المجلس الوطني الكُردي وتحدّيات المرحلة
إسماعيل رشيد
المجلس الوطني الكُردي هو مشروع انبثق من عمق معاناة شعبنا، وكمسؤوليةٍ تاريخية و نضالية، للتعبير عن تطلعات شعبنا الكُردي ، وانخرط في العملية السياسية حول مستقبل سوريا ،التي ترعاها الأمم المتحدة ، وحسم خياره بالانخراط في المعارضة السورية السلمية، كوننا كنا معارضين لسياسات النظام منذ تأسيس الحركة السياسية الكُردية في سوريا، وطُبّقت بحقّنا سلسلة ممنهجة من السياسات العنصرية والاستثنائية (تعريب، تجريد من الجنسية، طمس الهوية القومية، الفصل والمنع من الوظائف، الاعتقالات….إلخ ).
ومع ذلك لم نرضخ لآلة القمع العنصري ، وسنسعى بكلّ الوسائل والطرق الدبلوماسية لتثبيت حقوق الشعب الكُردي إلى جانب حقوق كافة مكونات الشعب السوري في دستورٍ يشارك فيه كافة مكونات الشعب السوري بعيداً عن سياسة الهيمنة والاستعلاء التي كان يمارسها النظام، وسنعمل مع حلفائنا لإنهاء معاناة السوريين، وإيجاد حلٍّ سياسي شامل للأزمة السورية عبر تطبيق القرارات الدولية، وخاصةً القرار 2254 الذي يضمن عملية الانتقال السياسي وينهي الاستبداد والفوضى والدمار ومناطق النفوذ وعمليات التغيير الديموغرافي وعودة المهجّرين إلى مناطق سكناهم الأصلية وعودة الحياة المدنية عبر نظامٍ لا مركزي سياسي تعددي .
فقد شهدت الساحة السورية خلال الأعوام الماضية سلسلة من التحولات السياسية والمتغيرات الميدانية، بتأثير عوامل عدة دولية وإقليمية، جعلت طرفي الصراع، النظام والشعب السوري، الحلقة الأضعف في عملية اتخاذ القرار حول مصيره، نتيجة تجاذبات ومقاربات دولية – إقليمية، جعلت الميدان السوري وفضاءه مناطق نفوذ، ومسرحاً لكسر العظم السياسي عبر إدارة الأزمة وذلك من خلال أدواته لإطالة عمرها على حساب معاناة الشعب السوري وتضحياته ، ومع ذلك فإنّ مطالب الشعب السوري لم تتوقّف، ولا يعني ذلك هزيمته أمام تعنّت النظام وتمسّكه بالحلّ العسكري، وتشتّت المعارضة السورية وتعدّد منصاتها، وانحراف بوصلتها السياسية، وسيطرة لميليشيات لمسلّحة على أكثر من بقعةٍ جغرافية سورية، ناهيك عن عدم جدية المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته تجاه الشعب السوري ومحنته المروّعة.
و كلّ هذه المحدّدات لن تنال من عزيمة الشعب السوري و لن تدفعه للاستسلام ، بعد أن أصبح نصفه مهجّراً، ناهيك عن آلاف الضحايا والمعتقلين والمغيّبين نتيجة سياسات النظام ، فقد تمّ إنجاز وثيقة مهمة بين المجلس الوطني الكُردي ENKS والائتلاف السوري المعارض ( بالرغم من هشاشة تنفيذها) تؤكّد على حقوق الشعب الكُردي ورفع صفة العروبة عن توصيف الدولة، وتمّ تمثيل ENKS ككيانٍ ذي شخصيةٍ اعتبارية من الكيانات السبع ضمن هيئة التفاوض السورية، ولـ ENKS تمثيل في اللجنة الدستورية حول مستقبل سوريا، وكذلك اللجنة الدستورية المصغّرة ، وهناك مفاهيم ومنطلقات أفرِزت بالرغم من حدّة النقاشات حولها نتيجة تفاعلنا ووجودنا مع الآخر كاسم الدولة، عروبة سوريا، اللامركزية، الهوية الوطنية، دولة متعددة القوميات، اللغات الرسمية، وهناك وثائق مهمة تمّ إنجازها بمشاركة وجهود المجلس الوطني كوثيقة رياض 2 .
فكلّ هذه المحدّدات هي نقاط ارتكاز مهمة للبناء عليها مستقبلاً حول صياغة المبادئ الدستورية وصولاً إلى كتابة دستور يضمن الاعتراف بحقوق شعبنا، فالقضية الكُردية حاضرة على طاولة المفاوضات الأممية، ولايمكن تجاوزها، ولانخفي بأنّ الكثير من القضايا والنقاشات الحادة والمستعصية بين النظام والمعارضة تعود أصلاً لمطالبنا الكُردية ، فالمشوار لا زال طويلاً ومعقّداً ونحن بحاجةٍ إلى المزيد من التفاعل والاستقطاب لكسب المؤيّدين إلى جانب قضيتنا وهو خيار استراتيجي نتمسّك به .
الشعب السوري برمّته دفع فاتورة المطالبة بحريته وكرامته ، ونحن الكُرد دفعنا ثمناً باهظاً نتيجة ممارسات PYD في سوريا منذ تسلّمه إدارة مناطقنا من النظام السوري، فكان القمع والاعتقال والتخوين وقمع المظاهرات والاحتجاجات والتفرد، لا بل الاستهتار بمصير شعبنا عبر ممارسات وقوانين تخدم أجندته الحزبية وأيديولوجيته من تجنيدٍ إجباري وتعليمٍ مؤدلج وجرّ الشباب الكُردي إلى معارك خارج ساحتنا، مما خلق عداواتٍ مع المكونات الأخرى، نحن بغنى عنها، ناهيك عن سياساته التفردية والإقصائية والتي ساهمت ببازارات دولية حول العديد من مناطقنا وكانت النتيجة كارثية، كلّ هذا ساهم بقوةٍ في هجرة وتهجير الشباب الكُردي، وبالتالي تفريغ المنطقة من سكانها الأصليين وتعرّضها لعمليات تغييرٍ ديموغرافي.
وبالرغم من كلّ هذه الممارسات الوخيمة على شعبنا، فقد دخل المجلس الوطني الكُردي في العملية التفاوضية مع أحزاب الوحدة الوطنية بقيادة PYD كخيارٍ استراتيجي لوحدة الموقف وعدم تفويت الفرصة أمام حقوق شعبنا في ظلّ وجود الراعي الأمريكي كضامنٍ للحوارات، وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية والمصلحة العليا بذل المجلس جهوده لتجاوز العقبات الأولية ( إجراءات بناء الثقة ) والتي لم ينفّذها PYD ، وللأسف بعد مرور حوالي سنة على هذه المفاوضات لاتزال إجراءات بناء الثقة مفقودة، وأحزاب الوحدة الوطنية بقيادة PYD لم تدخل هذه الحوارات بشكلٍ جدي، وكلّ تصريحاتهم وممارساتهم لاتخدم العملية التفاوضية ويتطلّب من الراعي الأمريكي ممارسة الضغط الكافي على PYD للالتزام بمعايير وأخلاقيات التفاوض، وإلا ستبقى العملية برمتها تضييعاً للوقت، والحوار من أجل الحوار فقط ، فالملفات المفصلية (العقد الاجتماعي – الملف العسكري – الإدارة – العلاقة مع حزب العمال الكُردستاني) لازالت تراوح مكانها ، ولا زال PYD بعيداً عن ذهنية وثقافة تقبّل الآخر ومبدأ الشراكة ، وعليها القيام بمراجعة شاملة لمجمل سياساتها وممارساتها، وأخذ العبر من نتائجها الوخيمة كعفرين وكري سبي/ تل أبيض وسري كانييه / رأس العين ، وستبقى بقية مناطقنا عرضة لمصير سابقاتها في ظلّ الاستهتار بمصير شعبنا خدمةً لأجندات لاتمّت بصلةٍ بقضية شعبنا وحقوقه .
المقالة منشورة في جريدة يكيتي العدد 285