المجلس الوطني الكردي آن الأوان لمراجعة نقدية شجاعة
إبراهيم اليوسف
بعد أشهر قليلة، يمضي المجلس الوطني الكردي في سوريا، سبع سنوات من عمره، وهي مدة قصيرة في دورة الزمن، إلا إنها مساحة زمنية واسعة في حياة إنساننا الكردي الذي عانى ولايزال يعاني من أنواع كثيرة من الاستبداد، بما في ذلك استبداد”الأخوة” وهو في حقيقته- أهزوءة- وأسوأ أنواع الاستبداد التي مرت، إلى هذه اللحظة، منذ تأسيس سوريا، وإلحاق كرد المكان بهذه الخريطة الطارئة، وفق تفاهمات ومصالح دولية، لما تزل تتجدد، ضمن محور مخططها، مهما تبدلت الوجوه، والأزمنة، والسياسات التكتيكية التي تمارس، ميدانياً، ليتمحور ذلك كله في خدمة استراتيجية واضحة، تشبه حال بقية الكرد، ممن توزعوا على خرائط جديدة أخرى: العراق-إيران- تركيا…!؟
لا يخفى على أحد من المحايدين، من داخل مشهد اللوحة الكردية أن ولادة المجلس الوطني الكردي، بعيد الثورة السورية كانت ضرورة لابد منها، وإن كانت طبيعة واقع الفرقة، ولا أقول: الاختلاف في وجهات النظر، قد تركت أثرها العميق على الحياة السياسية الكرديةفي سوريا، وبدا أن التخلص من تبعاتها ليس بالأمر السهل، وهوما ظهر تدريجياً عبر مسيرة المجلس الوطني الكردي، لاسيما بعيد ظهور كائن سياسي دخيل على الحياة الكردية، وهو مخطط تنظيم” ب ك ك” الذي راح يدير الظهر لما هو مطلوب من مكانه، وصار يتعكز على أسماء سياسية على أنها من كرد سوريا، إلى جانب أسماء أخرى تعمل وراء سلسلة كواليس، منها الميداني، ومنها” العميق”- وفق الاصطلاح السياسي- والذي يصل إلى أغوار كهوف الجبال، تموقعاً، وسياسات، لتزداد خلخلة المشهد السياسي الكردي في سوريا، ونشهد التحولات” الترانزيتية” من قبل بعضنا، انخداعاً، أو خديعة، على ضوء وإيقاع بريق الشعارات أو المنافع، ما أحدث بوناً شاسعاً في المشهد الكردي، وضع المجلس الوطني الكردي أمام خيارات جد صعبة، لاسيما بعيد لجوء هذا الكائن الطارئ إلى خيار العنف، بلا أي رادع قيمي، ليصل ذلك إلى حدود: الاغتيالات والخطف والأسر والتصفيات المعنوية، وسوى ذلك.
كان خيار المجلس الوطني الكردي- هنا- عدم الانجرار إلى ما يخطط له، وإن كانت النتائج كارثية على صعيد إفراغ المكان، والتحول إلى مجرد شاهد على زج الشباب الكردي في بعض الحروب المجانية، كما في منبج والرقة إلخ، بدلاً من حماية إنساننا ومكاننا، من قبل من سيبدو أنه غير معني أصلاً بكليهما: الإنسان والمكان، وهو ما جعل المجلس في وضع لا يحسد عليه، لاسيما بعد تعرضه لأكثر من قمع، وبدا وجود وجوهه في مكانهم، أكبر مأثرة لهم، بينما كان هذا الوجود نفسه غير مرحب به، وإن كنا سنجد أصواتاً محددة تتعالى تدريجياً، تنقد الواقع، وتتفاعل مع الحدث اليومي، من خلال إبداء الموقف الرافض، وعدم القبول بالتصفيق الزائف للإمبراطور العاري، كما في مسرحية إبسن.
وإذا كنت قد أشرت إلى من كان وراء ما آل إليه مصير الكرد في مكانهم، إلى هذا الحال المزري، فإنه لابد من الإشارة إلى أن المجلس الوطني الكردي الذي لقيت ولادته، بالرغم من عدم تبلور رؤاه في بداية الثورة السورية، بالشكل المطلوب، ترحيباً جماهيرياً كبيراً وقد تعاطف الشارع الكردي معه، من أقصاه إلى أقصاه، وكانت مظاهرة” المجلس الوطني الكردي يمثلني” أكبر شاهد على ذلك، في الوقت الذي لم يكن بإمكان- الاتحاد الديمقراطي- تحريك أكثر من بضع عشرات الأشخاص من مؤيديه في مدينة كقامشلي- وهو صورة عن رصيده الحقيقي بين أبناء كرد سوريا- إلا أن المجلس لم يحسن التعامل مع التحولات التي تتم، وراح يخترق الحراك الشبابي، ويعتمد بعض من لا تاريخ نضالياً لهم، ممن استغلوا اسمه، بوساطة بعض الأسماء المتحكمة آنذاك، بينما تمَّ إقصاء أعظم رصيد شبابي له، كما أنه بات يبحث عن- الكم- لا- الكيف- وتم احتضان ممثلي بعض الأحزاب شبه الوهمية، من دون أن يستفيد من تجربة الحركة السياسية مع هذا الاسم أو ذاك، ناهيك عن اعتماده على أسماء وأحزاب محددة، وإهمال أخرى، وخلق مؤسسات وهمية، وإقصاء مؤسسات فاعلة، ما جعلنا أمام جيش من المرتزقة الحقيقيين الذين لا يفكرون إلا بهذا المكسب، أو ذاك، وهم أعظم عبء على كاهل المجلس الوطني الكردي.
ثمة قضايا أكثر حساسية، لم أرد مقاربتها إلا سريعاً-هنا- وهي وغيرها، لابد من أن تُتناول من قبل المجلس الوطني الكردي الذي يراه كل منصف، بالإضافة إلى بعض الأحزاب والقوى من خارجه، بمن فيهم جمهور المستقلين، الوطنيين، الغيارى،أن هؤلاء جميعاً ممثلو نبض الحركة الكردية التاريخية التي يمثلها هذا المجلس، وبعض من هم خارجه، وإن كانت أخطاء كل من هؤلاء على حدة أمام أعيننا، وثمة ما هو مؤلم، يكاد لا يحتمل، وهو في مخيلة كل متابع، وكل معني بالشأن الكردي.
وعندما نرى أن المجلس الوطني، ومن تمت الإشارة إليهم :محيطه من المستقلين، بل و الأحزاب الفاعلة التي كانت من ضمنه إلى وقت قريب، نواة الفضاء التمثيلي التاريخي لكرد المكان، فإن هذا ليضع على كاهل الغيارى عليه مهمات جد كبيرة، أولها ضرورة مراجعة الذات: وجوهاً ومؤسسات، وإن كنا سنجد، على الدوام، أن هناك من تنطبق عليه صفة: المناضل، بالإضافة إلى من تنطبق عليه غير ذلك من الصفات النقيضة، وإن كنت أرى أن خصيصة الصمود في الوطن، في ظل هيمنة أحد أبشع أشكال الدكتاتورية المركبة، هي أعظم شكل نضالي يتم من قبل الكردي، وهوما ينطبق على كل من يتشبث بانتمائه للمجلس الوطني الكردي، بالرغم من كل حملات التخوين بحقهم، وهي، حتى وإن تمت من قبل: ناشطين أو كتبة مناوئين للمجلس الوطني الكردي، فهي تدخل في إطار التحريض على العنف، والتصفيات، شأن أصحابها شأن ممارسي العنف، على نحو عملي، بل أسوأ، على الصعيد الأخلاقي.
وحين أركز على أولوية بل أهمية وضرورة المراجعة النقدية من لدن المجلس الوطني الكردي لتجربته، بشجاعة، وبعيداً عن الكوابح، فإن الاتهامات الرخيصة التي تبدر عن مناوئي المجلس، لا تدخل في الحسبان، فهي في طبيعتها كيدية، وهي مملاة على هؤلاء، لاسيما إنها تبدر عن فعل تحريضي، وسرعان ما تنقلب هذه الجوقات التي تنفذها، في الفضاء الافتراضي، والواقعي، من أقصى المواقف إلى أقصاها، بناء على توجيه ما. إيماءة ما، وفي هذا ما ينفي عنها أي توصيف أخلاقي أو قيمي أو واقعي سياسي.