آراء

المثقف المزيّف

شورشفان بطال
مع بدء الثورة في سوريا، اعتقدنا جميعا بأن البديل القادم حتما سيكون أفضل من البعث وأجهزته الأمنية القمعية، إلا أن مع مرور الزمن والأحداث تبخر ذلك الانطباع والحلم، حيث أن الحاكم الجديد في مناطقنا بتصرفاته وأفعاله كان أسوء بكثير مما كنا نتوقع، حيث أصبح كابوسا ثقيلا على صدر شعبنا المغلوب على أمره بات يشبه الاحتلال في قوانينه وسلوكه وعنجهيته التي لا مثيل لها.
الملفت في الأمر هو مواقف شريحة من مثقفينا وكتابنا تجاه تلك الأفعال والسلوكيات الممنهجة، على الرغم أنهم من أكثر طبقات المجتمع التي ذاقت مرارة وقساوة تلك القوانين والإجراءات في عهد البعث، وللأسف الآن نراهم يسلكون خطى مثقفي البلاط في سوريا، حيث يؤيدون ويدافعون عن سلطة أمر الواقع في مناطقنا بحجج وذرائع شبيه بحجج وذرائع مثقفي سلطة البعث عن النظام الدكتاتوري في دمشق، وفي الوقت ذاته تقوم تلك الشريحة المثقفة التي هربت من سوريا نتيجة الدكتاتورية والظلم وعدم احترام حقوق الإنسان بتوجيه النقد واللوم إلى السلطة عما آلت إليه الأوضاع في سوريا، بينما هؤلاء المثقفين والكتاب ينسون معاناة شعبنا المسحوق، ويغضون النظر عن قوانين وإجراءات وممارسات التي تقوم بها السلطات الكانتونية في مناطقنا حيث الخطف، الاعتقال، الاغتيال، ومصادرة ممتلكات المواطنين، وحرق مكاتب الأحزاب وإنهاء دور منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وبالتالي إنهاء الحياة المدنية والسياسية بشكل كلي في كوردستان-سوريا.
صمتهم على جرائم وأفعال سلطة أمر الواقع والسير خلف سياساتها وما ينجم عنها من مخاطر وكوراث حقيقية على مجتمعنا الكوردي، بذلك يكونون مساهمين بإرادتهم وبشكل فعال في بناء دكتاتورية جديدة في مناطقنا.
ازدواجية المعايير لدى المثقف في تعامله مع الأحداث والتطورات والديكتاتورية تجعلنا نشك في أفكاره ونقده ومواقفه تجاه النظام البعثي. الإنسان والمثقف الذي لا يقف إلى جانب أبناء شعبه في هذه الظروف التاريخية الصعبة، ولا يحارب الدكتاتورية والطغيان في المناطق الكوردية لا يمكنه الادعاء بمحاربة الدكتاتورية والظلم، وتأييد ثورة أي شعب يثور على نظامه القمعي في أي رقعة من كوكبنا.
المثقف والكاتب الذي ينعم بفسحة من الحرية في ظل القوانين الأوروبية الديمقراطية العصرية، ولا يستطيع أن يعيش برهة واحدة في المناطق الكوردية، هو بذلك يمارس النفاق الثقافي والفكري في أبشع صوره، كما يمارسه شبيحة الأسد الذين يطلون علينا من دمشق على القنوات الإعلامية، وهنا نريد القول والتوضيح لرأي العام بأن نقدنا وعدم رضانا عن السياسية الدكتاتورية والقمعية التي تمارسها السلطات الحاكمة في مناطقنا ليس من منطلق حزبي ضيق، أو مصلحة وقتية، أو محاصصة سلطوية كما يروجونها، فهم بمحاولاتهم البائسة يريدون أن يقنعوا أنفسهم وإرضاء ضميرهم المزيف الميت والتهرب من مسؤوليته الاخلاقية ورسالته المعرفية، بل أن نقدنا ورفضنا لتلك السياسات القمعية يأتي في سياق مسؤوليتنا الاخلاقية والإنسانية والقومية والتاريخية تجاه شعبنا المظلوم، ومحاولته في الحصول على حريته وكرامته، وإننا نسعى إلى تشكيل حالة شعبية عامة وجبهة ثقافية قوية ترفض الدكتاتورية والقمع من أي طرف كان، حيث يأخذ فيها المثقف والاكاديمي دوره كمساند لشعبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى