشري أدّى إلى انقراض العديد من اللغات بيولوجياً أو تقنياً نتيجة عوامل الحضارة وجفاء النخبة عن انتمائها البيولوجي، وباعتقادي انقراض اللهجات نعمة ورحمة من الله بعباده كونها تقلل من عوامل التفكك والصراع بين التجمعات البشرية ذات الاصول العرقية الواحدة.
فاللهجات باعتقادي ليست دلالة على قوتها بقدر ما هي مسببات لانقراضها، وتتمايز أسباب الانقراض من حقبة تاريخية الى اخرى ، فالمرحلة الاستعمارية والاحتلالية المباشرة أدّت إلى انقراض العديد من اللغات في أفريقيا وهي نتيجة طبيعية كون الاستعمار يشيع حالة من اتعدام الثقة باللغة المحتلة بين الناطقين بها، ويتم عبر مراحل عديدة ، فالمرحلة الاولى يقتصر الحديث بلغة المستعمر على الفئة المصنفة بالعملاء، ريثما يؤثر الغزو الفكري على الثقافة العامة من خلال نعت وتوصيف اللغة بخصائص قميئة ،كالمشجعة على الجهل والرجعية ودمغ أصحابها بالهمجية والغباء، كالحالة الكردية ونعنهم باتراك الجبال، وبالتالي تحدث صراعاً وتنافساً في بنية المجتمع كون السعي لتحقيق الذات يقترن باتقان لغة المستعمر، وإهمال اللغة الام الأخذة بالاندثار والانقراض تدريجياً، ومن العوامل المساعدة على الانقراض أيضاً.

الثورة التكنولوجيا والعولمة التي ساهمت بفعالية بالغة لإضعافها كون اللغة التقنية والملبّية للاحتياجات الانسانية تصبح أساساً للتنافس وتحقيق النجاحات، ممّا تجعل اللغات الخاملة عاجزة أمّا التطور العلمي والمساهمة في تطوير الذات للالتحاق بسوق العمل خاصة اقتصاديات الدول الكبرى المعتمدة بصورة أساسية على الأتمتة، مما يجعل اللغة في المقام الأول، برغم كل ما ذكرنا لدي المنظمة الأممية،،،يونسكو ،تصنيفات عدة للانقراض، ما يهمنا من التصنيف (اللغة المهددة بالانقراض بشدة )وهي اللغة التي تتحدّث بها الأجيال الكبيرة دون الاطفال، الامر الحاصل في تركيا منذ أمد طويل بالنسبة للناطقين بالكردية، وأُضيفت لها محرضات أخرى على الانقراض، وهو التحول الأيديولولجي التركي الذي ساهم بقوة في هذا المنحى، بحكم أن التوجه العام تحول صوب الايمان بالتعددية، وبناء دولة المؤسسات وتكافؤ الفرص وتغليب الجانب العقائدي الديني على الجوانب الأخرى، ممّا جعله تبريراً للباحثين عن الذريعة أصلاً للتملّص من لغة الام التي أصبحت عالة عليهم نظراً لانعدام المؤسسة التعليمية المهتمة باللغة الكردية ، حتى الاتقان لم يعد يحقق لهم فرص العمل والتنافس في الكيان الاقتصادي للدولة مرافقاً بحالة الفتور للعصبية العرقية، فللغة التركية هي الوحيدة المؤهلة لإثبات الذات داخل الكيان العام اقتصادياً وفكرياً واجتماعياً، فلا يجد داعياً لتحمل عبء لغة اضافية.
أمّا في مرحلة ما قيل تحول الصراع العرقي والعنصرية غير المقننة كما عليه الحال ،كان الدافع الوحيد للحفاظ على اللغة الكردية التعصب، نوعاً من المقاومة الصامتة حيال الاستعمار والاحتلال، مثلها مثل سائر المناطق الكردية المتوزعة بين سوريا والعراق وايران ،، والتي جاهدت للحفاظ على لغة الام كونها باتت الوحيدة في الخفاظ على كينيوته المهددة بالابادة اللغوبة عرقياً وبيولوجباً ، بينما اختلف الحال في المناطق ذات الطابع الصراعوي الطبقي والعشائري، وظهرت عوامل أخرى مساعدة على حمابة اللغة من الانقراض الكلّي، ومن تلك العوامل الحالة السلوكية والمنظومة القيمية والأعراف، فالحديث بلغة اخرى كان نوعاً من الأرستقراطية وجانباً من تجليات التفاوت الطبقي ،وبالوقت ذاته كان أمراً مثيراً لازدراء العامة الكردية، وباتت اللغة سلاحاً في مضمار الصراع الطبقي في الحالة الكردية، فالانسلاخ الطبقي والعبث بتدرج السلم الطبقي، اعتمد على اللغة ولا شي آخر للحالة الكردية، ممّا حافظ على اللغة من الانقراض الكلّي، حتى سياسات التهميش والإقصاء للأنظمة الغاصبة للجغرافيا الكردية ساهمت بدورها في الإبقاء على اللغة الكردية بصورة شفهية آخذ بالانقراض مع تظافر شتى العوامل المحرضة والمساعدة على الانقراض.
جميع المقالات المنشورة تعبر عــن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عــن رأي يكيتي ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى