آراء

المرأة الكُردية بين النزوع إلى الحرية وقيود المجتمع

فرحان مرعي

تميّزت المرأة الكُردية عبر التاريخ بشيء من الحرية النسبية مقارنةً مع أقرانها من النساء من شعوب المنطقة، فهي كانت ربة بيت، وتعمل في الزراعة وتربية المواشي مع الرجل، وتقود العائلة والعشيرة، إلى جانب توقها إلى التعليم، معتدلة في الدين، محتشمة في لباسها، غير منقبة أو محجّبة، حتى في العهد الإسلامي.

في الآونة الأخيرة، ومع ما سميت بالصحوة الإسلامية، بعد انهيار المنظومة الشيوعية في نهايات القرن الماضي، انتكست مسارات الحرية، فأصبحت المرأة الكُردية أكثر محافظةً وتقليداً وتبعية، متأثرة بأجواء التزمت الديني، وأكثر تمسكاً بالرموز الدينية الشكلية في أداء الطقوس وفي الزي الرسمي ، لتحلّ هذه الطقوس محل العقل والجوهر والمنطق، وفي العقد الأخير، ومع ازدياد الهجرة إلى الخارج، نتيجة تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية التي اجتاحت بعض دول الشرق الأوسط وكُردستان، ظهرت المرأة الكُردية أكثر تشجيعاً على الهجرة، مع وصف الموطن الجديد، من قبل المهاجرين والمهاجرات، بصبغة ذهبية، من أجواء الحرية والرفاهية، فانكشفت حالة الصراع الداخلي، والكبت، التي كانت تعانيه المرأة الكُردية في الموطن الأصلي، صراع بين التعطش إلى الحرية ، والانعتاق من القيود ،وضغط المجتمع.

لم يخلُ الأمر من المظاهر السلبية من هذا الانتقال المفاجئ، إلى جانب المكتسبات والعناصر الإيجابية التي وفرتها تلك البلدان للمرأة، وخاصةً أنّ القوانين الأوربية والغربية عموماً، وقفت إلى جانب المرأة وحقوقها في مجالات المساواة وتكافؤ الفرص مع الرجل، في مجالات العمل والتعليم والتعبير، وقوانين الأحوال الشخصية، وحمايتها في المجالات الاجتماعية والفردية، الأهم من كل ذلك، أنّ الموطن الجديد حقّق للمرأة الحرية الاقتصادية، مما حرّرها من عقدة الدونية والتبعية للرجل إلى جانب قوانين الأحوال الشخصية، التي منحتها حرية الاختيار والطلاق، وحقها في امتلاك أولادها، في حالة الانفصال، هذه الوقائع الإيجابية حرّرت المرأة الكُردية من كثير من القيود التي كبلتها في مواطنها الشرقية ،وحرّرتها من ضغط المجتمع والخوف والعيب ، حيث كانت أسيرة الرجل في مجتمع ذكوري متزمت ينظر إلى المرأة بدونية مفرطة وقاصرة وناقصة عقل..

وإذا كان هذا الواقع الجديد وفّر للمرأة مساحات من الحرية والانفتاح، إلا أنّ فئة من النساء استغلّت هذه القوانين والحريات الشخصية المتوفرة بشكلٍ سلبي، فلم تستطع ،إلى جانب التزامها بالقوانين الأوربية والغربية، الحفاظ على ثقافاتها وقيمها الشرقية، ولم تستطع التوازن بين الالتزام والحفاظ على قيمها، فحصّلت ما يشبه الصراع بين الأصالة والحداثة، لذلك نسمع كثير من حالات التفكك العائلي وانهيارها، وازدياد نسب الطلاق، وتأثير ذلك على العائلة النواة والأولاد، وانفكاك الروابط العائلية وانصهارهم كلياً في الوسط الجديد، وانحرافهم ونسيان ثقافاتهم ولغتهم الأم،..ولكن أيضاً، هذا لن يغيّب عنا الحقيقة ، إنّ قسماً من الشباب، والنساء والرجال، استطاعوا من تكوين ذواتهم سواءً بالعمل أو الدراسة والتعليم والتفوق والارتقاء إلى مراكز عالية في دول المهجر.

في المحصلة: إنّ نزوع المرأة الكُردية وسعيها إلى الحرية والانعتاق من القيود ، ونضالها من أجل المساواة مع الرجل في الحقوق والواجبات لا يعني التخلي عن القيم النبيلة لمجتمعاتها الأصلية ، وحماية العائلة،من التشتت والانفكاك، والانصهار كلياً في المجتمع الجديد ، وحماية قيم الكينونة الشخصية ، ولغة الام لأولادها ، وفق مقتضيات الزمان والمكان.

المقال منشور في جريدة يكيتي العدد “329”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى