آراء

اللغة والهوية

إبراهيم اليوسف
ثمة حوار ساخن بات يطرح من قبل عدد غير قليل من الكتاب الكرد، الذين يكتبون بلغتهم الأم، يقللون خلاله من شأن تلك الكتابات التي تكتب بلغة غير اللغة الأم، وذلك على نحو تكاد تراه مفتعلاً بعض الأحيان، وذلك لدوافع تكاد لا تتعلق- من وجهة نظري- إلا بهواجس ذاتية لدى بعضهم، وتحديداً في ما يخص القيمة الفنية لكتابات قسم منهم، مقابل ما يكتبه بعض الآخرين، وهي مسألة مقدرة، لأن الكتابات الكردية تظل مهمة بنظري، حتى ولو كان المستوى الفني لبعضها متواضعاً لأن الكاتب الكردي يحفر في منطقة- بوار- غير محروثة من قبل بالشكل اللازم، ناهيك عن ظروف الحصار على اللغة والأدب الكرديين حتى اللحظة، لاسيما من قبل بعض المنابر القوموية التي ماتزال تواصل سياسات التمييز العرقي، ضد الكرد، تحت هذه الذريعة أو تلك.
وحقيقة، فإنه إذا كنا ننظر بإنصاف لما يكتب كردياً باللغة الأم، فإن هناك الكثير الذي يمكن الذود خلاله عن الكاتب الكردي الذي يكتب بغير لغته الأم، طالما إن لغته ظلت ممنوعة، مقموعة، غير معترف بها، وغير مقروءة، بل إن ثقافته التي شكلها كانت عبر أداة لغوية أخرى، هي التركية أو الفارسية أو العربية، ناهيك عن أنه تمرس على الكتابة بغير لغته الأم، ولعلنا إذا طلبنا من عدد ممن أبدعوا كتابياً بغير لغتهم الأم بأن يكتبوا بها، لما تمكنوا من تقديم ما يعتد به.
وهنا فإننا أمام كاتبين كرديين يكتبان بغير لغتهما الأم، أولهما يتبنى روح إنسانه، وهمومه، وتطلعاته، ويربط إنتاجه الكتابي بقضية شعبه، وثانيهما يكتب ما هو عام، بعيداً عن جرح إنسانه، وتطلعاته، وأحلامه، فإن النموذج الأول من الكتابة ليعد أدباً كردياً حتى وإن لم يكتب باللغة الأم- فاللغة في الأدب أداة لكنها لدينا الكرد باتت الآن قضية- وإن النموذج الثاني من الكتابة لا علاقة له بالكردية إلا من خلال الانتماء العام للكاتب الذي لا يمكن لأحد أن يجرده منه، إلا إذا شاء هو ذلك، وثمة كتاب كرد يكتبون بغير لغتهم، كما إنهم لا يعدون أنفسهم كرداً لهذا السبب أو ذاك، وهو شأنهم، فالانتماء القومي. الانتماء إلى الهوية هو خيار، لا وراثة، وإن كان يحق لنا نقد هؤلاء سياحياً، من دون أن يكون لنا الحق في مصادرتهم لخيارهم، لاسيما وإنه في المقابل ثمة من هو غير كردي، كما يمكن أن يقال بيد أنه ليعد نفسه كردياً في خط الدفاع الأول عن شعبه، نتيجة إحساسه بشرف هذا الانتماء، وهو خياره وإذا كنت قد لجأت إلى موضوعة ثنائية العلاقة بين الهوية واللغة إلى مجرد مثال الكتابة باللغة الأم أو غيرها، فلكي أجعل منها مدخلاً للإجابة عن هذا السؤال: ما العلاقة بين اللغة والهوية؟
من جهتي أرى أن الهوية واللغة لا تنفصلان، إلا إن عطب سمة اللغة لدى أحدنا نتيجة ظرف سياسي، عابر، لا يمكن له أن يلغي سمة الهوية، كما أن الحالة الكردية تظل مستثناة نتيجة جملة الاحتلالات التي تعرضت له خريطة الشعب الكردي فبات مغترباً عن لغته.
كما أنني أرى أنه في الحالات الطبيعية فإنه من لمن اللزام علينا تعليم وتعلم لغتنا الأم، ولعلي أسوق مثالاً على ذاتي: كتبت بغير لغتي الأم- وأنا أحب اللغة العربية طبعاً- وذلك لأنها اللغة التي تشكلت بها ثقافتي، بالرغم من أن لي كتابات باللغة الكردية في مطلع شبابي، لكن إمكاناتي الكتابية كانت دون إمكاناتي في اللغة العربية، وما فعلته هو أن وفرت لأبنائي وبناتي إمكان تعلم لغتهم الأم والكتابة بها، وهو ماحققه أكثرهم.

 

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “٢٧٢”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى