آراء

المثقف الكُردي.. وشعور الغبن المقيت

عمر كوجري

 

في منظور الدول والمجتمعات وحتى الجماعات دائماً، ثمة تعويل على شريحة معينة هي صفوة المجتمع تحمل على عاتقها وزر تطور ورقي هذا المجتمع، كما أن هذه الشريحة ترصد باقتدار المثالب التي تعرقل أي تطور راهن أو هو في طور التشكّل، وعلى الدوام المثالب في البداية تكون قليلة لكنها إن لم تجتث في حينها، ولم تنشف من جذورها حتى لا تعود للظهور من جديد بشكل ولون جديد.

بوصلة الشعب الكوردي في أجزائه الأربعة، ودليله إلى غد أفضل ومنجاته من طويل ليله، سيبقى المثقف الذي آلى على نفسه أن يكون وجدان وضمير أمته الكوردية التي تقترب من الانبعاث والتجدد والإحياء بعد عهود وعهود من البقاء في عناية الظلمة الحالكة، وامتهان الكرامة، رغم أن هذه الأمة العظيمة لم تدخر جهداً في سبيل يوم مشرق أخاذ لها، وقدّمت على مر التاريخ الطويل قوافل الشهداء على مذبحة الحرية، وظلت تضخ دماء زهورها وينابيعها حتى فازت ببعض الضوء والإشراقة منذ عشرين عاماً ونيّف.

وماتزال هذه الأمة العظيمة تبحث دون كلل من أجل أن تلم ذاتها، وتنتشل روحها، روحها كلها معاً في سبيل وطن كبير عزيز لا تغادره شمس الحرية.

في طول بلاد الكورد وعرضها، كانت الشريحة التي نرصد وعيها، وإيمانها بإشراقة الغد الأفضل، كانت دائماً موجودة، وترافق وعي المجتمع الكوردي، لكنها كان تجد أحياناً بعض الجحود واللامبالاة من بيدهم أن يأخذوا بأيدي هؤلاء، ويساعدوهم، ويناصروهم، ويكونوا خير معين لهم حتى لا تخيب ظنون هذه الفئة الواعية من المجتمع، وحتى تستطيع أن تبدع في دروب الحياة رغم المخاطر والمحن.

وكانت الدعوة على الدوام أن تظل الشرائح الاجتماعية في منأى عن كل خطر، لأنهم بالأساس فئة قليلة جداً من المجتمع، وهي صفوة وعصارة فكر وحضارة المجتمع الكوردي الذي بعد تعب ولأي طويلين فاز بهذه الكنوز التي لا تقدّر بثمن.

وقد نجحت محاولات في حماية هؤلاء من العوز والوقوع في براثن الحجة وقلة الحيلة والفاقة، بيد أنها ظلت في إطار الجهود الفردية غير الممنهجة والصحيحة مبنية على مأسسة الفكرة لا اجتراحها كيفما اتفق.

ولكن، والحق يقال بأسف وألم، بقيت زمر كثيرة – على قلتها- كما أسلفنا أسيرة الإهمال، وحوربت في لقمتها، ومصادر رزقها، وهذا ماجعل المثقف الكردي ” المهدد في هتك عرضه وسلب ماله” دائماً ينشد الانزواء، والابتعاد عن الأضواء، واختيار العيش في الزوايا المهملة، والسباحة في قاع المجتمع، وهو أي المثقف لم يكن بيده حيلة ما حتى يغيّر ما نفسه طالما أن الآخرين من ” علية القوم” كانوا قليلي التفكير بتغيير أنفسهم والأخذ بيد المثقف حتى ينهض بأمته الكوردية الجريجة.

من هذه الزاوية التي حاولت هذه المساهمة أن تلقي بصيص ضوء عليها، ينبغي على المؤسسة الكوردستانية باعتبار أن كوردستان تسير في ركاب الدولة، وإن لم تكن في حالتها المعلنة بحسب مواثيق وعهود أممية، ينبغي أن تفكر بأمر المثقفين والشريحة والطليعة الواعية في المجتمع، وتعتبرهم لقى وكنوزاً لا تقدر بأي ثمن، توفر لها سبل النجاح، وتؤمن لهم مراكز الأبحاث التي تليق بعقول المثقفين والباحثين الكورد النيرة، حتى يعيدوا مع الفعاليات السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وكل من شأنه إعلاء شأن الإنسان الكوردي، ورفعته وعزته، حتى تكون لأمتنا الكردية قيامتها الجديدة.

هذه القيامة إن بينيت على أسس العلم، وأعلاء شأن العقل، لو تجتمع أمم الأرض قاطبة في دحرها، لن تستطيع أن تمسها بسوءة أو فعلة مكروهة شنيعة..

المثقف الكوردي ضمير أمته، فلتعطَ له الفرصة كي يُصهل خيول خيله في ساحة العزة والسؤدد والمجد.

 

المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد “264”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى